ثقافة

باحث عراقي يرصد فلسفة المصري “سليمان العطَّار” في الحياة في كتابٍ خاص

يقدم كتاب “حديث الروح” فلسفة المفكر المصري “سليمان العطَّار” (النهضة العربية)، كاشفا عن رؤيته للعالم عبر (365) كلمة مقتبسة من أعماله وحواراته ومنشوراته على صفحات التواصل الاجتماعي والتي ألقاها شفاهة على تلاميذه في المحاضرات، وقام بإعدادها وجمعها الباحث العراقي “قحطان فرج الله”.

وقد عُرف “سليمان العطَّار” بموسوعيته.. عمل أستاذا للأدب المقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة، وعُيِّنَ مستشارا ثقافيا لمصر في إسبانيا، وعددٍ من البلدان الناطقة بالإسبانية في أمريكا الجنوبية، وكان له دور بارز عبر ترجماته في تعريف العرب بالمنجز الإبداعي للدول الناطقة بالإسبانية، ومُنِحَ من قبل ملك إسبانيا “وسام الاستحقاق المدني”  تقديرا لجهوده تلك وعرفانا بدوره في نشر الثقافة الإسبانية وتعريفه للعرب بها، فقد كان له السبق في ترجمة رواية “ماركيز” “مائة عام من العزلة” قبل أن يحصل صاحبها على جائزة نوبل في الآداب، وظلت تلك الترجمة حبيسة الأدراج في الهيئة المصرية العامة للكتاب لمدة عامين، لا يلتفت إليها أحد حتى حصل “ماركيز” على جائزة نوبل فسارعوا بنشر ترجمة الرواية. 

ويبين كتاب “حديث الروح” أسلوب “العطَّار” في الترجمة ومنهجه فيها، وهو أنَّه لا بد للمترجم أن يعرفَ الثقافتين معرفة جيدة لا اللغة فقط، فمن أراد أن يترجمَ “شكسبير” عليه أن يعرفَ عالمَه وظروفَه وأحوالَه وأوضاعَ بلدِه وحروبَها وعلاقاتِها مع جيرانِها، فمعرفة اللغة –هنا– أقل أهمية من استيعاب الثقافتين.. فالترجمة محاولة نقل رسالة، وليست نقلَ نصٍ فالترجمة إبداعٌ لا عمل آلي. وبهذه المنهجية ترجم “العطَّار” العديد من الأعمال الإبداعية الخالدة مثل “دون كيخوته” لـ “ثربانتس” و”مدينة القياصرة” لـ “روخاوس” و”خلية النحل” لـ”ثيلا و”خبر اختطاف” لـ”ماركيز”…إلخ.

حديث الروح

الهوية

تشكل الهوية عنصرا أساسيا في رؤية “سليمان العطَّار” وذلك ما توضحه الكثير من مختارات كتاب “حديث الروح”.. فقد كان العطار مهموما بالقضايا والهوية العربية وبالهوية التي يشكل التراث جزءا منها إلا أنَّه يرفض العيش في هذا التراث؛ وإنَّما –فقط– الاهتداء به، وينقل بعبارات واضحة تخوُّفه على الهوية العربية من الاندثار بفعل المتغيرات الجارية ويرى –دوما– الخطرَ قادما من دولتين هما الكيان الصهيوني بتغوّله على الأراضي الفلسطينية وهو يعوِّل على الزمن، وتقادم العهد في إثبات ملكيته وأحقيته في اغتصاب الأراضي العربية.. أمَّا الدولة الثانية فهي “إيران” وعبثها بالحدود مع العراق ثم استيلائها التدريجي على مضيق هرمز الذي يعني الاستيلاء على مياه الخليج العربي ككل فضلا عن استيلائها الأقدم على الأهواز وعبثها بحدود أذربيجان.

ازدواج المعايير

يرى “سليمان العطَّار” ازدواج المعايير ظاهرة طبيعة؛ مُشيرا إلى أنَّ المُتَصَوِّفة هم أول من أدركوا أنَّ ازدواجَ المعايير سلوك فطري غريزي؛ فهم يرددون “عرف الله بجمعه بين الضدين فهو الظاهر والباطن والجبار المنتقم والرحمن الرحيم” ويقولون “والوحدة في التعدد والتعدد في الوحدة” ومن هذه النظرية التي يتبناها “العطَّار” يمكن فهم تضارب مدحه وذمه للذاكرة، فهو يصفها بأنَّها “ملجأ العجزة والبائسين والمحبطين والفاقدين للانتماء، ومصدر الأحلام الوهمية اللانهائية.. إنَّها اتساع شاسع من مستنقعات الماضي؛ يضل فيها الحاضر ويدور حول نفسه”. ويقول في موضعٍ آخر “عندما تتعرض ذاكرة الأمَّة للخطر؛ فإنَّ هذه الأمَّة في خطر عظيم، ومصيرها في مهب ريح عاصفة بلا عقل ولا رحمة.. هذا لتذكير الجميع أنَّ ذاكرة الأمَّة عنصر تكويني في وعي ولا وعي كل فرد، وتعرُّضها للخطر تهديد لنا جميعا”. فالقول الأول يفهم من فلسفة “العطَّار” التي ترفض التبيعة والعيش في ذاكرة الماضي والنقل عنه دون تفكير، أمَّا القول الثاني فهو متعلق بالذاكرة التي تُمثِّل الهوية التي يجب أن يحافظ عليها. فازدواج المعايير هو الذي يجعل دولا تحارب الإرهاب في بلادها؛ داعمةً له وتبيعه  السلاح في بلدان أخرى، فالحياة عند “سليمان العطَّار” قائمة على هذا العنصر الذي يراه خطيرا. وكان قد وعد بتقديم نظرية كاملة حوله من أجل تفسيره.. إلا أنَّ هذه النظرية إمَّا أنَّه لم يكتبها؛ أو أنَّه كتبها ولم تنشر.. كالعديد من كتبه وترجماته التي لم تر النور بعد.

