مختارات بقلم د.حمدي سليمان، نقلا عن صفحة الشاعر عبد المصري على الفيسبوك
الشاعر عبده المصرى واحد من مبدعينا الكبار، الذين وضعوا اللبنة الأولى لقصيدة العامية في الإسماعيلية مع الشعراء: إبراهيم عمر ومحمد يوسف ومدحت منير، بعد أن كانت الأغنية والأشكال الزجلية تتصدر المشهد في منطقة القناة بشكل عام، ظهرت موهبته الشعرية المتميزة أثناء دراسته للحقوق بجامعة القاهرة، وتفاعله مع الحياة الثقافة، الأمر الذي وضع اسمه بجانب كبار الشعراء في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهو يعتبر أقل مجايليه إنتاجا من حيث الكم، إلا أنه يعد من الذين حفروا أسماءهم بجدارة في تاريخ قصيدة العامية المصرية، فأعماله على قلتها تتسم بالتميز والصوت الخاص، وتمتلك خفة ورشاقة فائقة تمكنها من التعبير عن علاقته بالبشر والحياة ببساطة وسخرية لاذعة يستعذبها الكثير من الناس، وهو ما يمكن ملاحظته في هذا الديوان الجديد «الورد عابر سبيل» فالشاعر رغم تجربته الطويلة وخبراته المتعددة في كتابة العامية وامتلاك أدواته؛ قد ركز اهتمامه بشكل أصيل على جوهر الشعر وتعامل معه لا مع أشكاله التي تغيرت تبعا لاختلاف الذائقة وإيقاع الحياة، وفى هذه التجربة نجد أن تيمة «الحنين» تعد مشتركا أساسيا في الكثير من النصوص، تفرض تجلياتها وتشكيلاتها الجمالية في مواجهة الواقع، خاصة وأن الذات الشاعرة تحلق في فضاءات الحنين والذكريات الإنسانية البسيطة التي تعبر عن جوهرة الشخصية المصرية، ففي كثير من القصائد تتفجر الأسئلة التي تُعبِر عن حيرة الذات وارتيابها الوجودي، مما يدفعها إلى الحنين إلى سنوات الصبا والمعرفة الأولى والأصدقاء والأماكن، حيث تبزغ أسئلة جديدة لمعرفة متناثرة مُبددة عن الواقع والعالم المليء بالتناقضات.
يقول شاعرنا:
“ولو خيالي اتجن واتجنيت/ وسافرت م الشباك لباب البيت/ وسبت ضِلّي ع الطريق ومشيت/ أبص ع الماشيين وع الراكبين سفن وجمال/ ما بقاش سوي ضلي يسرقني من روحي وم الأحلام”.
وهذا العالم أو الملاذ الذى تؤسسه المخيلة الشعرية يخلق علاقة جدلية بين الواقع والماضي الأكثر إنسانية من وجهة نظر الذات الشاعرة. وربما يكون في ذلك حيلة فنية لجأ إليها شاعرنا تجاوزا وهروبا من واقع رديء ومظلم، على الرغم من تشابكه وتفاعله معه، واقع تحكمه الأفكار العتيقة والرؤى المتحجرة، وتسوده العلاقات المادية، ولعل من أهم الدوافع الوجدانية لهذه التقنية هي التخفف من أعباء الواقع المؤلم، والهروب إلى فضاءات الذاكرة، وما تصبو إليه بعيدا عن العالم الذى تكثر فيه الصراعات ويحكمه العبث اللانهائي:
“أنا مش سعيد/ اللعبة ذاتها بتتلعب/ والحلم عمال يتسرق/وجموع تموت وتنجلد/ وجموع بترجع تتولد/والروح مازالت ف الطوفان/ لاهي راسيه ولا لاقيه مكان.
لذا يريد الكثير منا أن يغير واقعه وأن يرى ما في خياله واقعا، خاصة الأجيال الجديدة التي ينتصر لها الشاعر، والتي يموج بداخلها العديد من التساؤلات عن مغزى الحياة، ومشروعية التحولات التي يشهدها واقعنا بكل ما يحمله من تناقضات وإحباطات تصل في بعض الأحيان لانكسارات مؤلمة، تلك الأجيال التي تتطلع لمستقبل أفضل، وتحلم بفضاءات أكثر براحا، وهو حق إنساني أصيل، إلا أن هناك أيادٍ خفية تحول هذه الأحلام إلى كوابيس:
“عرايا نشبه بعض/ بنبص تحت القدم/ لاطلنا سما ولا أرض/ ماعدش غير صوتنا/نهتف بأرواحنا”.
«الورد عابر سبيل» هو الديوان الثالث في رحلة عبده المصري الإبداعية الطويلة، فقد قدم لنا من قبل ديوان «ضماير الغياب» وهو الديوان الفائز بجائزة النشر الإقليمي وتمت إعادة طبعه في مكتبة الأسرة، ومن بعده ديوان « نسوان الصبح بدرى”.