لا عزاء للعرب، وبالذات للسعودية؛ فهي التي أعطت للدولار بعد ١٩٧٣، كل هذه القيمة التي ما يزال يتمتع بها.. ولو انضمت الرياض وحدها الى الصين والهند في تغيير نظام مبيعات النفط إلى عملات أخرى؛ لبكت أمريكا دما وقتها، أي وقت ضرب الاقتصاد الأمريكي والرفاهية الأمريكية، سنجد واشنطن تغير موقفها من مجرد تسليح الأوكرانيين الى التدخل؛ لتحارب بنفسها في أوكرانيا وربما في جمهوريات الكتلة السوفيتية السابقة، التي دخلت الناتو وفي كل ساحة يتحتم التدخل فيها لمنع سقوط الورقة الخضراء.. من فوق مقعد القيادة.
سيدعي الأمريكيون أنهم يفعلون ذلك دفاعًا عن الديمقراطية، وعن الأخوة في الناتو؛ فيما سيفعلونه دفاعا عن الدولار الذي سرقوا به العالم بألف شكل؛ الدولار هذا الملك المزيف والزعيم المراوغ الذي خدع العالم منذ ١٩٤٥، إلى الآن فظل يكسب ويكسب ويكسب اعتمادا على وهم أنه يساوي ذهبا.. بان الآن على المحك.. إن نظام بريتون وودز كله لم يعد يلبي أغراضه؛ وخدعة نيكسون في سبعينات القرن الماضي لم تعد تنطلي على دول كثيرة، باتت لا تحتملها. الصراع العالمي يدور بوضوح على المال والثروة، أما حرب أوكرانيا فبالون اختبار سياسي وأمني ضروري، كان مطلوبًا إطلاقه؛ لكي تداري القوى العظمى من خلاله حقيقة صراعاتها المالية والمادية لتحديد صاحب النصيب الأكبر من الثروة العالمية.
أوكرانيا ليست إلا ورقة توت تداري بها واشنطن عوراتها الاقتصادية التي كانت تتكشف طيلة ربع القرن الماضي سنة تلو أخرى، باليقين لن تسلم أو تستسلم أمريكا بسهولة وهي ترى محاشمها المالية تتعرى وتتعرض للتحرش؛ ستحارب كل الحروب المشروعة واللامشروعة، الممكنة والقذرة. وقد نرى تبعات للمعارك الكونية الكبرى القادمة في منطقتنا، فلن تتساهل واشنطن عن معاقبة كل من تسول له نفسه المشاركة في إنزال الدولار عن عرشه الذي استولى عليه اغتصابًا من خلال اتفاقيات عالمية منحازة في نهاية الأربعينيات، ثم عززها بخدعة مزرية في مطلع السبعينيات.