ثقافة

مواقفنا الثمانية من تيار التاريخ

منذُ عدة قرون وموقفنا من تيار التاريخ وركب الحضارة واحد من ثمانية: الخجل الحضاري، والملل الحضاري، والزعل الحضاري، والدجل الحضاري، والنقل الحضاري، والغزل الحضاري، والزلل الحضاري، والفشل الحضاري.

الخجل الحضاري يعكسه شعورنا بالانكسار رياضيا وبيئيا وسياسيا واقتصاديا وتجاريا وعلميا أمام مهارة لاعبي ونظافة مدن وحرية نظم ووفرة ثروات وفوائض مدفوعات ومستوى جامعات وحالة الحريات في البلدان الغربية. هذا النوع من الخجل هو ردة فعل إنسانية منطقية أمام المتقدمين يشعر الفرد في ظلها بأنَّ لديه طاقة لكنَّه لا يعرف كيف يوظِّفها؛ فيكتفي بالحسرة والكسوف والفرجة على الآخرين وهم يسبقونه.

أمَّا الملل الحضاري فيعيشه من بقوا في بلدانهم راضخين للأمر الواقع أو من هاجروا إلى الدول المتقدمة لكنَّهم لا يشعرون فيها باللذة الكاملة وسط ثقافة لا يهضمونها وعادات وتقاليد يخشون منها على أجيالهم الجديدة.

لكنَّ الخجل الحضاري والملل الحضاري ليسا بخطورة الزعل الحضاري. ذلك الموقف الذي تعبر عنه الأصوات الغاضبة والجماعات المتشددة المخاصمة  للحداثة وكل تجارب التنوير الإنساني. وبقدر ما يحشد الزعل الحضاري خلفه أتباعا ومناصرين بقدر ما يضاعف بسبب مغالاته وتزمته، الشعور  بالخجل الحضاري.

الانبهار بالحضارة الغربية
الانبهار بالحضارة الغربية

لكنَّ الخجل يزداد أكثر في حالة الدجل الحضاري، وذلك عندما يكابر فاشلون فيدَّعون أنَّهم باتوا صُنَّاع مجدٍ وحضارة. من يقول أنَّه اخترع جهازا للعلاج.. ادَّعى أنَّ ألمانيا وأميركا لا تقدران على صُنعه. أو قنوات إعلامية تزعم أنَّها باتت شريكة في صناعة الخطاب الإعلامي العالمي. الدجل الحضاري ليس إلا ظاهرة صوتية. قعقعةٌ بلا قيمةٍ ولغوٌ بلا مردود.

يلي ذلك النقل الحضاري؛ ويجمع من ينقلون حرفياً عن المتقدمين أو يأخذون منهم أحيانا بتصرفٍ يتماشى مع ظروف ثقافاتهم وبلدانهم. ويتسع النقل الحضاري في حياتنا ليشمل تقريبا كل شيءٍ من أصغر الأشياء مثل الملابس وقصات الشعر إلى أكبرها مثل التعليم والأفكار.

لكن النقل الحضاري يهون أمام الغزل الحضاري الذي يُبِجِّل أصحابه الغرب ويقدسون مساره التاريخي. هو موقفٌ لا يكتفي بالنقل التفصيلي عن الغرباء وإنَّما يصل إلى الإعلان الصريح عن كراهية الذات وإظهار الشعور بالفخر الحصري حيال الحضارة الغربية.

ثم يأتي الموقفان السابع والثامن، وهما الزلل الحضاري والفشل الحضاري. فبالرغم من محاولات الإصلاح وتجارب الانفتاح إلا أنَّها انتهت بلا استثناء إلى الوقوع في كثير من الأخطاء وعديد من أوجه الزلل. ولم يكن غريبا مع تكرار الزلل الحضاري أن نقع في حالة فشل حضاري كاملة.

هذه المواقف الثمانية محبطة جدا.. لكنها لا يجب –ولو من باب التمني– أن تسدَّ باب الأمل الحضاري في أن يصبح العمل الحضاري بوابة عودتنا إلى تيار التاريخ وركب الحضارة…ومع أنِّي أشك في ذلك إلا أنِّي سأبقى أتمنّى.

د.إبراهيم عرفات

أستاذ العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock