رؤى

حرب أوكرانيا تفضح خدعة الغرب وأكذوبة العولمة

لف الكرة الأرضية.. زار بلادنا العربية؛ فلم يترك منها واحدة.. قابل رؤساء دول ومثقفين حول الأرض.. حاضر عن كتابه، الذي لمعته قنوات التلفاز الغربية، وترجمته دور النشر العالمية. قال: “إن العولمة هي المستقبل.. هي الطريق لبناء السلام.. وخلق عالم متجانس مترابط متكافئ ومتحاب”. ما زار بلدًا إلا وأخذ معه نسخا من كتابه “السيارة ليكزس وشجرة الزيتون.. محاولة لفهم العولمة” أهداه للمئات وبيعت منه مئات الآلاف من النسخ بكل اللغات، كسب توماس فريدمان من وراء الكتاب ملايين، وروج لفكرة جذابة واعدة أحب الناس أن يجربوا وعودها؛ فإذا بها اليوم تتعرى عيانا بيانا أمام أعينهم.

كشفت حرب أوكرانيا عن أن العولمة لم تكن سوى فكرة غربية جديدة للهيمنة، من شارك فيها وأراد أن يعدلها عوقب؛ ها هي روسيا برغم قوتها تتعرض للعقاب بالطرد المتزايد من العولمة؛ يقول لها الغرب “اسمعي يا موسكو: البنية التحتية الدولية التي تستعملينها ملك لنا.. لا تنسي.. من يستعملها يجب أن يستعملها بشروطنا.. ومن يستفد منها يجب أن يعمل وفق تعليمات ملاكها، لهذا يمكن النظر إلى الحرب في أوكرانيا –في أحد جوانبها– على أنها اعتراض على العولمة، وعلى احتكار الولايات المتحدة والغرب لملكية البنية التحتية العالمية، مثل نظام سويفت وآلية تحديد المواقع الجغرافية GPS)) ونظم الملاحة الدولية، وتسعير النفط بالدولار.. واتخاذ الدولار عملة عالمية، واحتكار كابلات الشبكة العنكبوتية الدولية، وتحديد أسعار الصرف.. والمحكمة الجنائية الدولية، ونظام الترقيم البنكي الدولي  (IBAN) وعناوين المواقع الالكترونية حول العالم.

روسيا والصين والهند شاركوا في العولمة على أمل أن يكسروا هيمنة الغرب على العالم؛ اعتبروها عملية عادلة ومتكافئة إلى أن جاءت حرب أوكرانيا؛ ليكشف الغرب من خلالها عن أن العولمة ليست عملية مفتوحة للجميع، وإنما عمل مدبر، وأيديولوجية غربية جديدة، وفكرة لمواصلة الهيمنة، واحتكار البنية التحتية الكونية، وإدارتها كما تريد “الأوليجاركية” الغربية الكونية النافذة، الحرب ليست فقط على أوكرانيا وأمن روسيا القومي التقليدي، إنها حرب على شكل العالم الجديد، وعلى طريقة إدارته وشكل النظام الدولي، بين قوى غربية ما زالت تهيمن عليه منذ القرن السادس عشر، وقوى بيضاء غير غربية، وأخرى صفراء وسمراء آسيوية؛ تحاول أن يكون القرن الحالي نقطة تحوّل تاريخية كبرى.

د.إبراهيم عرفات

أستاذ العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock