رؤى

كيف غيّر الغزو الأمريكي أفغانستان

نقلا عن دويتشه فيله
ترجمة وعرض: تامر الهلالي

قبل عشرين عاما دخلت القوات المتحالفة بقيادة الولايات المتحدة إلى أفغانستان وأطاحت بنظام طالبان الإسلامي المتشدد.. بعد عشرين عاما، عاد المسلحون إلى السلطة، لكن هل ظلت أفغانستان هي الدولة نفسها؟

في 7 أكتوبر 2001، غزت الولايات المتحدة أفغانستان للانتقام من تنظيم القاعدة الذي أعلن مسئوليته عن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.. كان الهدف الأساسي للغزو الأمريكي هو مطاردة أسامة بن لادن ومعاقبة طالبان لتوفير ملاذ آمن لقادة القاعدة.

لقد تطلب الأمر القليل من الجهد من جانب الولايات المتحدة لتفكيك نظام طالبان؛ لكن بن لادن تمكن من الفرار، وقتلت القوات الأمريكية زعيم القاعدة السابق في نهاية المطاف في مدينة “أبوت آباد” الباكستانية عام 2011.

كان الغزو ناجحا إلى حد كبير، على الرغم من أن مقاتلي طالبان والقاعدة ظلوا مراوغين وتمكنوا من إعادة تجميع صفوفهم بعد سنوات قليلة فقط من وصول حكومة حامد كرزاي المدعومة من الغرب إلى السلطة في كابول.

بحلول عام 2005، استعادت حركة طالبان الكثير من قوتها المفقودة وأطلقت حملة عنيفة لتحدي وجود الناتو؛ لكن بالنسبة للعديد من الأفغان، أدى الغزو الأمريكي والانهيار اللاحق لنظام طالبان إلى إحداث تغيير إيجابي.. إذ كان إيذانا ببدء عهد جديد؛ حيث أصبح الكثير من الناس متفائلين بشأن مستقبل بلادهم.

أسامة بن لادن
أسامة بن لادن

ماذا كان صوابا؟

لقد عزز الغزو الذي قادته الولايات المتحدة اقتصاد أفغانستان. على نحو ما تحسنت الرعاية الصحية والتعليم والجودة العامة للحياة في المدن الكبرى بشكل كبير، وبدأت أعمال إعادة الإعمار والتنمية، وخلق وظائف جديدة للشعب الأفغاني.

يقول “أحمد والي” وهو أفغاني يبلغ من العمر 30 عاما في مدينة غزنة، لـ “دويتشه فيله” (DW): “كانت السنوات الأربع الأولى بعد الغزو الأمريكي جيدة نسبيًا”.

ويتفق نعمة الله تانين الصحفي المقيم في كابول معه مؤكدا بقوله: “تمكنا من كتابة دستورنا الخاص، وكان لدينا ديمقراطية فاعلة. وتظل هذه أكبر إنجازاتنا”.

“أريزو أسكار زاده” المحاضرة في إحدى جامعات كابول، عاشت كلاجئة في باكستان قبل غزو قوات الناتو لأفغانستان، قالت إنها وعائلتها عادت إلى أفغانستان بعد الغزو بحثًا عن مستقبل أفضل.

وأضافت لـ DW: “كان علينا إعادة بناء كل شيء. على الرغم من هذه المصاعب، كانت السنوات العشرون الماضية أفضل سنوات حياتي. تمكنت من الدراسة، وبعد ذلك بدأت بتعليم أشخاص آخرين، بما في ذلك النساء”.

أفغانستان

ماذا كان الخطأ

لم يدم التفاؤل طويلا.. في عام 2003، انخرطت الولايات المتحدة في حرب العراق، على أمل أن تقوم إدارة “كرزاي” بدعم من القوات الغربية، بإخماد التمرد الناشئ ووضع أفغانستان على طريق التقدم.

كتبت صحيفة نيويورك تايمز في أغسطس 2007: “في اللحظات الحاسمة في القتال من أجل أفغانستان، حولت إدارة بوش موارد الاستخبارات وإعادة الإعمار الشحيحة إلى العراق، بما في ذلك فرق النخبة في وكالة المخابرات المركزية ووحدات القوات الخاصة المشاركة في البحث عن الإرهابيين”.

“لطالما جادل منتقدو الرئيس بوش بأن حرب العراق قللت من جهود أمريكا في أفغانستان، وهو ما نفته الإدارة، لكن دراسة الكيفية التي تطورت بها السياسة داخل الإدارة كشفت عن انقسام عميق حول كيفية المضي قدما في أفغانستان وسلسلة من القرارات” بحسب الصحيفة.

وأضافت الصحيفة: “…إن ذلك بدا في بعض الأحيان وكأن افغانستان تأتي كأولوية لاحقة مع تفكك العراق”.

ومنذ عام 2005، فصاعدا واصل المسئولون الأمريكيون اتهام باكستان بتوفير الملاذ الآمن لمقاتلي طالبان؛ لكن واشنطن لم تمارس ضغوطا كافية على “إسلام أباد” للتعامل مع هذه القضية.

وشهدت عودة حركة طالبان في النصف الثاني من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تصاعدا في أعمال العنف في البلاد.. إذ أصبحت الهجمات الانتحارية بالقنابل أمرا روتينيا، ودفع المدنيون ثمنا باهظا.

يقول الصحفي والي: “كل شيء تغير إلى الأسوأ.. كانت هناك هجمات يومية واشتباكات مسلحة في منطقتنا”. “لقد فقد الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم أرواحهم. فقدنا منازلنا وكل ما نملكه”.

انتشار حركة طالبان في أفغانستان

فشل سياسي

قال “أكرم عريف” المحاضر في جامعة كابول  لـ DW “إن الولايات المتحدة محكوم عليها بالفشل”. وأضاف “كان ينبغي لواشنطن أن تعلم أنه لا يوجد حل عسكري للصراع الأفغاني.. لذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تبحث عن حلول أخرى بعد الغزو.. لكن الولايات المتحدة ركزت على كابول وتجاهلت بقية أجزاء البلاد..  كما أن معظم السياسيين الذين دعمتهم واشنطن لم يكن لديهم اتصال عميق بالأفغان.. فهمهم للمجتمع الأفغاني كان معيبا ، وبالتأكيد ليس كافيا لإدارة الحكومة”  مضيفًا أن التغييرات لم تكن عضوية، وبالتالي لم تستمر بعدما غادرت القوات الأمريكية البلاد”.

دولة مختلفة

سيطرت طالبان على كابول في 15 أغسطس، دون مواجهة أي مقاومة من قوات الرئيس “أشرف غني”.. وقد أثارت عودتهم إلى السلطة العديد من الأسئلة حول الوجود العسكري الأمريكي المستمر منذ عقدين في أفغانستان. على سبيل المثال.. ما الذي حققته الولايات المتحدة في أفغانستان بعد أن أنفقت الكثير من الوقت والمال في البلد الذي مزقته الحرب؟.

تقول المحاضرة “أسكر زاده”: “فقدنا كل شيء بنيناه في السنوات العشرين الماضية بعد عودة طالبان إلى السلطة”. وأضافت: “لقد عدت إلى نفس المكان الذي كنت فيه قبل 20 عاما ولا يمكنني العمل بعد الآن”.

على الرغم من أن عودة طالبان كانت بمثابة انتكاسة للتدخل الغربي في أفغانستان، إلا أن الغزو الأمريكي من المنظور الأفغاني لم يكن فشلا ذريعا.

أفغانستان

يقول الخبراء إن المجتمع الأفغاني قد تغير بشكل هائل منذ الغزو الأمريكي – لدرجة أن طالبان تشعر أيضا بالحاجة إلى تقديم وجه “لطيف” و “معتدل” لمواطنيهم والمجتمع الدولي.

بعد الاستيلاء على كابول أعلنت الجماعة المسلحة إنها ستشكل حكومة شاملة، وأن النظام الجديد سيكون مختلفا نوعيا عن النظام الذي تم إنشاؤه قبل الغزو الأمريكي.

توسعت الطبقة الوسطى في البلاد، كما نما عدد المتعلمين ورجال الأعمال في العقدين الماضيين. تعارض مجموعات مختلفة -بما في ذلك النساء والأكاديميين والمواطنين العاديين- حكم طالبان في أجزاء متفرقة من البلاد. ليجد “طالبان” أنفسهم الآن بالتأكيد في بلد مختلف.

تامر الهلالي

مُترجم وشاعر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock