قبل ستة عقود، وبالتحديد في أكتوبر ١٩٦٢، وقعت أزمة الصواريخ الكوبية.. أزمة ليست بعيدة في دلالاتها عن الأزمة الأوكرانية. في تلك السنة اكتشفت الولايات المتحدة قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا. هددت الأزمة بإشعال حرب نووية بين القوتين الأعظم.. حدث تصعيد هائل، فكرت واشنطن في ضرب كوبا بحرا وجوا، لكنها اختارت فرض حظر عليها وطالبت بتفكيك كل منصات الصواريخ الروسية وسحبها بالكامل من الجزيرة. تواصل التصعيد إلى أن اتفق الجانبان على صفقة سحبت موسكو بموجبها صواريخها النووية من كوبا، في المقابل سحبت واشنطن صواريخها النووية من إيطاليا وتركيا، مع التعهد بعدم غزو كوبا، وعليه تم خفض التوتر بعد تصعيد مخيف في واحدة من أخطر الأزمات الدولية. واليوم تبدو الأزمة وكأنها تتكرر ولكن بالمقلوب، أمريكا هي التي تقترب من الأراضي الروسية.. هي التي تسعى لضم أوكرانيا إلى الناتو، ووضع صواريخ استراتيجية على مرمى حجر من الأراضي الروسية.
أوكرانيا هي كوبا الجديدة، ومثلما رفضت واشنطن بالأمس وجودا سوفيتيا قريبا من حدودها، ترفض موسكو اليوم وجودا أمريكيا في جوارها القريب، وهذا طبيعي. فالقوى العظمى خاصرتها الاستراتيجية حساسة للغاية لا تسمح لأحد باللعب فيها أو الاقتراب منها، وما بين روسيا وواشنطن اليوم أفضل مما كان بينهما في فترة الحرب الباردة.. بينهما خط ساخن ووسطاء ونظام ترميز للتفاعلات يسمح بفهم نوايا الطرف الآخر بشكل أفضل وبالتهدئة والعودة الى الخلف، نعم الأزمة الأوكرانية خطيرة؛ لكنها ليست أقل من مثيلتها قبل ستين سنة، قابلة للاحتواء والطي.. حقا ما أشبه الليلة بالبارحة!