عرض وترجمة: احمد بركات
في عام 1820، عندما هدد الاعتراف بالعبودية في ولاية “ميسوري” بإخلال التوازن الهش بين الولايات التي تقر العبودية، وتلك التي تقر الحرية في مجلس الشيوخ، قال “توماس جيفرسون” “هذا السؤال المهم ـ كجرس الإنذار في الليل ـ أيقظني وملأني بالرعب حتى أنَّني اعتبرته في الحال بمثابة نعي للاتحاد”.
لقد كان ملاك العبيد الذين حاولوا عبثا إقحام رفضهم للعبودية على إعلان الاستقلال، والذين قال أحدهم “إنَّني أرتجف من أجل بلادي عندما أفكر في أن الله عادل” يعرفون تماما، مثلما يعرف الآخرون أنَّ العبودية ستؤدي حتما إلى تداعي الاتحاد.
ولم تحافظ تسوية “ميسوري” على هذا التوازن إلا بالاعتراف بولاية “مين” التي كانت جزءا من “مساتشوستس” كولاية للحرية، وقصر انتشار العبودية على الولايات الواقعة تحت خط عرض 36˚ 30 ́، بمحاذاة الحدود الجنوبية لـ”ميسوري”.
في هذا السياق أكد “جيفرسون”: “… لم يكن هذا سوى من قبيل المماطلة، وليس حكما نهائيا”. ومع انهيار التسوية في خمسينيات القرن التاسع عشر، وانفتاح الغرب بأكمله على العبودية بموجب قانون “كانساس ـ نبراسكا” لعام 1854، والقرار الصادر عن قاضي المحكمة العليا، “دريد سكوت” في عام 1857، تحققت مخاوف “جيفرسون” في أبشع صورها في صورة حرب أهلية ضروس أتت على الأخضر واليابس.
واليوم، يبدو أنَّنا نسير في الاتجاه ذاته. فصناديق الاقتراع واستطلاعات الرأي تظهر دعما موسعا للانفصال في جميع ألوان الطيف السياسي.
من ذلك، ما أظهره استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة “فرجينيا” من دعم لتقسيم الولايات الزرقاء والحمراء إلى دولتين منفصلتين بنسبة 52% بين مؤيدي “ترامب” و41% بين مؤيدي “بايدن”. وبسؤالهم حول ما إذا كان القادة من الحزب الآخر يمثلون “خطرا واضحا وقائما على الديمقراطية”، أجاب 80% من أنصار “بايدن” و84% من أنصار “ترامب” بـ “نعم”.
واعتمدت مبادرة “برايت لاين ووتش” تقسيما جغرافيا لهذه القضية، ووجدت دعما لتقسيم الولايات المتحدة إلى مناطق بنسبة لا تقل عن 30% في كل منطقة. وكانت المناطق التي أظهرت توجها قويا نحو التقسيم هي الجنوب، حيث أيد 44% من النسبة الإجمالية و66% من الجمهوريين اقتراح التقسيم، والساحل الغربي، حيث أيد 39% من النسبة الإجمالية و47% من الديمقراطيين الانفصال.
وتُقرع أجراس الخطر بقوة في كل مكان. فولاية “تكساس” تتحدى السلطة الفيدرالية بقانونها التقييدي المناهض للإجهاض، وتبذل جهودا مضنية لاستئصال شأفة إنفاذ قوانين الهجرة الفيدرالية على الحدود. كما أقرت ميسوري قانونا يعفي مسئوليها من الالتزام بتطبيق قوانين الأسلحة الفيدرالية.
تم أيضا تمرير قوانين لقمع المصوتين فيما لا يقل عن 19 ولاية، بما في ذلك ولايات مثل “جورجيا” و”أريزونا” بفوارق ضئيلة في عام 2020. وتسمح بعض القوانين بالأساس لمشرعي الولايات بإلغاء نتائج التصويت. ويعتقد أغلبية الجمهوريين أن انتخابات “ترامب” “المسروقة” ليست سوى أكذوبة كبرى.
وتزداد الاحتمالات بأن تتسبب الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2024، بغض النظر عن هوية الفائز، في نشوب أزمة ديمقراطية تقضي على البقية الباقية من الثقة في النظام السياسي الأميركي، وتعظم توجهات التقسيم.
وبرغم أنَّ الولايات المتحدة تعد أكثر الدول نجاحا في التاريخ البشري، حيث تمددت في جميع أنحاء القارة الغنية في الوقت الذي كانت تبرز فيه التكنولوجيا التي مكنت لهذا التمدد، حتى وصلت إلى جميع أنحاء العالم، ومن ثم، فهي تمثل أكبر واقوى إمبراطورية عرفها التاريخ، إلا أنَّ القضايا التي لم تُحسم، والمشكلات المستعصية على الحل التي أطلقت أجراس الخطر في عهد “جيفرسون” لا تزال موجودة وملحة.
فالقمع المنهجي ضد السود لا يزال مستمرا في شكل القمع الشرطي والاعتقالات. كما جوبهت الرغبة في تغيير هذا الوضع، التي تولت كبرها حركة “حياة السود مهمة” في عام 2020، بردة فعل بيضاء قوية في صناديق الاقتراع. وأججت حالة القلق المرتبطة بنمو السكان غير البيض السياسات الرجعية المحيطة بقضايا الهجرة.
وترتبط قضية ترخيص الأسلحة، باعتبارها أحد قضايا الانقسام الأساسية، أيضا بحالة القلق العرقي الذي يعانيه المجتمع الأميركي. فعندما يتحدث البيض عن حماية أسرهم، فإنَّ هوية من يهددونها ـ في زعمهم ـ لا تخفى على أحد.
وتفاقمت معارضة حقوق الإجهاض في سبعينيات القرن الماضي بعد أن ازدادت حدة العنصرية إلى حدود غير مقبولة. ومثلت هذه المعارضة إحدى طرائق خوض حروب ثقافية ضد مجموعة أخرى تتحدى البنى التقليدية للسلطة.
يأتي هذا كله في الوقت الذي يتم فيه إغلاق الطرق المؤدية إلى السلطة الديمقراطية، حيث ألغت المحكمة العليا، التي تميل بدرجة متزايدة صوب اليمين، بنودا كثيرة من قانون حقوق التصويت لعام 1965، ما أدى إلى زيادة قمع الناخبين، وفرضت عقوبات على عمليات التلاعب بالحدود في الانتخابات.
وأدى منع التلاعب في الدوائر الانتخابية المعتمد على عمليات حاسوبية معقدة إلى منع هيمنة الحزب الواحد في العديد من الولايات، وجعل مجلس النواب الأميركي يميل نحو حكم الأقلية، وهو ما تم الإعداد له في مجلس الشيوخ من خلال عمليات المماطلة السياسية والتمثيل من قبل الولايات.
في هذه الأثناء، حصنت المحكمة الدستورية سلطة المال بالسماح بالإنفاق غير المحدود على الحملات من خلال الحكم لصالح منظمة “المواطنون المتحدون” غير الربحية التي تأسست في الولايات المتحدة في عام 1988. ومن ثم، تبدو الديمقراطية في الولايات المتحدة في حالة احتضار.
وإذا أخذنا جميع ما سبق في الاعتبار، فإنَّ هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها، مثل: هل الولايات المتحدة التي عهدناها في طريقها للأفول؟ وهل استمرارها على وضعها الراهن يصبح غير مقبولٍ على الإطلاق لطرف أو آخر إلى درجة تجعلها تتداعى؟ وإذا انتزع الديمقراطيون الفوز في انتخابات 2024، هل ستبرز الاتجاهات الانفصالية القوية في الولايات الحمراء على السطح؟ وفي حال فاز الجمهوريون، وبدا أنَّهم رسخوا لحكم الأقلية، فكيف سيؤثر ذلك في منطقتي الساحل الغربي الشمال الشرقي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا