ثقافة

موائــد الأئمة الأزهريين الكبار(1-2).. البيباني أبو الزعماء المصريين مكتشف أمير الشعراء

وهذا أبو الزعماء المصريين ومعلمهم صاحب  الفضل والعلم في نبوغ أمير الشعراء أحمد بك شوقي, وفي الحقوق اكتشف الزعيم مصطفي كامل, وفي الأزهر عرف براعة تلميذه عظيم مصر الزعيم محمد فريد، والشيخ الشافعي سعد باشا زغلول.. وغيرهم.

الشيخ الجليل محمد حقي البسيوني البيباني، كوكب أزهري وضاح، قنديل مضيء من قناديل القضية الوطنية المصرية, عبقري في علم الإقناع الشافعي, وهومن الذين حضروا في الأزهر؛ فكان سفير مصرفي كل محفل علمي, خبير في علوم الفلك والفلسفة والرياضيات، يعرف الفرنسية, عاصر الطهطاوي في رحاب الأزهر, وكان صاحب أشهر مائدة في شهر رمضان؛ يعدها ويستقبل صحبه أو الذين تتلمذوا على شيوخه.

شوقي يكتب في حب الأزهر ومعلمه  البيباني

البيبروني

هذه الأبيات التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي في حب الشيخ البيباني معلمه الأزهري الفذ الذي أكتشف نبوغه مبكرا في الحادي عشر من شهر سبتمبر 1924، يقول  أحمد شوقي في عدد مجلة الرسالة أول نوفمبر 1933، “منه تعلمت نظم الحرف والفنون والبلاغة”.

 في شهر رمضان، وعلي مائدة الإفطار البيبانية الشهيرة، بوسط القاهرة بالشارع الذي يحمل نفس الاسم بجوار منزل الطهطاوي بالحلمية الجديدة – يحضر سنويا عمالقة الفكر تلاميذ الشيخ البيباني بمدرسة الحقوق: أحمد شوقي والزعيم محمد فريد وأحمد زكي باشا الذي قال عن الشيخ البيباني “ما لبث أن رأى في تلميذه شوقي بواكير العبقرية وبوادر المواهب الربانية، فأنشأ يعرض قصائده على تلميذه شوقي، قبل أن يرسلها إلى المعية السنية، وإلى جريدة الوقائع المصرية وغيرها من الصحف العربية، وكان شوقي ببساطة التلميذ الناشئ يشير بمحو هذه الكلمة، وتصحيح تلك القافية، وحذف هذا البيت، وتعديل ذياك الشطر والأستاذ يغتبط بقوله، وينزل على رأيه”.

شوقي عن البيباني
شوقي عن البيباني

ويضيف أحمد زكي باشا رائد نظارة المعارف: “وأحسن ما أذكر لأستاذي البيباني –رحمه الله– أنه كان يتحدث بذلك إلينا، وإلى الفرق المتقدمة علينا، وكانت مائدته يجلس فيها عثمان باشا مرتضى، وأبو بكر يحيى باشا، وعلي ثاقب باشا، مؤسس مدرسة الري المصرية الحديثة أبو المفكر مجيب المصري خبير ترجمات القرآن العظيم.. وحين قدم الشيخ البيباني تلميذه شوقي إلي  الخديوي توفيق في سنة 1887، كي يسافر لباريس ليتم دراسته.. وجميل حقا أن يتفطن شيخ أزهري لم ير مفاتن الغرب، ولم يكتحل بمشاهده ومجاليه، إلى ما يجب لشوقي أن يطلع عليه من روائع باريس وحضارتها، ومباهجها ومفاتنها، فيشير على ولي الأمر بإرساله إليها ليتسع أفقه، ويخصب خياله ويمتلئ خاطره بأسباب القول ودواعي الشعر”.

فلا عجب إذن أن يكون شوقي أمير الشعراء من أفق الأزهر، وثمرة من ثماره أو فكرة من أفكاره, ولشوقي حديث بصدد الأزهر يشهد بحسن تقديره لهذا المعهد العظيم، وإجلاله لمهبط أساتذته، “وما أنا من ينسى أن معظم أساتذة مدرسة القضاء نفسها في العلوم الشرعية بوجه خاص، كانوا من شيوخ الأزهر ورجاله، وليس من المعقول أن يكون هؤلاء الأفاضل حربا عليها، وهم في النهوض بها شركاء.

إن للأزهر عندي حرمة لا أحب أن يتشكك فيها الأستاذ، وأعتقد أن الأزهر قد سد فراغا كبيرا كان التعليم في مصر، والبلاد الشرقية جميعا لا يرجو له بدون الأزهر من سداد, وسأظل فخورًا دائما بأن من أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف، وكبار علمائه”.

من البحيرة للأزهر والنبوغ العبقري

جاء الشيخ محمد البيباني من البحيرة إلى القاهرة لطلب العلم في الأزهر، بعد أن حفظ القرآن وما أن استقر به المقام بين جدرانه، حتى طفق يدرس على أساتذته مختلف العلوم العقلية والنقلية، ولازم شيوخه بالأزهر سنين يقرأ عليهم أمهات الكتب في الفنون، وقد ظهر أثر هذه الطريقة في كتابه “حسن الصنيع” الذي ألفه في المعاني والبيان والبديع، وكتبه بأسلوب أدبي رقيق.

وجاوزت شهرته العلمية والأدبية المحيط الأزهري إلى أفق غير الأزهر، فأسندت إليه نظارة المعارف تدريس علوم اللغة العربية بالمدرسة التجهيزية الخديوية, وهومن فضلاء علوم العصر الحديث، حجة في القوانين الفرنسية والعربية، ومن أجل شيوخه في الأزهر العلامة أحمد بن أحمد الشباسي العمري الشهير بمنة الله والفقيه الشيخ سليم البشري.

ثم تخرج واشتغل بالتدريس في الأزهر، فكان معدودا من أجل الأساتذة، وكانت له طريقة في التدريس لم تكن لغيره ، وكثر تلاميذه ، واتسعت حلقته ، وطارت شهرته.

حسن الصنيع

ثم اشتغل بالتدريس بمدرسة الإدارة (الحقوق) بالقاهرة، فتخرج على يديه عدد من الزعماء الوطنيين مثل مصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، وعين مفتيا للمعية السنية أيام الخديوي توفيق، ومن تلاميذه المترجم العلامة أحمد عبد المنعم العسيري الطوخي الأزهري، ومن مؤلفات المترجم “تقرير على حاشية الأمير الصغير على شرح الملوي على السمرقندية” و”حسن الصنيع، في علوم المعاني والبيان والبديع” وقد قررت نظارة المعارف تدريسه لتلاميذ المدارس الثانوية. و”خاتمة حسنة على شرح كفاية الطالب الرباني، على رسالة أبي زيد القيرواني”، و”رياض الزاهدين، ومنهاج العارفين”، و”حاشية على قصة المعراج للغيطي”،

كما جاء في كتاب “جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين” للشيخ أسامة الأزهري, ومن الإنتاج الشعري: له قصائد نشرت في جريدة الوقائع المصرية، فضلا عن مؤلفه “رياض الزاهدين” و”منهاج العارفين” وكتاب “خاتمة حسنة على شرح كفاية الطالب الرباني على رسالة أبي زيد القيرواني”.

ومن أروع ما كتب مولانا الشيخ البيباني:

وما هي إلا روضةٌ وفُكاهةٌ           وما أنت إلا حُسنُها وازْدِهاؤها

وأنت لها إنسانُ عينِ حياتها          ولولا تلافِيها لَـخِيفَ عفـــــاؤها

وما هي إلا جثَّةٌ أنت روحُها         وما أنت إلا مجدُها وعــــــلاؤها

وما مثلُها إلا لمثلكَ ينتمي             فيسمو بها بين الأنام انتِمـــــاؤها

ولولاك لاستعلَتْ عليها أجانبٌ       ولولاك حقّاً ضاق ذَرْعًا فضــاؤه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock