رؤى

ماذا يريد بوتين من العالم؟ “نكون أولا نكون” شعار موسكو في الأزمة الأوكرانية(3)

بدأت جذور الأزمة السياسية الحادة في أوكرانيا في 21 نوفمبر عام 2013، عندما اندلعت في كييف مظاهرات المعارضة ذات التوجه الغربي؛ احتجاجا على تعليق الحكومة الأوكرانية تحضيرات توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وفي يناير عام 2014، فُضَّ مخيم اعتصام المعارضة، وتبنى البرلمان حزمة من القوانين التي تنص على تشديد عقوبة المشاركة في أعمال الشغب، وأدى هذا إلى تصاعد الاحتجاجات التي أخذت طابعا مناهضا للرئيس وللحكومة.

ويشير ألكسندر دوجين في كتابه “جغرافية السياسة في روسيا” إلى أن سيناريوهات أعمال الاحتجاج، وضعها وأشرف عليها ممثلو جهات حكومية تابعة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن اجهزة استخبارات غربية كانت تقف خلف المشاركين في ثورة الميدان، من المواطنين غير الراضين عن الظلم الاجتماعي، وشدد على أن الكثير من الحركات الأوكرانية اتحدت معا في المنظمة الرديكالية المعروفة باسم “القطاع الأيمن”.

وفى 22 فبراير 2014،  أزيح الرئيس الأوكراني ”يانوكوفيتش” عن السلطة، ما وصفه دوجين بالانقلاب المسلح من قبل المعارضة، مؤكدا أن جميع أفعالها تمت خارج الإطار الدستوري، وبهذه الطريقة وصلت السلطة في أوكرانيا إلى المعارضة الموالية للغرب، وهو ما تسبب في تفجر عدد من الأزمات السياسية التي مازالت فصولها تتوالى.

يانوكوفيتش
يانوكوفيتش

وفي 2 مارس عام 2014،  وصف الرئيس الروسي بوتين ما جرى في كييف بأنه انقلاب على الدستور واستيلاء مسلح على السلطة.

ويقول دوجين: “إذا كانت سلطات كييف الجديدة التي أعلنت عن تسريع عمليات التكامل مع الاتحاد الأوروبي؛ تحظى بدعم السكان في العاصمة وفي المناطق الشمالية والوسطى والغربية من أوكرانيا؛ فإن تساهلها  مع القوى القومية المتطرفة، قد تسبب في موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية في جنوب شرق البلاد منذ الايام الأولى لتغيير السلطة، أما جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي وسيفاستوبول؛ فقد رفضا الاعتراف بشرعية الحكومة الجديدة وناشدتا روسيا تقديم الدعم لهما.

وفي 18 مارس 2014، وقع قادة القرم مع بوتين معاهدة قبول القرم ضمن روسيا الاتحادية التي تنص على “ظهور إقليمين روسيين جديدين هما جمهورية القرم والمدينة ذات الصفة الفيدرالية سيفاستوبول”.

“من الناحية التاريخية، كانت معظم أراضي جنوب شرق أوكرانيا، تنتمي إلى الإمبراطورية الروسية، وفى هذا الجزء من أوكرانيا يتحدث السكان اللغة الروسية، ومن ثم قوبلت قرارات حكومة كييف بفرض قيود  على استخدام اللغة الروسية بقدر كبير من الاعتراض من قبل السكان، وفي محاولة لكسر المطالب الانفصالية لسكان الاقليم قامت كييف بعدد من الأفعال العقابية مستخدمة القوة العسكرية.

وفى 12 أبريل استولى مسلحون من قوات الدفاع الشعبي للدونباس على المباني الإدارية وضموها إلي منطقة نفوذ جمهورية دونتيستك الشعبية المعلنة من طرف واحد، وتكرر الأمر في مدن أخرى مثل لوغانستك وماريوبول ودونتيستك. وفي 11 مايو عام 2014 جرى تنظيم استفتاء شعبي في منطقتي دونيتسك ولوغانسك بأوكرانيا على إقامة جمهوريات شعبية؛ وقد تسبب ذلك في حالة من الهياج الحاد لدى كييف تحولت مع منتصف مايو إلى عملية عسكرية، وهو ما دفع جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك لمناشدة روسيا تقديم المساعدة لهما، عبر إدخال قوات حفظ سلام وإقامة منطقة حظر جوي” بحسب ما ذكر دوجين في كتابه.

