ثقافة

الأقباط والسياسة في العهد الملكي.. من مقاومة الاستعمار إلى رئاسة الحكومة والبرلمان

ظل الأقباط على الدوام جزءا أصيلا من الحركة الوطنية؛ رغم محاولات المحتل البريطاني المتكررة لإحداث الوقيعة بين عنصري الأمة، ولكنه خرج في النهاية من مصر وهتاف المسلم مع القبطي يُدَوّي في آذان جنرالاته “نموت نموت وتحيا مصر” وفي ظلال عناق أبدي بين الهلال والصليب؛ كان على الغازي أن يرحل وهو يجر أذيال الخيبة.

تأتي أهمية كتاب “موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر1952 – 1970” للدكتورة هبة شوقي؛ من أنه يلقي الضوء على الدور الوطني للأقباط، الذين لم يكونوا أبدا في معزل عن التحديات، التي واجهت وطنهم في الكثير من الفترات الحاسمة، في التاريخ المصري. حيث تفضح  مثل هذه الدراسات العلمية بشكل واضح الشهادات التاريخية المغلوطة التي وردت على لسان البعض؛ خاصة في عدد من كتب المذكرات الشخصية.

اختيار الباحثة الفترة من عام 1952، وحتى عام 1970، لم يكن عشوائيا حيث شهدت مصر خلال هذه الحقبة الزمنية تطورات سياسية بالغة الأهمية، على رأسها قيام ثورة 23 يوليو، ودورها في الانتقال بمصر من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، وما عاصر ذلك من قرارات مهمة منها تأميم قناة السويس، والتحول إلى النظام الاشتراكي، وجميعها قرارات تفاعل معها الأقباط بصورة تستحق الرصد والدراسة.

وتشدد الباحثة في مقدمة كتابها على حقيقة هامة  وهي أن  الأقباط قد لعبوا “دورا مهما في التاريخ السياسي لمصر، حيث انصهروا انصهارا تاما في الحياة السياسية المصرية، ولم تختلف أفكارهم عن بقية المصريين، فعلى سبيل المثال لم تكن لهم أحياء خاصة بهم طوال تاريخ مصر”.

موقف الأقباط الحركة السياسية في مصر

وتضيف “يرجع سر وحدة الكتلة الحضارية للمجتمع المصري وتماسكها؛ إلى ذلك الانصهار القبطي داخل سبيكة المجتمع المصري، فأقباط مصر ليسوا أقلية  ضمن أقليات العالم العربي والشرق الاوسط؛ لا بالمعنى العرقي مثل أكراد العراق، والبربر في المغرب العربي، ولا بالمعنى الطائفي مثل الدروز أو الأرمن، ولا بالمعني الديني وحده، حيث لا يشكلون جماعة مستقلة أو كتلة مغلقة متجانسة، ولكنهم متغلغلون في جسم المجتمع؛ فمنهم العامل والفلاح والحرفي ورجال الأعمال والتجار”.

وتقول الباحثة في كتابها “لقد واجهت القومية المصرية كل التحديات، التي تعرضت لها عبر الزمن، وحافظت على مبدأ الوحدة، رغم التنوع ودليل ذلك وقوف الشعب المصري في كل الانتفاضات صفا متراص البنيان، وقد لخّص قداسة البابا شنودة الثالث هذا الوعي بالقومية في جملة قصيرة قال فيها “إن مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا”.

في عهد محمد علي زادت المشاركة القبطية بحسب ما تؤكده دكتوره هبة شوقي في كتابها وكان السبب في ذلك؛ بدأ التحوَّل نحو الوطنية المصرية التي تجاوزت الدين؛ إذ أفاد محمد علي من البيروقراطيين والمستشارين المسيحيين، ومال إلى تخفيف القيود على المجتمع القبطي؛ فسمح بزيادة عدد الأقباط في الإدارات الحكومية، وفي أثناء الثورة العرابية وقف الأقباط جنبا إلى جنب مع وزارة الثورة، كما أن البابا كيرلس الخامس كان في مقدمة المؤيدين لعرابي وللثورة، وأخطر ما صدر عنه في تلك الفترة مقولته الشهيرة التي أعلن فيها أن الإنجليز بعدوانهم على الإسلام؛ قد خرجوا على تعاليم المسيحية التي تدعو إلى السلام، وعدم الاعتداء، ومن ثم اعتبرهم كفرة وخارجين عن دينهم”.

ويشير كتاب “موقف الأقباط من الحركة السياسية في مصر” إلى أن الاحتلال بشكل عام؛ لم ينجح في استقطاب أقباط مصر، وتحويلهم إلى جماعة وظيفية لخدمة مصالحه، كما فعل في مناطق أخرى من العالم، وكانت ثورة 1919، من أبرز صور التلاحم بين المسلمين والأقباط حيث انطلق منها الدور السياسي للأقباط؛ ليشكل سمة أساسية في الحقبة شبه الليبرالية في التاريخ المصري والممتدة من 1923 حتى 1952، وذلك لأن الأقباط أنفسهم هم من سعوا للاشتراك في تلك الثورة بعد طلبهم الاجتماع بسعد زغلول،  وقد تجلت مظاهر الوحدة بشكل كبير حينما وقف شيوخ الأزهر على منابر الكنائس، ووقف القسس ورجال الدين المسيحي على منابر المساجد؛ منددين بالاحتلال وكان من أبرز الشخصيات القبطية في ثورة 1919، القمص سرجيوس الذي لقب بخطيب الثورة، والذي قاد المظاهرات التي طالبت بالاستقلال والإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، عندما تم نفيهم إلى جزيرة مالطا.. وقد أطلق سعد زغلول على وحدة الأقباط والمسلمين في ثورته وصف الاتحاد المقدس”.

وتضيف المؤلفة “ليس أدل على وطنية الأقباط مما حدث في قضية طبع منشورين ضد الحكم، حيث أصدرت محكمة عسكرية بريطانية في 9 أغسطس عام 1923، حكما على المنفذين بالإعدام ثم أبدلته القيادة العامة بالحبس 7 سنوات، حيث كان من بين المشاركين في الواقعة أربعة من الأقباط وهم: مرقس حنا، وواصف غالي، وجورج خياط، وويصا واصف غالي”.

وشهدت الفترة من 1923 حتى 1930، مشاركة فعالة للأقباط حيث شغلوا العديد من المناصب السياسية في تلك الفترة، وتقلدوا مناصب وزارية سيادية، ومنها منصب رئاسة الوزراء مرتين، ومنصب وزارة الخارجية سبع مرات، ومنصب وزارة الأشغال ست مرات ومنصب وزارة المالية، ومنصب وزارة الزراعة ثماني مرات، ومنصب وزارة الحربية مرة واحدة، ومنصب وزارة التجارة والصناعة سبع مرات، ومنصب وزارة التموين مرتين، ومنصب وزارة الصحة مرتين في حين انتخب ويصا واصف رئيسا لمجلس النواب الوفدي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock