أتودا تاكاشي*
ترجمة: سمير عبد الحميد إبراهيم- سارة تاكا هاشي
نقلا عن كتاب “خيط العنكبوت” وقصص أخرى- المشروع القومي للترجمة 779.
——————
خاطب مدير المبيعات الموظفين قائلا:
- هل يفهم الجميع؟! أريد أن يحصل كل واحد منكم على ثلاثة “زبائن” هذا الشهر.. ويجب أن يكون هؤلاء الزبائن من أصحاب الدخل الطيب.. هذا أمر مهم، تتوقف عليه سمعة شركتنا ومركزها.
كان السيد “هنادا” يجلس في ركن الغرفة ينصت إلى ما يقوله مدير المبيعات، بينما الأفكار تتلاطم بداخله:
- أتعجب..! هل يمكنني أن أجذب إلى الشركة في الوقت الحالي زبائن جدد؟!
يعمل السيد” هنادا” في شركة ائتمان تدعى “جابان سنترل كريديت كامبني ليمتيد”، وتعقد الشركة كل عام اجتماعين اثنين، يستمع فيهما الموظفون إلى مثل هذه الخطبة.. فجميع الموظفين بالشركة يجب عليهم أن يجذبوا زبائن جددا إلى الشركة، من أجل أن يحصلوا على بطاقات “ائتمان” الشركة..
وكان هذا من الصعوبة بمكان؛ لأن عليهم أن يفعلوا ذلك مرتين في السنة، وكان السيد “هنادا” قد طلب من جميع أصدقائه تقريبا أن يحصلوا على بطاقة ائتمان من شركته، ومع هذا فعليه أن يقنع على الأقل شخصا واحدا بذلك، لئلا يتحرج موقفه، ويسوء في الشركة.. فخاطب نفسه:
- لم يعد أمامي سوى عمتي فقط..
كانت عمته.. الأخت الكبرى لأبيه.. تعيش وحدها في شقة بإحدى ضواحي المدينة، وهي عجوز غريبة الأطوار إلى حدٍ ما، لا تألف أحدا أبدا، كما أن أحدا من الناس لا يألفها بسهولة.. وقد حاول السيد “هنادا” أن يقنعها مرة بالحصول على بطاقة ائتمان شركته وذلك حين كانت الأسرة تحيي الذكرى الثالثة لوفاة والده.. وكان يخشى أن يحدثها في الأمر.. لكن حين بدأ يطلب منها أن تحصل على “بطاقة الائتمان” قالت له:
- أوه.. هذا يعني أساسا “الاقتراض” فكلمة “كريديت” تعني “دَيْن” وتعني “استلاف” أليس كذلك؟ ومن المعروف أنه دون نقود لا يمكنني أن أشتري شيئا.. لا أحب أن أشتري شيئا على الحساب.. أريد أن أشتري ما أريد نقدا.. يمكنني أن أقدم لك أي خدمة من نوع آخر، لكن لا يمكنني أن أخدمك في هذا الأمر..
وعارضت العمة فكرة الحصول على بطاقة الائتمان معارضة شديدة… فتقطب جبينه ورسمت شفتاه الرقم ثمانية.. فلا يوجد هناك من يثنيها عن عزمها أو يجعلها تغير رأيها، حتى لو استخدم رافعة من النوع الثقيل.. وفكر السيد ” هنادا”: ربما يحدث له الشيء نفسه إذا ما عاد وكرر أمامها مطلبه:
- لكن عليّ أن أحاول مرة اخرى.. أريد أن أسجل اسمها ضمن أصحاب بطاقات الائتمان بالشركة، حتى لو لم تستخدم بطاقتها.. لم أرها منذ ستة أشهر.. هل أزورها حاملا لها هدية بسيطة؟!
رحبت العمة بالسيد “هنادا” ترحيبا حارا من أعماق قلبها، وقدمت له طعام العشاء مع قدح من “البيرة”..
- لكن يا عمتي.. لدي موعد آخر الليلة.. عليّ أن أرجع بسرعة..
- لا.. لا.. لا يصح هذا.. ظننت أنك جئتني لأمر مهم؟
- نعم.. هذا صحيح، في الواقع كنت قد طلبت منك قبلا.. كنت أود أن تصبحي عضوا في شركتنا، وتحصلين على بطاقة ائتمان.. يجب عليّ أن أجذب إلى الشركة ستة أعضاء كل سنة..
وفجأة تغيرت ملامح وجه العمة وقالت:
- أوه.. أهذا هو الأمر.. قلت لك من قبل أكره “استلاف النقود” لقد عشت حياتي كلها دون التورط في مثل هذا الأمر..
- لكن يا عمتي إن بطاقة الائتمان لا تعني “استلاف النقود” وأنت لست بحاجة إلى استخدامها، احتفظي بها فقط..
- أوه.. يا.. لا.. إذا كان في مقدوري شراء ما أريد عن طريق قطعة الورق هذه فسوف اشتري بالطبع كل ما أريد.. أنا أخشى أن يحدث هذا..
- لكن هذا أكثر أمانا من حمل النقود طوال الوقت؛ لأنه يمكنك شراء ما تريدين في أي مكان عن طريق استخدام هذه البطاقة، وسوف تشعرين بأن الأمر في غاية السهولة، وخاصة حين تكونين على سفر..
- يا ابن أخي! أنا لم أسافر إلى أي مكان طوال حياتي!!
- …….
وتأسّف السيد “هنادا” وندم كثيرا على التحدث معها في هذا الأمر.. ظن أن حديثه معها كان نوعا من الدعابة، لكن الأمر تغيّر بعد تبادل ذلك الحوار، إذ تغيّر موقفها تماما تجاهه..
- إذًا سوف أكون من زبائن شركتك وأحصل على بطاقة ائتمان..!!
كانت تلك عبارة لم يتوقع السيد “هنادا” أبدأ أن تنطق بها العمة، فغمره السرور والفرح..
بعد شهرين.. ماتت العمة، كانت تبدو في صحة جيدة، لكن جسمها كان ضعيفا أصابه الوهن، وطبقا لما ردده الجيران، كانت تقول دائما إنها في الطريق إلى “عالم آخر”.. إلى “عالم السموات”.. كانت في السبعين من عمرها، وأطيب سيئ هو أنها لم تكن تعاني من أي مرض، لم يكن لها أولاد، فورث السيد “هنادا” تركتها كلها.. تركت العمة ثروة تقدر بأربعة ملايين ين.. هكذا كان يشير “دفتر” حسابها في البنك..
بعد قليل أدرك السيد ” هنادا” أن شيئا ما يحدث، لقد بدأ مبلغ المال يتناقص من دفتر حسابها يوما بعد يوم!!
ربما كان هناك من يسحب هذه المبالغ مستخدما بطاقة الائتمان.. ومع هذا بدأ يتفحص الأمر، فوجد أن المبالغ المسحوبة من البنك، يتم سحبها طبقا للقواعد المصرفية الصحيحة، وكان كلما حاول إلغاء بطاقة الائتمان، ضاع طلب الإلغاء واختفى.. حاول ذلك أكثر من مرة..
- ربما كان هناك من يستخدم بطاقة الائتمان!!
وتذكر السيد “هنادا” فجأة تلك الكلمات التي قالها للعمة، حين حصلت على بطاقة الائتمان، وهو يداعبها ضاحكا:
- يمكنك أن تستخدمي بطاقة شركتنا هذه في أي مكان.. حتى لو كنت في السماء!!
—————————————————
- كاتب ياباني معاصر، نال شهرة واسعة بين قراء القصة القصيرة في اليابان، نشرت له أكثر من اثنتي عشرة مجموعة قصصية طبعت معظمها أكثر من مرة، وخاصة الطبعات الشعبية منها؛ نظرا لأسلوبه الجذاب، ومعالجته لقضايا المجتمع الياباني المعاصر، تخصص في الأدب الفرنسي، وعمل بمكتبة البرلمان الياباني، بعد حصوله على جائزة أدبية كبرى، استقال من عمله وتفرغ لكتابة القصة.