قحطان فرج الله
قحطان فرج الله

رفض التبعية

رفض “العطَّار” التبعية بكل صورها وأشكالها؛ فالتبيعة تعني الاستهلاك للمنتجات المادية والروحية للغير، وتُعَطِّل الإنتاج فتؤدي إلى انعدام الإبداع، والتابع بحاجة –دوما– إلى شيخ يلقِّنه أو الكبير “المُمْلِي” أو إلى الأقوى “الطاغية” ليتلقى منه المعرفة، كمسلمات نهائية عليه حفظها وتنفيذها حرفيا. وإذا لم يجد هذا المصدر للمعرفة تَمَثَّله في أي صنم تاريخي أو معاصر، وإذا عجز عن هذا التَّمَثُّل يستعين بقوى غيبية لإمداده بالمعرفة. والتبعية المغلوطة للتراث تؤدي إلى ما يعيشه العالم العربي وإلى ظهور الجماعات المتطرفة وإلى الروح السلفية التي تغلق باب الاجتهاد في كل المجالات ليس الدين فقط. فالعقلية الكلاسيكية تُمَجِّد القاعدة وتكره الإبداع؛ فتمجيد القاعدة معناه التعوُّد على التبيعة والاستهلاك، وينتقد “العطَّار” مشهدا رآه تكريسا للتبعية وغلق باب الاجتهاد، لأحد كبار علماء النحو في جامعة القاهرة وهو يقول لتلاميذه “إنَّ سيبويه وضع علم النحو، وإنَّ هذا العلم نضج واحترق على يديه” واصفا هذا القول بالكارثة، وأنَّه يُغلق باب الاجتهاد. فقد كانت فكرة الحرية ورفض التبعية هي حجر الزاوية في فلسفة “سليمان العطَّار” فهو يدعو إلى الإبداع وأن يكون كل إنسان هو نفسه، وقد تأثَّر في ذلك بالمتصوف والفيلسوف العربي الكبير “ابن عربي” الذي قدَّم نظرية للخيال–من وجهة نظره– فيقول نقلا عنه “لا يوجد كافر على وجه الأرض، فاعبد من شئت ولن يكون معبودك إلا الله، وذلك بعد نزول هذه الآية “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ…”  وعندما يقضي فذلك حكم نافذ”.

فن الحياة

كرَّس “العطَّار” حياته الشخصية لنشر ما أطلق عليه هو “فن الحياة” موضحا أنَّ الشعوب اللاتينية قد تفوَّقت علينا في فن الحياة، فالعرب عند سن معينة يرددون عبارة “يلا حُسن الختام” بينما هنا “يلا حُسن البداية” بصرف النظر عن العمر، فتجد الشيوخ يعيشون حياتهم بالطول العرض. كان دائما ما يدعو طلابه وتلاميذه إلى التفاؤل قائلا “الروح غير قابلة للتحطم، وإنَّما هذا ضعف نتيجة لثقافتنا البائسة، يقطفون الوردة من شجر الورد  فتنبثق منها وردة جديدة.. الحياة تجدد مستمر”. “صناعة المستقبل: ارقصوا وغنُّوا جماعةً تصنعوا المستقبل المضيء” يدعو طلابه الذي يحضرون محاضراته، وقد بان على الكثير منهم أثر الوحل الذي صنعته الأمطار نتيجة لغياب سبل تصريف مياه الأمطار بطرقٍ صحيحةٍ في القاهرة وعموم مدن وقرى مصر “بقدر ما يملأ المطر شوارعنا بالوحل والماء، فإنَّه ينظِّف الهواء وينقي السماء من السحب السوداء ويغسل الشجر الرمادي؛ فيكشف عن خضرة حلوة انظروا للوجه الإيجابي؛ تحلو الحياة والأشياء”. ويُعَبِّر عن محبته الطاغية للممثلة الأمريكية الشهيرة “مارلين مونرو”! وشغفه بسماع صوت فيروز؛ محبا للحرية داعيا للحب.

مقدمة في تاريخ الأدب العربي

يُقدِّم كتاب “حديث الروح” عديدا من تصورات وأطروحات “العطَّار” حول أزمة النقد العربي المعاصر، وأسباب كثرة الأعمال الإبداعية، وقضايا المرأة التي يناصرها ومن ضمن مقولاته “علِّموا بناتكم الاستقلال الاقتصادي؛ حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل، وعلِّموا أبناءكم الاستقلال المنزلي حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن خادمة منزلية”. كما أنَّه يرفض “البطريركية” التي تعيش فيها الشعوب العربية؛ محملا إياها “تَبِعَةَ” التخلف والتراجع في كل المجالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock