ثقافة

جلال الأحمدي.. التحليق فوق مستوى السرب (2-3)

ملاعبة الحياة في الشعر

في ديونه الثالث “أن أخرج الغابة من صدري” –صدر في الجزائر عام 2013، قصيدة عنوانها “أطارد الهزائم، وأقتل الأصدقاء” ص 107، 108، يُلَمّح الشاعر جلال الأحمدي إلى شيء من أسرار اشتغالاته الشعرية، يفعل ذلك بطريقة فنية، يتلاعب فيها بالقصة كعادته، لكن النص بالغ الدلالة في إلماحه؛ بل تعريضه الفاتن عن سر الصنعة:

تدهشكم قصائدي!

تعرفون ما الذي أفعله لتبدو مصقولة

كاللؤلؤ!

أستند إلى شاهد ندم

أخرج قفصي الصدري الذي سحقه آخرون

تشبهونهم تماما

ألقيه على الأرض

حريصا أن تظهر خسائري الباهظة للمارة

وأبكي

لأغري امرأة

بتقبيلي

أرشدها لحزني

فتجيء

دون أن أقول لها:

تعالي

أسلمها كلمات سبكتها من وجعي

الداكن

كلمات فاحشة الوحشة

تثير داخلها وحوشا وغربانا

تجعلها تقودني في ذاكرتها

تحلم أن أصيبها بعدواي

أنا الولد الشقي

من أضاء حظه

في طريق القصيدة

يطارد الهزائم

ويقتل الأصدقاء

إن كتابة القصيدة بوصفها لعبة وجود، يرتبط عند الأحمدي بممارستها كسلسلة من الاحتيالات الفنية البارعة، سلسلة الاحتيالات الفنية البارعة، تجعلنا نشعر أن النص ينكتب كنزوة مجانية تتعين في دلالات محددة، يمكننا استشفافها بسهولة، ومعرفة مفاصل دهشتها وجاذبيتها، مثل مطلع النص “تدهشكم قصائدي، تعرفون ما الذي أفعله لتبدو مصقولة كاللؤلؤ” ثم انتقالات التّكشيف واحدة واحدة “أستند إلى شاهد ندم”، “أخرج قفصي الصدري الذي سحقه آخرون، تشبهونهم تماما، ألقيه على الأرض، حريصا أن تظهر خسائري الباهظة للمارة”، “وأبكي لأغري امرأة بتقبيلي، أرشدها لحزني إلخ”، ثم المفصل الأخير “أنا الولد الشقي من أضاء حظه في طريق القصيدة، يطارد الهزائم ويقتل الأصدقاء”، لكننا سرعان ما نكتشف أن خلف لعبة الاحتيالات التي يتمظهر بها السطح الخارجي للغة النص، دلالات أخرى، فهي تنكتب تعبيرا عن احتياج حقيقي لكشف شيء ما، شجرة ما من أشجار الغابة الكثيفة التي يمتلئ بها صدر الشاعر أو صدورنا. إنها غابة حزن عميقة، مفرداتها خيبات الحياة وهزائمها، أوجاع الحب، الشعور بالاختلاف وهو في حالة شاعر متميز كجلال الأحمدي، شعور ضاغط في واقع لا يعترف بالفردانية، لذلك يترجم انسداداته بمحو الآخرين، باعتبار تلك الانسدادات ليست إلا سدودا تتشكل من جود آخرين، آخرين وجودهم في حياتنا جزء من إرغامات هذه الحياة. قتل الأصدقاء هو قتل إلحاح التعالق بهم.

جلال الأحمدي

مزج احتيالات اللعبة الفنية بالاحتياج لكشف شيء ما، أهم أسرار نجاح قصيدة الأحمدي، وهو ما يدأب على فعله من أجل أن تدهشنا قصائده، التي ستبدو دائما مصقولة ولامعة كاللؤلؤ. وهذا ما ستعبر عنه العديد من نصوصه بطرق مختلفة، وبما يناسب سياقاتها أيضا:

الوردة التي أخرجتها لك من بين أكمامي

ليست حيلة

الحيلة

أن أجعلك تتذكرين اسمي

كلما نظرت إليها

الحيلة

أن تستمري بالدهشة

حتى عندما لا يعود هناك وردة

أو أكمام

يجبرنا هذا المقطع على قراءته كشهقة حزينة، مضمونه شائع، لكن اختلافه هنا يأتي من انكتابه بطريقة خاصة، طريقة انكتابه حولته إلى مشهد كوني الدلالة، تجتمع فيه البساطة والكثافة، وفيه إلى جانب ذلك طعم ما يبقى في الذاكرة ولا يزول. يمكننا اعتبار الوردة اسما ثانيا للقصيدة التي تستطيع احتيالات لعبتها الفنية أن تدهشنا، بمقدار ما ترشدنا احتياجاتها الداخلية بحميميتها ورمزيتها إلى احتياجاتنا أيضا.

على نفس المنوال ستواصل قصيدة “الصدفة البارحة جرحت يدي” عبر ثلاثة مقاطع تالية اشتغالاتها، كل مقطع يؤثل دهشته، ويصقل وجوده عبر ممازجة الاحتيال الفني باحتياج ما، في المقطع الثاني ستتراكب اللعبة من عذوبة السرد، والإيهام بمفارقة كسر التوقع الناتجة عن ازدواج الغاية من غمس الإصبع في كأس الشاي، ثم التعبير عن ذرائعية غمسه في سُرَّة المرأة، ومن هذين العنصرين تتولد بؤرة الاحتياج “إغاضة الشتاء” و”عواء” آخرين في الخارج:

ببساطة

كنت أغمس إصبعي

في كوب الشاي

لا لأكتب أحبك على النافذة

فقط

أفعل هذا أيضا

لأغيض شتاءً ينتظرني في الخارج

ليس من الضروري

أن يكون كوب شاي

سأغمس إصبعي في سُرَّتِكِ حتَّى

طالما وأن هذا

يجعل مَنْ في الخارج

يستمرّ بالعواء

إن مساواة الرغبة في إغاضة الشتاء، بوصفه بردا ووحشة بعواء من في الخارج هو الاحتياج، والتعبير عنه بهذا الأسلوب طريقة رهيفة فنيا وعنيفة دلاليا، الرهافة والعنف سيتجاوران في المقطع التالي أيضا:

تعالي نكسر مزهرية

بالصدفة

نقدمها تذكارا لندم سيجيء

ثم نمرر أفكارنا السيئة

على زجاجها المكسور

تفهمين ما أقصده الآن

حين أخبرك

أن الصدفة

البارحة

جرحت يدي

احتيال لعبة النص في المقطع؛ تكمن في قدرته على خلق تضاد دلالي وهمي؛ بين التواطؤ على كسر المزهرية باعتباره صدفة، وبين صدفة جارحة حدثت البارحة؛ دون أن يكون لها علاقة بزجاج المزهرية؛ لكننا نلمح علاقتها بذكريات علاقة منتهية، وتفسير ذلك في قوله:

نقدمها تذكارا لندم سيجيء

ثم نمرر أفكارنا السيئة

على زجاجها المكسور

المفاجأة الأكثر تأشيرا على حذق اللعبة الفنية في اشتغالات جلال الأحمدي، ستقابلنا في المقطع الرابع والأخير من القصيدة:

بعد عشر سنين

ستنزعجين للغاية

حين تفتحين الكتاب

ولا تجدين الوردة

في مكانها الصحيح

أفكر أنه

كل عشر سنين

يلزمنا

خطأ فادح كـ هذا

لنحزن

لن تكون دهشتنا أقل من دهشتها، ونحن نسأل أنفسنا: أهذا هو ما يعنيه قوله في المقطع الأول:

الحيلة

أن تستمري بالدهشة

حتى عندما لا يعود هناك وردة

أو أكمام

كيفما كان الأمر؛ فإن جلال الأحمدي لن يتوقف عن ملاعبة عوالمه من خلال لعبة اللغة واحتيالاتها لتوليد الدهشة، وستخبرنا اللعبة واحتيالاتها بوجود ندوب مركزية في تجربته؛ تشبه فوهات براكين لا تهمد حتى تنشط من جديد؛ لنتأمل نفس اللعبة السابقة تتم مشاغلتها من زاوية مغايرة:

الآن.. بعد عشر سنوات

أعود لسوق الكتب القديمة

الوردة في يدي

ولا أجد الكتاب

الأمل في يدي

ولا أحد يبحث عنه

الخوف في يدي

وليس هناك من يريده

أفتح الوردة، أضع داخلها كتابا

بعد عشر سنين أحدٌ ما سيفهم

في هذا السياق نستطيع القول؛ إن جلال الأحمدي يسوغ حياته من خلال عمله. كي يستطيع تذوق الوجود فإنه يجب أن يحوله إلى قصيدة، اقرأ مئة نص من نصوصه المنشورة في دواوينه، أو على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وستجد في تنوع اشتغالاتها الواسعة مجموعة خيوط ناظمة هي ما يربطه بالوجود، وهي ما يريد تسويغه بالقصيدة.

الخيط السّيَريّ هو مركز هذه الخيوط، تتخلّق منه وتتفرع، والخيط السّيري في قصيدة جلال الأحمدي ليس مجرد حكاية يقولها النص؛ لكنها اغتناء النص بما يتجاوز الحكاية، ليتحول إلى اشتغال واسع على حياته؛ من خلال طريقته الخاصة في ممارسة الحياة، طريقة التفكير فيها، أساليب التدافع مع معضلاتها. ومحاولات التكيف معها؛ بل الأحرى محاولة تكييفها ليستطيع ابتلاع سكاكينها الكثيرة. لأجل ذلك تعيش ذاته انشطارا متواصلا، فثمة جلال آخر يعيش بموازاته، يجده في كل شيء يحيط به، في كل ما تستشعره حواسه، كل ما يسمعه ويراه، يشمه ويتذوقه، يلمسه واقعا لا لبس فيه، أو يتخالج به عرفانا في لحظات التجلي، أو حتى يتوهمه هلوسة تعبر عن تشظيات الحال وارتكاساته. وليس نصه “عبث” الذي بدأنا موالجة عوالمه من خلاله، إلا واحدا من نصوص كثيرة، تتلبس هذه الحيلة الفنية، وتتعدد ظواهرها، منها الغرائبي الشبيه بالعوالم الكافكاوية كقصيدة “يد سوداء”:

آثار يد سوداء على سقف الغرفة، لا أعرف كيف وصلت إلى هناك

لا بد أن أحدا ما قبلي فكر بإزالتها، لكنه لم يجد الكلمة المناسبة، فغادر

دون أن يحدث جلبة.

لم تكن سوداء في بداية الأمر، أنا من استمر بالتحديق

إليها.. حتى صارت كذلك.

عشرة أعوام وأنا أعتقد بأنني أتحدث مع الخادم بلغة لا يفهمها، فكلما

أجبرته على مسحها صار احتمال عودتها أكثر سوادا

هو يرى أنني أحتاج المزيد من هذه الأمور الداكنة على بقية الجدران

لأفهم الأمر

ويصر أن المشكلة الحقيقية هي في القدر الكبير من البياض

هذا الذي يملأ المكان حولي

عشرة أعوام وأنا أنام في أماكن مختلفة، أحدق في الأسقف

محاولا أن أفهم ما لم يقله لي

اليوم بعد أن غادرني الخادم للمرة الأخيرة، وجدت واحدة

أخرى كبيرة تنتظرني خلف الباب.

ومنها ما يقوم على مغامرة سردية تشعبية، أساسها تفعيل المخيلة إلى أقصى درجة لتلبية رغبة غير مصرح بها، أما حقيقتها فهي ضغط وجود فانتازي طويل في نص شعري، يشبه الأمر أن تفتح جهازك وتدخل إلى الشبكة العنكبوتية لتبحث عن موضوع ما، فيقودك البحث إلى روابط تحكمها تراتبية مقيتة، هنا لا بد أن يكون النص نتاج عزلة حقيقية، تفريغ لسخط غامض، وتمثيل لفظي ومشهدي لهيجانات لا يمكن التعبير عنها إلا بالطريقة التي نقرؤها في قصيدة “باب أسود مضيء”:

دخلتُ إلى نفسي دون أن أطرق

كنتُ بلا باب من الدّاخل

وكان جميعي نائما

البيتُ والعشرة إخوتي المبّشرين بالذّئاب

كنتُ بلا جدران

أو سقف

أعطش مع الأشجار

وأرعى مع أقرب نجمة

أسفل منّي هواء أسود

وتفوح من فمي رائحة زهور المقابر

انتظرتُ أن تدهسني قدم

أو يقطفني أحد

انتظرتُ دون وقت

انتظرتُ لثلاثين منّي

وكنتُ أعلم أنّه لن يحدث ولا يجيء

ثمّ في الأربعين تحوّل الشّكّ إلى حديقة

ثمّ صارت الحديقة قطعانا من أبواب سوداء كلّها مفتوحة عليّ

في الخمسين نزعتُ جذوري بيدي، ومشيتُ

وكان جميعي قد استيقظ

بيتي مهجور

وعشرتي يطاردهم الذّئب والذّنب والصّياد

وأنا مغمض أنتظر الباب الذي سيأكلني

في السّتين أوقفني باب أسود مضيء

وسألني عن الكلمة التي أدخلتني إلى نفسه

عن الوحشة التي سقيت بها عظام ركبته

والعمى الخفيف الذي زار رقّته البارحة

أوقفني إلى السّبعين

في السّبعين تذكّرتُ اسمي

فانطفأ

قال خذني معك

فحملته على كتفي إلى الثّمانين

في الثّمانين لم يكن هناك بيت

ولا عشرة

وعندما سألته عن اسمه

استيقظ

وعندما استيقظ دخل إلى نفسه دون أن يطرق

ونسيني في الخارج.

ومنها المركب المتذمر العنيف الساخط على كل ما تتمرأى فيه ذاته، ويتلامح فيه التشارك معه في وجود يبدو ليس وجودا بمقدار ما هو ورطة سخيفة، كما يعبر عن ذلك نص آخر عنوانه “هذا العدم جلبته بيدي”:

مساء الخير أيّتها الأرواح الشرّيرة

مساء الخير أيّتها الأشباح البشعة

مساء الخير أيّتها الأشياء التي لا يلتفتُ إليها أحدٌ

ما الذي تفعلونُه خارج ذاكرتي؟!

تعالوا معي

لديّ شتاءٌ كثيرٌ في خزانتي

لديّ منزلٌ موحشٌ ستشعرون فيه بالملل

لديّ الكثير منه

وشاي باردٌ ستحبّونه

قملٌ ،عناكب ، وجرذان جربة

لا أعرف إن كانَ لديّ عقاربُ

أُراهن أنّكم ستندهشون ممّا أملكُ

لديّ وجوهٌ عديدة نتنة سنأكلها معا على العشاء

ونبيذٌ لاذعٌ مِن حماقاتٍ جمعتُها في حياةٍ سابقةٍ خسرتُها

لديّ أيدٍ وعيونٌ

أرجلٌ أكثر من حاجتي على المشي

أو الألم

تركها آخرون تذبل في دمي وذهبوا للحرب

ذهبوا للحبّ

ذهبوا إلى الأمس

ذهبوا ليحضروا الحطبَ

ولم يغلقوا الغابةَ خلفهم.

لا تخافوا

أنا مَيتٌ مثلكم تماما

لكنّني أحملُ هذا المفتاح لأثير انتباه الأبواب

انظروا جيدا إليّ هذا ليس قلبا

إنّه علبة سردينٍ صدئةٍ

نصبتُهُ كميناً لقططِ الذّكرياتِ

هذه ليست أصابع

إنّها كلماتي التي أحرّك بها الأشياء

ليس هذا فمي

إنّه ما تركتهُ لي امرأةٌ لأفهمَ معنى النّدم.

قلتُ لكم لديّ هواءٌ نافقٌ

يحسدني عليه الشّعراء

لديّ أكياس هدايا، ورسائلُ لم أقرأها على أحدٍ

أعدكم ستجدون فيها أخطاء فادحة

وحزنا فارها

خذوا هذا الحظّ تركه لي جدّي

لا أعرف كيف أستخدمهُ دون أن يجرح رئتي

امسحوا به الوحلَ عن أحذيتِكم

ثمّ ألقوه من النّافذة

سيجدُه من يحتاجه

هل ترونَ كلّ هذا العدم

أنا جلبتُهُ بيدي

سأقدّمه لكم طازجا

مثل القدَر

أرجوكم لا تذهبوا

اسمعوا هذه النّكتة

بعد قليلٍ سيجيء السّرطان

والطّاعون

والسُّلُّ

ستلعبونَ داخلي لعبة الاختباء.

لديّ الوحشة التي يبحث عنها الجميع

جمعتُها بحرصٍ شديدٍ في ألبوماتٍ

فقط لا تغادروا

ليس الآن

انتظروا

سيعودُ أحدهُم ويغلق الغابة

أو يفتحها

من يدري!

تحققات الخيط السّيري في تجربة جلال الأحمدي؛ تتعدد إلى درجة يصعب حصرها، إذ هو لا يكاد يترك شيئا مما يمكن أن يكون صالحا لاشتغاله على حياته، الماضي الذي تمتلئ دفائنه بأوجاع لا حصر لها، وجع المجيء الخاطئ إلى العالم، وجع العيش في الجغرافيا الخطأ، الأصدقاء الخطأ، ترائي الذات نفسها في الخطأ، وقبل ذلك الوقوع في الحب بشكل خاطئ أيضا، ذلك كله يشتبك في لحظات الكتابة بحتمية الحزن، بالتذمر، بالرفض الفانتازي للماضي والحاضر وحتى رفض المستقبل الذي يطاله خيال الشاعر بحيويته وذكائه، واشتغاله كقوة فاعلة بغية الوصول إلى توازن ما، لذك فإنه يستحيل التفكير في الاشتغال السيري عنده، دون التأشير على مركزية الحب فيه، ثم ما يتوالد عنه من اشتباك بالذات والآخر وسائر ما يتعين في الواقع من أشياء، أو يتعين في الفكر من مجردات، الحب أيضا لعبة أخرى، نلعبها في الحياة، ونلعبها في القصيدة، لكنها لعبة بزوايا حادة، كلما اتكأنا على إحداها سالت الدماء.

ثمة نصوص كثيرة تتحول لعبتها الفنية إلى مسرح واسع لتمثيل لعبة الحب، شغفها وعنادها، غباؤها ومكرها، قطيعتها الحادة وتأبّيها على النسيان. نقرأ بعض تجليات تلك اللعبة في نص بعنوان “لنكن مهرجين”:

أنا أطفئ الضوء

وأنت تغلقين النافذة

أنا أفرغ المزهريات

وأنت تعيدين ترتيب أصابعك داخلها

أنا أستلقي كمدفأة

وأنت تقلدين رائحة الدخان

لنكن مهرجين إذن

دعينا نستنفد كل حيلنا

للإبقاء على هذا الغول الصغير

المدعو حُبًا.

ونقرأ شيئا من تجلياتها في مقطع من نص آخر عنوانه “في غرفتي الوحيدة”:

في غرفتي الوحيدة

فوق الكنبة الوحيدة

أتمدد وحيدا

يمرّ الحب على نافذتي مسرعا

ألوّح له بإصبعي الوحيد

وأبصق

وثمة مقطع من نص طويل عنوانه “الغابة التي حدثت في غيابك” يمكن أن تغشّينا قراءته بسحابة من الحزن ليالي طويلة:

لم أعد حزينا

لديّ قميصٌ جديدٌ

يُطعم الأزهار في غيابي

يفتح لي الباب

يمسح عرقي بأكمامه

ويحتضنني

حين أبدو بائسا

يتسلّل بلطفٍ

يحكّ أزراره على ظهري

ويهمس في أذني أغنيةً

وعندما تُصيبني الحمّى

يرتمي مثل جروٍ خائفٍ

جانبي على السرير

وبعد أن أنام..

يتمدّد خارجا

فوق حبل الغسيل

يختار أسماء للنجوم

ويذرف مثلي

الدموع

بانتظاركِ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock