في الفيلم الأمريكي المميز “ذا شاوشانك ريديمشن” يقرر السجين أندي (تيم روبنز) الذي سٌجن ظلماً بتهمة قتل لم يرتكبها وأدت الى إيداعه في سجن ذو حراسة مشددة اكثر من عشرين عاماً أن الكيل قد فاض به والوقت قد حان لينتزع حريته بيده ويفر من السجن الذي يديره مدير فاسد ورجال أمن ساديين.
وبالفعل يقوم أندي وبشكل سري يخفيه حتى على اقرب المقربين اليه بحفر كٌوة في جدار زنزانته تقود الى مواسير صرف المياه ثم يزحف عبر تلك المواسير متحملاً كل ما تحتويه حتى يصل إلى الحرية خارج أسوار السجن وتغمره مياه المطر في طقس اشبه بالتعميد وفي مشهد بديع للغاية على مستوى الصورة والموسيقى والأداء.
من الطريف أن ما قام به اندي في هذا الفيلم الذي أنتج عام ١٩٩٤ قد سبقه اليه اسرى المقاومة في كل من فلسطين ولبنان في ثمانينات القرن العشرين.
فمع احتلال الدولة الصهيونية لجنوب لبنان ضمن ما أسمته بعملية الليطاني في عام ١٩٧٨ ثم اجتياحها للبنان من اقصاه الى اقصاه في صيف عام ١٩٨٢ أنشأ الصهاينة معتقل انصار لإيداع الاسرى الفلسطينيين واللبنانيين فيه على امل سحق مقاومتهم وظل عدد الاسرى في المعتقل يتزايد حتى بلغ عشرة آلاف معتقل.
الا ان الحراسه المشدده وكافة الإجراءات الأمنية لم تكسر إرادة المقاومين وشوقهم للحرية التي تمكنوا من انتزاعها بأظافرهم٫ بالمعنى الحرفي للكلمة.
ففي عام ١٩٨٣ أسر الصهاينة المقاوم اللبناني عاطف الدنف خلال تنفيذه عملية فدائية ضد قوات الاحتلال واقتيد الى معتقل انصار٫ وهناك بدا الدنف يخطط مع مجموعة من رفاقه لكيفية تحرير انفسهم من الاسر.
وعلى طريقة فيلم “شاوشانك” قام المناضلون وكان عددهم نحو ثلاثين بالتناوب على حفر نفق ترابي بلغ طوله 27 متراً وبلغ عمقه مترين ونصف المتر ويقود الى خارج المعتقل٫ واستخدم المناضلون كافة امكانياتهم البسيطة كالملاعق بل بأيديهم العارية حتى تمكنوا من حفر هذا النفق في غفلة من القوات الصهيونية التي تحرس المعتقل.
وبحلول الثامن من أغسطس٫ تمكن الدنف ورفاقه من استخدام النفق الذي اسموه نفق الحرية للخروج من المعتقل٫ وشكلت تلك العملية، صدمة وانتكاسة لقوات الاحتلال التي اكتشفت الأمر متاخراً بعد نجاح المقاومين في الخروج.
وشاءت الاقدار ان ينال الدنف شرف الشهادة بعد عام من العملية في مواجهة مع قوات الاحتلال وتحديداً في صيف عام ١٩٨٤ ينتزع حريته حياً وميتاً.
كانت عملية “نفق الحريه” تجسيداً حياً لاغنيه فرقة العاشقين الفلسطينية التي تمتدح صمود أسرى انصار وتحييهم قائله:
“حبستوا جسم البطل
ما حبستوش الروح
روحه في حجم الجبل
تحمل عنا الجروح”
وبعد نحو ٣٧ عاماً من عملية انصار٫ يكرر اسرى ومقاومون فلسطينيون في سجن جلبوع ذو الحراسه المشدده في فلسطين المحتلة والقريب من مدينة بيسان المحتلة عام ١٩٤٨ نفس السيناريو وينتزعون حريتهم بشكل مماثل لما فعلوه مناضلو أنصار.
ففي حوالي الساعة الثالثة وخمس وعشرين دقيقة من صباح يوم السادس من سبتمبر عام ٢٠٢١ تمكن ستة أسرى فلسطينيون من تحرير أنفسهم من السجن الأشد حراسة في كيان العدو عبر حفر نفق استغرق عدة سنوات تحت حمام زنزانتهم بواسطة ملعقة صدئة أخفوها خلف ملصق على الحائط.
وبحلول الصباح كان كل من محمود عبد الله عارضة والأسير محمد قاسم عارضة والأسير يعقوب محمود قادري و الأسير أيهم نايف كممجي والأسير زكريا زبيدي والأسير مناضل يعقوب نفيعات وكلهم محكومون بالسجن مدى الحياة بسبب نشاطهم المقاوم في طريقهم إلى الحرية خارج أسوار جلبوع.
وكما حدث في انصار٫ استفاق الصهاينة على الخبر الصادم وعلى صور النفق الذي يمثل فشلاً فادحاً لمنظومتهم الأمنية ووصف مسؤول أمني رفيع حادثة هروب الأسرى من سجن جلبوع بأنه “أحد أخطر الحوادث الأمنية التي شهدتها إسرائيل”٫ كما صرح وزير الأمن الداخلي الصهيوني عومر بارليف “إن عملية الهروب كانت مخططة بشكل دقيق للغاية وبالتالي كان من المحتمل أن تكون هناك مساعدة خارجية “.
في جلبوع كما في انصار٫ كان قرار الاسرى بكسر القيود التي فرضها عليهم جلادوهم ومحتلوهم تاكيداً لكلمات الاغنية المشار اليها سابقاً:
“سجن العدو ما يقدر
يحجب عنا الاوطان
احنا لفلسطين معبر
احنا فدا الأوطان”