فن

الثقافة المصرية 2021.. الفن في زمن “الكورونا” (2-3)

كان عام 2021، هو العام الثاني على التوالي في مواجهة جائحة “كورونا” بكل ما حملته من أجواء قاتمة على البشرية. وفرضت إجراءات التباعد الاجتماعي مزيدا من العزلة، وساهمت بشكل كبير في أزمة صناعة السينما والمسرح؛ ما دفع صنَّاعهما إلى مواصلة الهرولة نحو الدراما التلفزيونية؛ حيثُ الوسيط المضمون في ظل بقاء الملايين في منازلهم.

كما ساهمت تلك الأوضاع الاحترازية في نمو كبير لنشاط المنصَّات الإلكترونية التي اكتسبت أرضا جديدة، لدى الملايين وأصبحت تحتل مكانة كبيرة وتلقى إقبالا متزايدا.

سينما العام

كان الإنتاج السينمائي المصري خلال العام المنتهى ضعيفا جدا؛ فلم يتجاوز ما قدَّمته  الصناعة (28) عملا بينما كان إنتاج عام 2020، والتي شهد إغلاقا كاملا معظم أوقاته (22) فيلما وهكذا لم تكن الزيادة كبيرة.

والمؤكد أنَّ غالبية الأعمال التي قدَّمتها السينما كانت ضعيفة المستوى من جهة، ولم تحقق إقبالا شعبيا كبيرا من جهة أخرى، والكثير منها قد خاض سباق العرض وخرج دون أن يشعر به أحد.

ومن الممكن أن نتوقف عند عدة ملاحظات تتعلق بالمُنَتج السينمائي هذا العام.. الأولى أنَّ السينما المصرية سجَّلت حضورا متميزا بفوز فيلم “ريش” للمخرج “عمر الزهيري” بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان “كان” وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما “فيبريسي” بعد مرور نحو (24) عاما على حصول المخرج “يوسف شاهين” على جائزة اليوبيل الذهبي للمهرجان؛ تكريما له على مجمل أعماله. كما حصد فيلم “ريش” عدة جوائز هامة في مهرجانات دولية  منها مهرجان “قرطاج” أربعة جوائز، و”الجونة” جائزة أحسن فيلم.

ريش جوائز وجدل

وقد أثار “ريش” جدلا واسعا عند عرضه في مهرجان “الجونة”. وقد كشف هذا الجدل عن مناخ سيئ، وأفقٍ محدود خاصَّة وأنَّ الهجوم الذى تعرَّض له العمل؛ جاء من بعض صُنَّاع الفن، وللأسف لم يكن لأسباب فنية، بل جاء الهجوم تحت دعاوى قديمة ومستهلكة، وشعارات طالما رفضها العاملون في الفن؛ وتُهَمٍ فضفاضة تحتمل التأويل، منها تهمة الإساءة لسمعة مصر!.

الملاحظة الثانية أنَّ “السينما المستقلة” تلك التي يقودها جيل جديد، بعيدا عن هيمنة شركات الإنتاج التقليدية التي لا ينشغل معظمها سوى بـ”شباك التذاكر” ومن ثم لا تملك جرأة المغامرة بنجوم جدد أو موضوعات مغايرة.

أصبح هؤلاء الشباب من صناع السينما المستقلة -رقما مهما؛ خاصَّة في المهرجانات الدولية وبنظرة سريعة على الأفلام الروائية الطويلة أو القصيرة مثل “ريش” أو “يوم الدين”  للمخرج “أبو بكر شوقي”  و”ستاشر” للمخرج “سامح علاء”. سنجد أنَّها جميعا بعيدة عن الأعمال والأسماء التي تملأ الدنيا ضجيجا، وتمثِّل أجورهم المليونية؛ عبئا على النهوض بالصناعة.

الملاحظة الثالثة هي عودة عدد من نجوم السينما، إلى تقديم أفلام جديدة خلال العام المنتهى، من بينهم “محمد هنيدي” الذي عاد مع المخرج “شريف عرفة” والنجمة “منه شلبي” في “النمس والإنس”.

والملاحظة الأخيرة، هو التراجع الكبير في مستوى الأعمال الكوميدية، التي قدَّمتها السينما المصرية، ما يعنى استمرار أزمة الكوميديا، والتي كانت الرهان الأساسي لدى المنتجين خلال السنوات الماضية لإنعاش شباك التذاكر وتحقيق قدر من الأرباح والجماهيرية.

دراما المنصَّات واللعب في المضمون

واصلت الدراما المصرية حالة الانتعاش التي تعيشها منذ سنوات؛ خاصَّة مع تراجع الإنتاج السينمائي قبل الوباء، ثم دخول الصناعة في أزمة حادة بعد الوباء، ما دفع نجوم السينما إلى اللجوء للوسيط الآمن والمضمون وهو الدراما التلفزيونية.

وكانت ظاهرة “المنصات” من أهم ملامح الدراما التلفزيونية هذا العام، إذ سيطرت على غالبية الأعمال المعروضة –بعيدا عن الموسم الرمضاني لما له من ظروف إنتاجيه وتسويقية خاصَّة– وظلت أعمال المنصات التي لا يتجاوز المسلسل فيها العشر حلقات، تحظى باهتمام ومتابعة ملحوظين.

أمَا الملمح المهم والأبرز هذا العام؛ فكان ترشح الممثلة “منة شلبي” لجائزة أحسن ممثلة ضمن جوائز “إيمى” العالمية، وهى الجوائز التي توازي جوائز الأوسكار في السينما.. وجاء الترشح عن دورها في مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” الذى أنتج خلال 2020، بينما تم عرضه خلال العام الجاري؛ ليعطي دفعة قوية للدراما المصرية في ظل أوضاع صعبة.

وبنظرة سريعة على ما قدَّمته الدراما المصرية خلال هذا العام نجد أنَّ الإنتاج كان غزيرا، مع تفاوت المستوى بين عمل وآخر؛ لكنه يظلُّ بعيدا عن المأمول؛ خاصَّة مع تكرار ونمطية  بعض الموضوعات التي تمَّ تناولها؛ في وجود أعمال متميزة، وإن كانت قليلة.

هل مات المسرح الخاص؟

في المقابل عاش المسرح المصري واحدة من أصعب سنواته منذ نشأته في مصر في القرن التاسع عشر، ولم يختلف الأمر كثيرا عن أوضاعه خلال عام 2020، وهو العام الذي شهد ذروة الوباء.. فقد تواصلت المحنة التي يعيشها المسرح؛ خاصَّة بعد غيابٍ واضحٍ للمسرح الخاص الذي لم يبق منه –تقريبا– سوى تجربة الفنان” أشرف عبد الباقي” في “مسرح مصر” بكل ما حولها من ملاحظات وتقييمات من أهل المسرح أنفسهم؛ حتى أنَّ البعض يعتبرها حالة بعيدة عن المسرح، وتنتمى أكثر لشكل “الاسكتش الكوميدي”.

ومع نهاية العام الجاري، بدأت تظهر عدة تجارب أخرى؛ تستهدف العرض في موسم “الرياض” مثل تجربة “محمد سعد” الذى أعاد تقديم شخصية “اللمبي” من خلال عرض “اللمبي في الجاهلية” كما أعاد هاني رمزي تقديم شخصية أبو العربي في مسرحية تحمل نفس الاسم، وتمَّ عرضها -أيضا- في موسم “الرياض”.

والسؤال.. هل نحن أمام حالة افلاس واضحة تدفع ببعض نجوم الكوميديا إلى إعادة تقديم نصوص قديمة ؟ أم أنَّها مجرد وسيلة للتواجد ضمن فعاليات موسم “الرياض” الفني!؟.

على الجانب الآخر.. فقد ظلَّ مسرح الدولة متماسكا؛ رغم كل التحديات والظروف التي تحاصره، وعلى رأسها ضعف الميزانيات وغياب الترويج الإعلامي، إلا أنَّ الدورة الأخيرة لمهرجان المسرح القومي، خرجت بشكل متميز، رغم حصار “كوڤيد 19” كما حقَّق مهرجان “شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي” نجاحا كبيرا، بالإضافة إلى الدورة الأخيرة لمهرجان المسرح التجريبي.

ويبقى الحدث المسرحي اللافت هذا العام هو تلك الأزمة –غير المبررة– التي أثيرت حول اسم واحدة من أهم مسرحيات “جان بول سارتر” وهى مسرحية “المومس الفاضلة” فبجرد أن أعلنت الممثلة “إلهام شاهين” عن رغبتها في إعادة تقديم النص المسرحي؛ انهالت عليها الاتهامات وتحوَّل الأمر إلى ساحة للمزايدات الدينية والأخلاقية، وقد عبرت سيدة المسرح المصري “سميحة أيوب” عن دهشتها الشديدة، إزاء تلك الأزمة المفتعلة، فقد قدمت نفس العرض بنفس الاسم على مسرح الدولة في أواخر الستينيات من القرن الماضي.. وتساءلت “هل مصر تغيرت بعد أن كانت أكثر استنارة؟”.  والإجابة -يا سيدة المسرح المصري-: نعم مصر تغيرت وصارت أكثر تراجعا وظلامية.

عام الرحيل والآلام

كان عام 2021، مؤلما قاسيا .. فقدنا خلاله الكثير من أحبابنا، وكان لأهل الفن نصيب كبير من هذا الفقد حيث بدأ العام بوداع الكاتب الكبير “وحيد حامد” عن 76 عاما.. وهو واحد من أهم الكتَّاب في تاريخ السينما العربية، ومن أبرز أفلامه ” البريء” و”المنسي” و”معالى الوزير” و”اللعب مع الكبار” و”طيور الظلام” ومن أشهر المسلسلات الدرامية التي كتبها مسلسل “العائلة” ومسلسل “الجماعة”.

كما ودعنا أحد تلاميذ “مدرسة المشاغبين” الفنان الكبير “هادى الجيار” متأثرا بفيروس “كورونا”  ثم رحل الفنان الكبير “عزت العلايلي” صاحب التاريخ الطويل، والأعمال العظيمة مثل “الأرض” و”السقا مات” و”المواطن مصري” وغيرها.

كما ودَّعت مصر السيناريست “مصطفى محرم” وهو صاحب أعمال شهيرة في الدراما التليفزيونية من بينها “لن أعيش في جلباب أبي” و”عائلة الحاج متولي” و”ريا وسكينة” وفى السينما عددا من الأفلام أهمها “الحب فوق هضبة الهرم”.

وتوفي كاتب السيناريو “فيصل ندا” الذى قدَّم أعمالا عديدا من بينها مسرحية “المتزوجون” كما قدم للسينما عددا كبيرا من الأعمال من بينها فيلم “المغتصبون”.

ورحل الكاتب والمخرج كرم النجار، وهو صاحب أعمال مميزة مثل فيلم “الصرخة” و”صراع الأحفاد” و”الرقص على سلالم متحركة”.

وحيد حامد
وحيد حامد

كما ودعنا الفنان “محمود عبد الغفار” والمخرج المسرحي الكبير “فهمي الخولي” ورحل الفنان “على حميدة ” صاحب الأغنية الأكثر مبيعا في العالم العربي “لولاكي” كما توفيت الفنانة “أحلام الجريتلي” عن عمر ناهز الثالثة والسبعين.

وفى مايو من نفس العام كانت مصر على موعد مع رحيل تراجيدي؛ بعد أن أصيب الفنان “سمير غانم” ورفيقة مشواره الفنانة “دلال عبد العزيز” بفيروس كورنا، وبعد معاناة مع المرض رحل “سمير غانم” في شهر مايو من هذا العام، ثم لحقت به رفيقه دربه في أغسطس وقد خيَّم الحزن على الملايين بسبب هذا الرحيل المؤلم.

ورحل الموسيقي “جمال سلامة” ثم الموسيقار “عبده داغر” والممثل “محمد ريحان” وتوفيت الفنانة “نادية العراقية” والممثلة “سحر كامل” وفى نهاية العام كان رحيل الفنان “أحمد خليل” إثر إصابته بوباء “كورونا” كما رحلت الفنانة “سهير البابلي” بعد رحلة عطاء فنى حافل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock