يتصدرون الشاشات لدعوة الناس إلى تعاليم الإسلام؛ وينسون أحيانا أنَّ الحكمة المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب تقول:” “حال رجلٍ في ألف رجل؛ خير من قول ألف رجلٍ في رجل”. فتأثير الأفعال أقوى بكثير جدا من معسول الكلام.
يضفى الناس في العادة “هالةً” من التقدير الكبير على من يتصدون لمهمة الدعوة إلى الله فى خطب الجمعة، ودروس العلم فى المساجد، وعلى شاشات الفضائيات؛ حيث ينتظرون منهم أن يعلموهم شئون دينهم؛ ولذلك فإنَّ خطأ الداعية الصغير يتحول بصورة تلقائية فى عيون العامة إلى خطيئة من الصعب أن تغتفر.
منذ أيام تداول كثيرون مقطع “فيديو” يسجل اعتداء الدكتور “مبروك عطية” أستاذ الشريعة الإسلامية والداعية المعروف على شخص داخل مسجد؛ لتحدثه أثناء إلقائه درسا. لقد جدد هذا المقطع، الجدل حول “سقطات الدعاة”. لربما تصوَّر البعض -في لحظة- أنهم بعيدون عن سهام النقد؛ متناسين أنَّه لا أحد فوق المساءلة؛ فى زمن يتم بث الحدث فيه لحظة وقوعه، ليس عبر شاشات الفضائيات فحسب، وإنَّما عبر الهواتف الذكية واسعة الانتشار*.
أغلب الظن أنَّ الرجل قد ظن أنَّ رد فعله سيبقى محصورا داخل جدران المسجد؟، أسيرا لأعين مجموعة قليلة من الناس، شاء القدر أن يكونوا شهودا على الواقعة؛ معتقدا -ربما- أنَّهم جميعا من مريديه. ولم يتوقع أنَّ هاتف أحدهم سيقوم ببث الحدث لحظة حدوثة لتتلقفه الفضائيات ومواقع الإنترنت المختلفة.
لا أحد ينكر أهمية أن يقوم أهل العلم بتصدر مهمة الوعظ والفتوى وتبصير الناس بشئون الدين السمح، بما لا يتعارض مع مقتضيات الواقع وفقا لصحيح الدين؛ ولكن هذا لايمنح فى الوقت نفسه هؤلاء الدعاة؛ عصمة من الحساب إذا ما أخطئوا يوما. ولنا فى الخليفة عمر بن الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين خير دليل عندما ردته امرأة؛ مصوبة كلامه وهو فوق المنبر فقال قولته المشهورة: “أصابت امرأة وأخطأ عمر”.
لماذا لايخرج الدعاة والمشايخ إلى الناس؛ ليعتذروا لهم إذا صدر منهم خطأٌ؛ حتى يكونوا قدوة لغيرهم.. فكهذا تتصرف الشخصيات العامة فى كل مكان فى العالم مهما كانت رفعة المنصب الذي يشغلونه؛ وليس هنا أرفع من أن يكون المرء ممن يعتلون سدة المنبر لتعليم الناس شئون دينهم.
لسنا فى هذه السطور ممن يتصيد الأخطاء لذوى العمائم، فلولاهم لجهلنا أبسط أمور الدين، ولكن فى الوقت نفسه فإنَّ شخصا يعيش فى دولة مدنية لايجب أن تسوِّل له نفسه أنه في عصمة من الانتقاد، فبعد أن يهبط الداعية درجات المنبر يصبح بشرا عاديا من حق الناس انتقاده فى أمور الدنيا؛ علاوة على أنَّه قد يصيب ويخطئ عندما يقوم بالافتاء باسم الدين.
هل كان الأمر يستحق كل هذا من الدكتور “مبروك عطية” كما شاهدنا فى الفيديو؟ إذ غادر الرجل مجلسه غاضبا؛ ليشتبك لفظيا مع شخص وينفعل عليه قائلا: “أنت يا ابنى يالى بتتكلم ما ينفعش كده” وهو يردد “أنا جى أشيلك” لمجرد أنَّه قال له اسمع فقال لن أسمع بحسب رواية “الدكتور مبروك” نفسه.
مقام الدعوة إلى الله يقتضى أن تكون بالحسنى والموعظة الحسنة وعند الاختلاف لايوجد ما يسوغ للداعية مهما كانت شهرته وعلمه وإطلاعه الواسع أن يخرج شخصا ما من المسجد لأى سبب؛ فالمساجد فبيوت الله فى الأرض وليست ملكا لداعية أو شيخ، والرسول الكريم فى الواقعة الشهيرة التى بال فيها أعرابي فى المسجد نهى الصحابة الكرام عن المساس به، وقال لهم قولته المشهورة التى ربما يحفظها البعض دون أن يعمل بها ” دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء”.
وليست هذه هي المرة الأولى التى يثير فيها د. عطية الجدل من حوله، فخلال الشهر الماضى تصدَّر “هشتاج” أقيلوا مبروك عطية التريند على تويتر بسبب تصريحاته حول العنف الأسرى، حيث قال تعليقا على شكوى زوجة من عنف زوجها “هناك قاعدة تؤكد أنَّ النساء يبالغن بالشكوى”” كما تعرَّض فى وقت سابق إلى انتقادات واسعة بسبب تصريح أكد فيه أنَّ تفشى فيروس “كورونا” يعد عقابا إلهيا، كما رفض اعتبار المتوفين بالمرض شهداء.
“ملكش دعوة بمراتى” كان هذا رد فعل الشيخ “خالد الجندي” عقب الخلاف الذى نشب بينه وبين الدكتور “أحمد كريمة” حول وقوع الطلاق الشفهى من عدمه وأضاف على شاشة أحدى الفضائيات” الشيخ كريمة مش موافق، ودائما يذكر أهل بيتى وأهل بيت العلماء الآخرين فى كل مناسبة”.
كما هاجم الشيخ “صبري عبادة” الشيخ “محمد عبدالله نصر” الشهير بـ”الشيخ ميزو على شاشة إحدى الفضائيات قائلا:” إنَّ العبارات التى تروِّج لها بعلمك الفاسد وأخلاقك الوضيعة كذب وافتراء”.
ربما يراها البعض أخطاءً بينما يرفعها آخرون إلى مرتبة الخطايا، لكن يبقى فى كل الأحوال الاعتراف بأنَّ هناك ثمة خطأ ما وقع ويجب الاعتذار عنه؛ إنطلاقا من أنَّ العودة إلى الحق فضيلة خاصَّة من أولئك الذين يتصدون لمهام الوعظ والإرشاد والفتوى.
لايجب أن يغتر الداعية بعلمه أو بشهرته الواسعة التى حازها من الظهور المكثف على شاشات الفضائيات وعليه أن يتذكر أنَّ أحدى مهامه الرئيسة أن يدعو الناس إلى حسن الخلق.. فأولى به أن يبدأ بنفسه قبل أن يندم كثيرا بعد انصراف شيعته ومريديه عنه فى عصر بات البث المباشر فيه قادرا على أن ينقل للملايين السقطة لحظة وقوعها على الهواء مباشرة .
هامش
* في تعليق للدكتور مبروك عطية على المقطع؛ أفاد أن الواقعة المشار إليها قد حدثت بأحد المساجد قبل ما يربو على الثماني سنوات.