ضمن أهم المسائل الواجب تناولها ضمن ملف مدينة القدس، تأتي المسألة الخاصة بالخلط الحاصل عند الكثير من المتابعين، خاصة بعض الصحف والمجلات العربية، ومنها الدينية والإسلامية، وذلك في ما يتعلق بالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
إذ كثيرا ما يتم نشر صورة قبة الصخرة، ويكتب تحتها اسم المسجد الأقصى، دون أي توضيح أو إضافة؛ في حين لا تنشر صورة المسجد الأقصى نفسه، كمسجد وبناء مستقل يقع إلى الجنوب في ساحة الأقصى، وهي التي تستمد اسمها من اسم الأقصى ذاته.
أو حينما يتحدث البعض عن المسجد الأقصى وعمارته وزخرفته، فيتحدث –في حقيقة الأمر– عن قبة الصخرة وعمارتها وزخرفتها، ولا يذكر المسجد الأقصى نفسه في هذا الحديث؛ أو يخلط بطريقة غير واعية بين وصفه للمسجد الأقصى، كمسجد وبناء، وبين قبة الصخرة كبناء آخر مستقل.
بل إن الأغرب من هذا، أن الخلط يحدث في أحايين كثيرة، بين أسماء أبواب المسجد وهي أحد عشر بابا، وساحته ولها خمسة عشر بابا، وأيضا أبواب المدينة القديمة داخل السور وهي سبعة أبواب. وأحيانًا أقل، يقع الخلط مع أبواب قبة الصخرة نفسها وهي أربعة أبواب.. وهكذا. وذلك عند الحديث عن وصف العمارة والزخارف.
الحرم القدسي
وفي ما يتعلق بالحرم القدسي.. فإن أول ما يجب ذكره هنا، أن الحرم القدسي الشريف (ساحة المسجد الأقصى المبارك) يقع على هضبة جبل موريا في الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة، وهي هضبة مستوية السطح مستطيلة الشكل تقريبًا، وتقدر مساحتها بحوالي 144 دَوْنَمًا.
ويحيط بأرض الحرم سور كبير، يصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار، وسُمكه متران وربع المتر، وطول الجبهة الغربية منه 490 مترًا، والشرقية 474 مترًا، والشمالية 321 مترا والجنوبية 283 مترًا، ويتخلل السور خمسة عشر بابا كما سبق ذكره.
ويطلق على الحرم القدسي الشريف، وجميع محتوياته اسم المسجد الأقصى المبارك بالمعني الإسلامي الذي أُسْرِيَّ إليه؛ وهو يعني كل ما دار عليه السور، ويشمل: المسجد الأقصى (البناء المتعارف عليه الآن، إلى الجهة الجنوبية من الحرم) وقبة الصخرة، وتتوسط تقريبا ساحة الحرم، وكل الساحات والقباب والأبنية والآثار والمقدسات الموجودة فيه.
ويحتوي الحرم القدسي الشريف، إضافة إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة، على العديد من الساحات والآثار الإسلامية، والمساجد الصغيرة مثل: مسجد عمر، ومسجد البراق، والعديد من القباب والميازين (الموازين)، والمدارس والزوايا والأروقة والمصاطب، وبعض الأسبلة والآبار.
وللحرم القدسي أربع مآذن عالية، وبه متحف إسلامي ومكتبة، وعددٌ من الأروقة تقع في الجهتين الغربية والشمالية.
المسجد الأقصى
وإذا ما انتقلنا إلى المسجد الأقصى ذاته.. فهو كمسجد وكمكان مقدس للعبادة، يعود عهده إلى القِدم. وقد أورد القاضي مجير الدين العليمي الحنبلي، في كتابه “الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل” أن أبا البشر آدم –عليه السلام– هو أول من بنى مسجد بيت المقدس، عن بعض المؤرخين، وأنه دفن أيضا بين القدس والخليل.
وهناك رواية أخرى تقول إن أبا الأنبياء إبراهيم –عليه السلام– بنى المسجد الأقصى كبناء مقدس، بعد بنائه للبيت الحرام (الكعبة) في مكة، بأربعين سنة.
أما المسجد الأقصى الحالي –البناء المتعارف على تسميته بالمسجد الأقصى، ويقع في الجهة الجنوبية من الحرم القدسي الشريف/ساحة الأقصى المبارك، كما ذكرنا–فتنسبه بعض المصادر إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتقول إحدى الروايات أنه أقيم مكان القبة، ورواية أخرى أنه مكان المسجد الأقصى الحالي.
وفي حين ينسب المؤرخون المسلمون (مجير الدين الحنبلي، والبشاري المقدسي، والسيوطي، وشهاب الدين المقدسي) بناء المسجد الأقصى إلى عبد الملك بن مروان عام 72 هـ / 691 م. وينسب بعض المؤرخين الآخرين (ابن الأثير، وابن البطريق، وابن الطقطقي) بناء المسجد إلى الوليد بن عبد الملك.. وهذا هو الأقرب إلى الصحة. والواقع، بل الأكثر دقة، أن عبد الملك بن مروان بدأ البناء، وأتمه ولده الوليد عام 90 هـ / 709 م.
ويختلف البناء الحالي للمسجد الأقصى عن الذي بناه عبد الملك وولده الوليد اختلافا كبيرا؛ إذ لم يبق من هيئته الأصلية إلا أجزاء قليلة بسبب تأثره بالهزات الأرضية وعوامل الطبيعة الأخرى؛ ما أدى إلى إعادة أقسامه في العهود العباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية، والجزء الأكبر من الشكل الحالي للمسجد، الذي نراه اليوم، هو من عمل وإعمار الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز دين الله.
عمارة المسجد
أما من حيث عمارة المسجد الأقصى وزخرفته.. فإن طول المسجد الأقصى الحالي، يبلغ من الداخل 80 مترًا، وعرضه 55 مترًا، وتبلغ مساحته 4500 مترًا مربعًا. وقد جُددت جميع أعمدته القديمة، ووحدت أشكالها وعددها 53 عمودًا مستديرًا من الرخام، و49 سارية مربعة من الحجارة، وارتفاع الأعمدة والسواري خمسة أمتار قامت فوقها أقواس حجرية، اتساع كل منها تسعة أمتار.
وللمسجد أحد عشر بابًا، سبعة منها على الجانب الشمالي للمسجد (أي واجهته، وهى المقابلة لقبة الصخرة)، وواحد في الجانب الشرقي، واثنان في الجانب الغربي، وواحد في الجانب الجنوبي.
وفي مقدمة المسجد (الواجهة الشمالية) سبعة أروقة، أمام الأبواب الشمالية.. والأروقة في المسجد الأقصى أروقة مبنية بالبناء المحكم. وهى ممتدة من جهة القِبلة إلى جهة الشمال. وأولها عند باب الحرم المعروف بباب المغاربة، وآخرها عند باب الغوانمة؛ وكلها عُمِرَت في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون في مدد مختلفة.
أما في قبلة المسجد الاقصى، فيقف منبر نور الدين زنكي ومحراب صلاح الدين الأيوبي. وحول المحراب كتبت الآية الأولى من سورة الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، وكذلك الآية الثانية من سورة الإسراء: “وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا”.
وفي هذا المجال، مجال الحديث عن المسجد الأقصى بصفة خاصة، والحرم القدسي الشريف عامة، يهمنا أن نقوم بتثبيت الفتوى التي أصدرها المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية، المنعقد بالقاهرة (رجب 1388 هـ / سبتمبر 1968 م).
فقد أكد المؤتمر على قدسية كل ساحة الحرم القدسي الشريف، في البند الرابع ـ الفقرة “ب” من القرارات والتوصيات.. فقال: “يؤكد المؤتمر الفتوى الدينية الصادرة من علماء المسلمين وقضاتهم ومفتيهم بالضفة الغربية (المحتلة) في 17 جمادى الأول 1387 هجريًا، الموافق 22 أغسطس/آب 1968، والمتضمنة أن المسجد الأقصى المبارك بمعناه الديني، يشمل المسجد الأقصى المبارك المعروف الآن، وقبة الصخرة المشرفة، والساحات المحيطة بهما، وما عليه السور وفيه الأبواب”.
ولم يتوقف المؤتمر عند حدود تقديم تعريف لمحتويات الحرم القدسي الشريف؛ بل إن الأهم، أن المؤتمر كان قد أشار إلى الواجب الضروري على أي مسلم القيام به تجاه أي عدوان على المسجد الأقصى، وذلك حين ما أكد على أن “العدوان على أي جزء من ذلك، يعتبر انتهاكا لحرمة المسجد الأقصى المبارك واعتداء على قدسيته”.
… يتبع.