هل ظلم سعيد صالح نفسه.. أم ظلمه نظام الرئيس الاسبق حسني مبارك وجعله هدفا له بعد خروجه عن النص في مسرحية لعبة اسمها الفلوس حين قام صالح بالسخرية من رؤساء مصر الثلاثة عبد الناصر والسادات ومبارك وكانت سخريته من مبارك أكثر حدة وقسوة ؟
الحق أن ما حازه صالح من مكانة في تاريخ الفن العربي – والكوميديا على وجه الخصوص- ومع أهمية هذه المكانة فإنها لم تكن تتناسب مطلقا مع تلك الموهبة الكبيرة الفريدة المتجذرة التي تميز بها سعيد والتي كانت تؤهله لأن يكون جنبا إلى جنب مع رفيق رحلته وشريك مشواره وصاحبه وصديقه المقرب عادل إمام في زعامة الكوميديا في مصر والعالم العربي.
إسقاط سياسي
حين سئل سعيد صالح في برنامج ساعة صفا مع صفاء أبو السعود منذ سنوات طويلة عن تلك المكانة التي لم يصل اليها وكان يستحقها بكل تأكيد قال : لم أنظر أبدا إلى منافسة صاحبي .. لكنني بحثت لنفسي عن طريق آخر .. عن سكة أخرى للتميز فاتجهت إلى المسرح الغنائي .. لأتميز فيه وأصبحت في هذه المجال لا ينافسني فيه أحد
كانت إجابة جيدة ومنطقية لكن المرارة التي كانت تبدو واضحة في طريقة إجابة سعيد عكست نوعا من الإحساس بالندم أو الإحساس بالظلم من نظام تعرض سعيد في ظله للحبس عدة مرات
في مسرحية لعبة اسمها الفلوس في عام 83 خرج سعيد عن النص ليقول “أمي اتجوزت 3 مرات واحد أكلنا المش والتاني علمنا الغش والتالت لا يهش ولا ينش ” ما اعتبره نظام مبارك اسقاطا سياسيا واضحا على عبد الناصر والسادات ومبارك وكانت السخرية الأصعب من مبارك الذي لا يهش ولا ينش وحول سعيد للنيابة وحبس سبعة ايام احتياطيا وتنحى القاضي عن القضية ثم جاء قاض آخر حكم بالافراج عن سعيد
ويعدها في الثمانينات ايضا وفي مشهد عدته الرقابة خروجا على الأعراف والتقاليد وخدشا للحياة حين سأله صديقه في احدى المسرحيات عما يفعل وهو يمسك بسنارة فأجاب اجابة اعتبرتها الرقابة خادشة للحياء وحبس بسببها 17 يوما وفي عام 1991 قبض على سعيد صالح بتهمة تعاطي الحشيش لكن تمت تبرئته من هذه التهمة لعدم كفاية الادلة وبعدها بأربع سنوات فبض عليه في قضية تعاطي مخدرات أيضا وحكم عليه هذه المرة الأخيرة بالسجن لعام كامل
وفي سجنه تعرف سعيد على سجين سال سعيد : ألا تريد أن تكلم الله ؟ فقال له سعيد كيف فأجابه بان تقرأ القرآن وفعلا داوم صالح على قراءة الٌقرآن ثم على الصلاة بشكل متواصل وبعد خروجه من السجن حج سعيد صالح إلى بيت الله الحرام 14 مرة وقال بعد تجربة السجن إنه تغير كثيرا جدا وأن السجن كان نقطة تحول في حياته وبسببه أقلع عن كل ما يغضب الله
صديق الزعيم
حين رحلت والدة سعيد صالح رحل معها الامان، فقد كان سعيد يشعر بالامان وبالسلام النفسي في وجود والدته التي كانت تفضله على بقية اشقائه فهو الابن البكر وجاء بعده شقيق واحد وثلاث شقيقات.. في يوم رحيل والدة سعيد كان يقدم وقتها إحدى المسرحيات، فأصر على عرض المسرحيبة وأداء دوره فيها وبعد انتهاء العرض جاءه صديقه المقرب عادل إمام ليذهب وجلس معه حتى الصباح يحاول إضحاكه قال سعيد صالح عادل امام فقط هو من كان معي إلى جواري ليلة رحيل والدتي
هذا الموقف يلخص علاقة صداقة عظيمة استمرت بين النجمين الكبيرين لسنوات طويلة وتشاركا خلالها في أعمال فنية كثيرة جدا ،ففي المسرح كانت المسرحية الأشهر”مدرسة المشاغبين” التي استمر عرضها ست سنوات وتنافس فيها كل من عادل امام وسعيد صالح منافسة فنية كوميدية رائعة عادل في دور الزعيم الذي التصق به طوال مشواره الفني بعدها وسعيد في دور مرسي الزناتي وقد أبدع فيه وارتجل وكان رائعا كعادته اما في السينما فاشترك سعيد مع عادل في أفلام كثيرة مثل رجب فوق صفيح ساخن وسلام يا صاحبي والمشبوه وانا اللي قتلت الحنش وبخيت وعديلة والواد محروس بتاع الوزيروامير الظلام وزهايمر الذي كان سعيد قد أصيب بالزهايمر فعلا قبل بدء تصويره وقال المخرج عمرو عرفة إن سعيد الذي أدى دور صديق عادل المصاب بالزهايمر كان مصابا بالفعل ونسي تماما كلام واسكريبت المشهد العظيم الذي ظهر فيه مع عادل لكن العجيب والغريب أنه ارتجل المشهد الذي يُظهر اصابته بالزهايمر على أبدع ما يكون.. وحين رحل سعيد قال عادل إمام أنه كان الصديق الأقرب إلى قلبه
ممنوع من السفر
لسعيد صالح مثات الافلام والمسرحيات فقد عمل فيما يقرب من 500 فيلم من أبرزها قصر الشوق وكيف تسرق مليونيرا والحرامي وورد وشوك وربع دستة أشرار ولعبة كل لايوم والعذاب فوق شفاه تبتسم اما بدايته المسرحية فكانت عام 1969 في مسرحية هالو شلبي مع عبد المنعم مدبولي ومديحة كامل واحمد زكي ومحمد صبحي من اخراج سعد أردش وهي المسرحية التي كانت منصة لانطلاق مجموعة بارزة من النجوم هم احمد زكي وسعيد صالح ومحمد صبحي ومديحة كامل.
https://www.youtube.com/watch?v=jHUICsBHx7I
كما مثل سعيد في الثمانينات مسرحية كعبلون التي كانت مسرحية تحمل طابعا سياسيا من الطراز الاول وهي التي زادت من تربص نظام مبارك به وغضبه عليه وفي واقع الأمر فإن أغلب ارتجالات سعيد صالح كانت سياسية وتوجه سهاما ناقدة للنظام ولأدائه في عصر مبارك .. وحين سئل سعيد صالح عن المسرح التحريضي الذي يقدمه قال : إنني أنبه وأدق أجراس الإنذار
وقد غنى سعيد صالح في مسرحية كعبلون كلمات أحمد فؤاد نجم الثورية التي تعبر عن عشق حقيقي للوطن وتقول كلماتها :
ممنوع من السفر … ممنوع من الغنا ..ممنوع من الكلام .. ممنوع من الاشتياق .. ممنوع من الاستياء …ممنوع من الابتسام .. وكل يوم في حبك ..تزيد الممنوعات .. وكل يوم باحبك .. أكتر من اللى فات
وهي أغنية شدا بها من قبل العبقري الشيخ إمام.. وحين سئل سعيد صالح عن مسالة الخروج عن النص قال : أنا ملك الخروج عن النص ثم أردف : لكن كان هناك تربص واضح بي.. لقد مثل سعيد صالح صوت الفن المعارض في عصر مبارك بحيث يمكن اعتباره رئيس حزب المعارضة في المسرح المصري آنذاك
وقام صالح ببطولة عدد من المسلسلات التليفزيونية مثل السقوط في بئر سبع الذي قام فيه بدور الجاسوس ومسلسل يا مولاي كما خلقتني ومسلسل أحلام مؤجلة وغيرها
تزوج سعيد صالح من سيدة تدعى نادية أنجب منها ابنته الوحيدة هند التي تخرجت من معهد السينما قسم المونتاج وعملت مونتيرة وتزوجت زميلا لها يعمل مصورا سينمائيا كما تزوج عام 2008 من فنانة شابة تدعى شيماء فرغلي كانت تصغره بسنوات كثيرة.. وقال سعيد صالح عن علاقته بالمرأة: لا استطيع ان اعيش بدون حب أنا أحب دائما في كل مراحل حياتي فالمرأة هي الحياة وهي الرحمة
سعيد صالح ولد في قرية تتبع مركز اشمون بالمنوفية في الواحد والثلاثين من يوليو عام 1938 لوالد كان أزهريا وانتقلت اسرته للعيش في حي السيدة زينب حيث اكتشف مدرس التربية المسرحية حسن يوسف موهبته الفنية العظيمة في إحدى مدارس الحي العريق وحصل سعيد بعدها علي ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1960 ثم بدأت مسيرته الفنية الطويلة .. التي استمرت حتى رحيله في الأول من أغسطس عام 2014عن ستة وسبعين عاما ويوم واحد فقط اثر اصابته بالتهاب رئوي وكان قبلها يعاني من مرض السكر وقام بتغيير ثلاثة شرايين في القلب .. رحمه الله