يقدم دوجين تحليلا أكثر عمقا لجذور الأزمة الروسية الأوكرانية فيقول: “أكدت أحداث عام 2014، حتمية المواجهة بين القطبين الجيوسياسيين في العالم، وبعد ضم القرم حصلت روسيا على فرصة للعودة للتاريخ، أما الدراما الأوكرانية فأظهرت هى الأخرى من جديد أن موسكو في حالة أزمة، ولتحليل ما يحدث اليوم لروسيا فى ظروف المأساة الأوكرانية هناك حاجة لإعطاء تحليل صحيح لهيكل هذه الأزمة، وتحديد الاتجاهات التي تصطدم، في مواجهة بعضها البعض في هذه المعركة الخاطفة؛ محددة مصير روسيا أن تكون أو لا تكون.. وعندما تقع الأزمة يصبح التعايش بين الحياة والموت أمرا مستحيلا، ووحدها فقط الحياة الواقعة على مشارف الموت هي التي تعاش حقا، والأزمة دوما تعني الصحوة وفي الأزمة الحالية يمكن أن تقع أشياء تجعل روسيا لا تكون بعد ذلك؛ ولكى تكون روسيا هناك حاجة لإنجاز عمل بطولي؛ فمن الضروري إقامة روسيا من جديد أو إعادة إحيائها في مواجهة الكارثة.. لا ينبغى التهرب من الكارثة؛ ولكن كسب المعركة مع العدو فهذا هو التاريخ، وهو يعود إلى روسيا لأن التاريخ هو الحرب دائما”.

فهم التطورات التي تجري اليوم على الأرض؛ يرجع في جزء منه إلى تسعينات القرن العشرين، وفي هذا الصدد يقول دوجين: “في التسعينات انهارت روسيا العظمي، التي ظلت موجودة على مدى عقود، ممثلة في الاتحاد السوفيتي، وقد نشأت الحدود المشتركة لهذه الدولة قبل وقت طويل من عام 1917، بينما خضعت في ظل النظام السوفيتى لبعض التغييرات المهمة، وأرسي التوازن بين الميول والنزعات الجاذبة للمركز، وتلك الطاردة عنه وبين هوية المركز (الأمة الكبرى) والهويات المحلية للشعوب الصغيرة.

روسيا وأوكرانيا
الحرب على أوكرانيا

هذا التوازن لا ولم يحدث أن وصل في أي مكان إلى حد الكمال؛ لكنه يتحول باستمرار مرة في هذا الاتجاه ومرة فى اتجاه آخر؛ ففى بعض الأحيان كانت بعض الجماعات العرقية تنضم لروسيا؛ في حين كان البعض الآخر يستقل ذاتيا، وعاد السؤال مجددا أمام روسيا “نكون أولا نكون”.

وإذا كان الرد نكون فبأي صفة وداخل أي حدود وبأي أيدولوجية وأي نخبة سياسية، فقد كان انهيار الاتحاد السوفيتى يعني انتصار القطب الامريكي، الذى بدأ على الفور بسط نفوذه في المناطق التي خرجت من تحت نفوذ روسيا الكبرى.

لقد خلقت الجهوريات الروسية السابقة دولا بلا تاريخ سياسي، كانت فكرتها الرئيسية تقوم على الكراهية العمياء لروسيا والماضي الإمبراطوري السوفيتى التي تضع على مشجبه جميع المشاكل وأصبح مسيطرا عليها الانتقام من روسيا؛ في مقابل الولاء لأمريكا وهنا تكمن جذور الدراما الأوكرانية الحالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock