“أكتب لكم كشاعر وأفكّر في الأشياء كطفلٍ وأعيش الأمور كمهرجٍ وأتحدّث مع الآخرين كعجوزٍ.. وعلى النصِّ أن يحتمل كل هذا وأكثر” جلال الأحمدي من شهادة نشرتها مجلة “القافلة” عدد4-مجلد64 يوليو/أغسطس 2015م.
ولد الشاعر جلال الأحمدي عام 1987م، حين داهمه الشعور بكائن خرافي اسمه الشعر يسكن داخل ضلوعه، كان زمن الشبكة العنكبوتية يمد أذرعه الافتراضية لتملأ العالم.. وحين بدأ ينشر قصائده، كان زمن المجلات والملاحق الثقافية الأسبوعية قد فقد بريقه، وتحول من مهيمن على ساحة النشر، ومتحكم في تقديم الأسماء إلى ضيف شرف يكابر ويفرح بأي التفاتة إليه. وهذا يعني أن الشاعر جلال الأحمدي ينتمي انتماءً جوهريا إلى زمن الميديا، شارك في احتدامات المواقع الإلكترونية ومنتدياتها قبل نهاية العشرية الأولى بقليل، ثم صارت صفحته على منصة فيس بوك، هي منبره الأول، يحدث ذلك رغم رواج نصوصه على المواقع الالكترونية، وعلى منابر النشر الورقي أيضا، كما أنه أصدر حتى اليوم “2022م”، “شجرة للندم أو أكثر” القاهرة 2012م، “لا يمكنني البكاء مع أحد” الإمارات 2012م، “أن أخرج الغابة من صدري” الجزائر2013م، “درج البيت يصعد وحيداً” البحرين 2015م، “فراغ يملأ المزهرية” صدرت في ألمانيا باللغتين العربية والألمانية عام 2020م، أما السبب في رواجه فهو أهمية تجربته، مركزيتها بين تجارب مجايليه، وامتيازها بطاقة إبداعية تضعها في صدارة الترتيب بين أهم التجارب الشعرية، منذ ظهور قصيدة النثر العربية كشكل شعري.
التنفس الشعر بجرعات فنية كبيرة
تتميز تجربة الشاعر جلال الأحمدي بمراميها المتعددة، فهي سيرية، اعترافية، سيكولوجية، متأملة، انشقاقية متمردة، وميتافيزيقة أيضا. أما القاسم المشترك الذي تتبرج من خلاله تلك المرامي فهو الصياغة الماهرة، قوة الإمساك بمادة الشعر، سحر الكلمة وعمق الرؤية التي تقدمها. ينطلق النص في الغالب من رغبة في السرد؛ غير أنه في أكثر الأحيان يكون راغبا في ملامسة فكرة أعمق كثيرا من مجرد السرد السيري العادي، إنه يرغب على الدوام في توسيع الطبائع المغرية للنص، يشتغل على حياة متشظية؛ لكنها تبدو مفجعة ومنسجمة في آن:
أرسم رجلا وحيدا مثلي، على الحائط
ثمّ أخاف أن أشعر بالوحدة مثله
فأرسم بجانبه فراشة
ثمّ أخاف أن تطير
فأرسم أربعة جدران،
ثمّ أخاف علينا من الحزن
فأرسم غيمةً في الذاكرة
ثمّ أخاف من غربان الأسئلة
فأرسم مكيدةً
ثمّ أخاف أن ينجح الأمر
فأرسم شجرة من بعيد لا تبالي بما يحدث
ثمّ أخاف أن يصدّق ما يحدث
فأرسم قمرا يقضمه النّـدم
ثمّ أخاف أن تشغله القصيدة
فلا أرسم شيئا
ثمّ أخاف أن يكتشف الشّـكّ
فأرسم بابا موصدا بعنايةٍ
ثمّ أخاف أن يعتاد على الفشل
فأرسم له حقيبة، في داخلها حقيبةٌ، في داخلها مفتاح
ثمّ أخاف أن يدرك السر
فأرسم خلف الباب هاويةً
ثمّ أخاف على كبريائي من جنونه
فأرسم بومةً تسكن كتفه الأيمن
ثمّ أخاف أن يبالغ بالحكمة
فأرسم ذئبا في رئته اليسرى
ثمّ أخاف أن ينتقم من جسده
فأرسم لفافةً تتكشّـف بين شفتيه
ثمّ أخاف أن يختنق الحلم
فأرسم نافذةً
ثمّ أخشى من اللّصوص
فأرسم بندقيةً
ثمّ يقتلني البرد
ثمّ أخاف من النّـسيان
حين يأخذ نص كهذا بألبابنا لا بد أن نسأل: من أين جاءت دهشته؟ لكن هذا السؤال وحده لا يكفي، إذ علينا أن نسأل أيضا: ما سر جماله؟
الإجابة أن دهشة النص وكذلك جماله يأتيان من الصراع بين السرد بوصفه ذريعة، وقوّة إغناء هذه الذريعة بسيل من المرامي الغرائبية، التي تتلاحق في النص بذكاء ورهافة ينمان على مهارة وحذق عاليين.
يتكون النص من ثلاثة وثلاثين سطرا، تناوب حرفا العطف “ثم” و”الفاء” أوائل اثنين وثلاثين منها، وإذا كان تناوبهما محكوم في ظاهره بدلالتيهما “ثم” تفيد الترتيب مع التراخي، و”الفاء” تتضمن مع الترتيب معنى السببية، إلا أن دلالتيهما في النص تبدو أبلغ من ذلك بكثير، فإلى جانب شعورنا بكثافة النص وقوة احتدامه جرّاء تعاقبهما، نشعر أيضا أننا داخل لعبة مثيرة، لعبة تتلاحق مراحلها، لكنها لعبة لا تكتمل، ففيما نحن نتابعها بشغف بالغ، تختار هي التوقف على اللسان الصخري المؤدي إلى الهاوية السحيقة. حين يتكرر حرف العطف “ثم” مرتين في ختام النص “ثمّ يقتلني البرد، ثمّ أخاف من النّـسيان”.
إن جلال الأحمدي يرسم لحظات التشظي مُكبّرة، وهي تتجلى في النص ممثلاً حقيقياً لحياة مضنية، قلقة، مريرة وبائسة، لكنها من حيث الإبداع حياة تتنفس بجرعات فنية كبيرة، حياة تتفايح عبر ثلاثة وثلاثين لوحة مشهدية، هي عدد سطور النص؛ ورغم احتشاد اللوحة بتحققات العجيب والمدهش تصريحا وتلميحا، إلا أن النص يظل قائما على الاحتمالية الواقعية، هنا مثلا كان يجدر بي فعل ما يفعله النقاد دائما، أن أستحضر مقطعا من النص تتجلى فيه هذه الخاصية التي أتحدث عنها؛ لكن دلالات وإيحاءات الصور المشهدية الشذرية، تتماثل من حيث قوة الدلالة وفاعلية الإيحاء، ثم إن تخليق أفعال السرد عبر التناوب المشار إليه سابقا، يتبعه تخليق الصور المشهدية بآلية سببية متسلسلة، تجعلنا أمام نص نفضل أن نأخذه كله:
أرسم رجلا وحيدا مثلي، على الحائط
ثمّ أخاف أن أشعر بالوحدة مثله
فأرسم بجانبه فراشة
ثمّ أخاف أن تطير
فأرسم أربعة جدران
ثمّ أخاف علينا من الحزن
فأرسم غيمةً في الذاكرة
ثمّ أخاف من غربان الأسئلة
فأرسم مكيدةً
ثمّ أخاف أن ينجح الأمر… إلخ
بالكاد كبحت جماح رغبتي في إيراد النص كاملا؛ لأن النص بمجمله يمثل الحالة، وعلى القارئ أن يعود إليه ليقرأه كاملا.
من جهة أخرى تتوجب علينا ملاحظة دهاء الشاعر، وقوة الحيلة البلاغية التي يتبعها أحيانا، لجعل مغامرته الشعرية أكثر إدهاشا، أقصد هنا حيلة كسر التوقع، بما يمثل التفاتا حقيقيا، وهو ليس الالتفات المعهود في التراث البلاغي العربي، إنه التفات خاص بالنص، ولدته الآلية الخاصة لطريقة اشتغالاته. فالنص كما قلت سابقا يتوالد من صور مشهدية متشظية يبنيها كل سطر بمفرده؛ لكن الصور المشهدية المتشظية تتحول بسبب طريقة سرد النص عبر تناوب حرفي العطف “ثم” و”الفاء” إلى صورة مشهدية كبيرة، وكأننا نشاهد فيلما سينمائيا، عدد من اللقطات داخلية وخارجية، تتآزر بمجموعها لتشكيل سردية الفيلم الكلية. لكن الفيلم حين يكون مصنوعا بحرفية وتقنية عالية لن يخلو من مشاهد فارقة، ما يشبه مشاهد الفيلم الفارقة في نص الأحمدي، هو ما أسميه هنا بحيلة كسر التوقع، التي أعدها التفاتا من نوع ما، كونه يتولد من مواضعات النص وحوادثه المتسلسلة.
أول كسر للتوقع نلحظه في السطر الحادي عشر:
فأرسم شجرةً من بعيد لا تبالي بما يحدث
ولكي يتبين للقارئ لماذا أعد السطر الحادي عشر التفاتا، سأورده مع ما قبله هكذا:
أرسم رجلا وحيدا مثلي، على الحائط
ثمّ أخاف أن أشعر بالوحدة مثله
فأرسم بجانبه فراشة
ثمّ أخاف أن تطير
فأرسم أربعة جدران
ثمّ أخاف علينا من الحزن
فأرسم غيمةً في الذاكرة
ثمّ أخاف من غربان الأسئلة
فأرسم مكيدةً
ثمّ أخاف أن ينجح الأمر
فأرسم شجرةً من بعيد لا تبالي بما يحدث
إن على القارئ أن يتأمل بعمق تسلسل النص وتتابع صوره، قبل أن يصل إلى السطر الحادي عشر، لقد كانت أحداث النص تتوالى بطريقة تمتثل تماما؛ لما يشبه امتثالنا للوقائع في أول الحلم، أو أول الكابوس، إن رسم “شجرةً من بعيد لا تبالي بما يحدث” يمثل ما يشبه ارتجاف الكابوس “الرازم” الذي يصيبنا. هذه هي الالتفاتة التي أقصدها، فمن بعد لحظة الارتجاف تلك سيبدأ النص مناوشة اللحظة الكابوسية:
ثمّ أخاف أن يصدّق ما يحدث
فأرسم قمرا يقضمه النّـدم
ثمّ أخاف أن تشغله القصيدة
فلا أرسم شيئا
من هنا يمكننا تفكيك نص يمكن اعتباره من أهم نصوص تفوّق الذاتية، حين تستطيع المغامرة الابداعية خلق واقع تخييلي، بعناصر كابوسية ومأساوية، تبدو لنا وكأنها رؤية موضوعية ومألوفة للأشياء.
إن ملاعبة الكابوس بمثل هذه البراعة المتخفية داخل لعبة السرد، المتخفية بدورها داخل حيلة تناوب حرفي العطف “ثم” و”الفاء”، يغدو أسلوبا مقنعاً للتعبير عن شكل الوجود الذي ينغص حياتنا اليومية، إن وجودنا محكوم بمئات المنغصات، كل منغص يكفي ليكون مشنقة حقيقية، ملاعبة هذه المشانق عبر مشخّص كابوسي، لا شك أنها حيلة ناجحة، وهي حيلة ضرورية بوصفها بديلا يلجأ إليه النص؛ حين يكون التعبير بطريقة عادية قد فقد جدواه، على هذا الأساس سيواصل النص اجتراحاته، وقد تحولت الأشياء كلها إلى شريك في لعبة الكابوس السريالية:
ثمّ أخاف أن يكتشف الشّـكّ
فأرسم باباً موصداً بعنايةٍ
ثمّ أخاف أن يعتاد على الفشل
فأرسم له حقيبةً، في داخلها حقيبةٌ، في داخلها مفتاح
ثمّ أخاف أن يدرك السر
فأرسم خلف الباب هاويةً
ثمّ أخاف على كبريائي من جنونه
فأرسم بومةً تسكن كتفه الأيمن
ثمّ أخاف أن يبالغ بالحكمة
فأرسم ذئبا في رئته اليسرى
ثمّ أخاف أن ينتقم من جسده
فأرسم لفافةً تتكشّـف بين شفتيه
لنلاحظ غرابة الصور الجزئية، وقدرتها على التشخيص اللائق بغرابة الحالة الكابوسية “أخاف أن يكتشف الشكّ فأرسم بابا موصدا بعناية”، ” أخاف أن يدرك السر فأرسم خلف الباب هاوية”، “أخاف على كبريائي من جنونه فأرسم بومةً تسكن كتفه الأيمن”، “أخاف أن يبالغ بالحكمة، فأرسم ذئبا في رئته اليسرى” بهذا الأسلوب الذي يوهمنا بمنطقية ما ليس منطقيا، يستطيع جلال الأحمدي أن ينقل ارتجافة لحظته الكابوسية إلينا، هنا علينا أن نتساءل ونحن نتأمل قوة استجابتنا للنص، إلى أي درجة يشبه واقعنا صورة فوتوغرافية سالبة؟ وإلى أي درجة يمكن أن تلتبس في وعينا قيم الواقع واللاواقع؟ وهذا ما تعززه خاتمة النص التي لا تشير إلى نهاية الكابوس:
ثمّ أخاف أن يختنق الحلم
فأرسم نافذةً
ثمّ أخشى من اللّصوص
فأرسم بندقيةً
ثمّ يقتلني البرد
ثمّ أخاف من النّـسيان
إن خاتمة النص تبقيه مفتوحا أمام عديد الإضافات التي يمكننا تخيلها، إنها خاتمة تجعل شعورنا شبيها بشعور من وقع في فخ، نص لا يكتفي بمذاق الواقع المر؛ بل يقرر إخبارنا عن سُمّيته، وإن علينا أن نطرد بلادة حِسِّنَا؛ كي نعيش كابوسها “الكافكوي” نعيشه كمعبر حقيقي عن غربتنا ووحدتنا وقلقنا ووساوسنا وهلاوسنا، عن العنف المكبوت في داخلنا، وعن قلة حيلتنا ونحن نواجه وضعا مضطربا بائسا وغير آمن طوال الوقت.
نص جلال الأحمدي هو أيضا نص عزلة فردية، إنه صورة الشاعر في عزلته، وهو أيضا محاولته لكتابة تكييف رمزي للعالم الخارجي الذي يتبادل معه التنافر والرفض. لكن الميزة الحقيقية للنص تكمن في اللعبة الفنية البديعة، إنها لعبة تُشَخّص الكابوسي، وتناور ارتجافاته ومناوشاته على نحو مذهل، وهي أيضا القدرة على رسم الخيط الرفيع بين الواقع العادي والواقع الموازي، واقع المكابدات اليومية العبثية، وواقع القصيدة كفن تعبيري أساسه المجاز، أو الصورة المشهدية التي تفضلها قصيدة النثر، وهي أيضاً قدرة الشاعر على رسم الخيط الرفيع بين الماهيات وعالم الوجود.
إن سحر النص يتمثل في جعل سرياليته الكابوسية، تتحول إلى لعبة فنية مبهرة، يشغلنا في البدء شغف بحثها عن ممكنات لِسَدّ ثغرات الوجود وفجواته:
أرسم رجلا وحيدا مثلي، على الحائط
ثمّ أخاف أن أشعر بالوحدة مثله
فأرسم بجانبه فراشة
ثمّ أخاف أن تطير
فأرسم أربعة جدران
ثمّ أخاف علينا من الحزن
فأرسم غيمةً في الذاكرة
ثمّ أخاف من غربان الأسئلة
فأرسم مكيدةً
ثمّ أخاف أن ينجح الأمر
فأرسم شجرةً من بعيد لا تبالي بما يحدث
ثمّ أخاف أن يصدّق ما يحدث
فأرسم قمرا يقضمه النّـدم
ثمّ أخاف أن تشغله القصيدة
فلا أرسم شيئا
ثمّ أخاف أن يكتشف الشّـكّ
فأرسم بابا موصدا بعنايةٍ
ثمّ أخاف أن يعتاد على الفشل
فأرسم له حقيبة، في داخلها حقيبةٌ، في داخلها مفتاح
ثمّ أخاف أن يدرك السر
فأرسم خلف الباب هاويةً…
ثم يشغفنا بعد ذلك تكشُّفُ العلاقات الرفيعة بين ماهيات الأشياء، وعوالم الوجود، علاقات راحت تتخلق بوصفها ممكنات لسد ثغرات الوجود وفجواته، بين أن “نرسم رجلا وحيدا مثلنا على الحائط، ثمّ نخاف أن نشعر بالوحدة مثله”، وبين أن نرسم فراشة على الحائط بجانب الرجل الذي رسمناه وحيدا مثلنا على الحائط، ثم انتيابنا الخوف أن نشعر بالوحدة مثله، ثم انتيابنا الخوف أن تطير الفراشة، فرسمنا أربعة جدران.
وبعد أكثر من قراءة يشغفنا أن النص الذي شغلنا واقعه الحلمي الكابوسي بتمثلاته وارتجافاته، ثم شغلتنا فكرته بقدرتها على تنضيد عالم واسع من الممكنات لسد ثغرات الوجود وفجواته، هو في توصيفه النهائي قصيدة نثر استحقت وجودها القوي النافذ من لعبتها، وذلك يعني انكتابها وفق تكنيك ناجح ومبهر.
لقد قام النص على اختلاق لعبة خيالية رمزية، وقام تكنيك الكتابة بوضع دلالاتها الرمزية، الجزئي منها والكلي في قلب وجودنا العميق، ثم جاء الاشتغال على ربط ماهيات الأشياء بعالم الوجود؛ ليكون صلة وصل مقنعة بين وجودنا في الأفكار ووجودنا في الواقع. لقد كان ذلك تجسيدا بارعا للحالة التي نعيشها، إثر ارتجافنا الكابوسي، أقصد حين نكون على وعيٍ تام؛ أننا بين براثن كابوس، أو “رازم” لا نستطيع التخلص منه؛ بل إن علينا تحويله إلى عمل فني.
نهاية القصيدة في حد ذاتها تنم عن ذكاء غير عادي، إذ هي تتماثل مع ما يحدث حين يجثم علينا الكابوس، وليس بقربنا من يهزنا لنستيقظ بشكل حاسم، فنحن في هذه الحالة نفتح بالكاد عيوننا ليسيطر علينا الكابوس مرة أخرى.
إن نجاح نص كهذا وقوة فاعليته يأتيان أيضا من ميزتين تتحلى بهما قصيدة النثر في أعلى تجلياتها، أولها قدرة الشاعر على حقنها بسحر المعنى الثاني للأشياء، وثانيتها القدرة على مواربة هذا السحر، ليتحول إلى نبض تْهْجِسُ به ألفاظ النص وعباراته وصوره.
إن توفر هاتين الميزتين يعبر عما كان يسميه القدماء “ماء الشعر”، ويقصدون به كون النصوص تمتلك مقومات الحياة، وتمتلك مقومات الفاعلية النصية الخلاقة، كما أن توفرهما هو السبب أيضا في أننا مهما اقتربنا من تلك النصوص، قراءة ودرسا وتعرفا وفهما، نظل نشعر أن فيها سحرا أو سرا نفهمه ولا نستطيع التعبير عنه.