تحت عنوان “هدم أسوار أريحا” وبتاريخ التاسع والعشرين من شهر أكتوبر من عام ١٩٩٩، نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية مقالا لزئيف هيرتزوج، أستاذ الآثار في جامعة تل أبيب؛ فنّد فيه كثيرا من المزاعم الصهيونية حول الأرض المحتلة وخاصة مدينة القدس.
قال هيرتزوج في مقاله أن علماء الآثار من مختلف الجنسيات، وبعد سبعين عاما من الحفريات المكثفة في الأرض المقدسة؛ لم يصلوا إلى أي دليل أثري يؤكد مزاعم التوراة التاريخية.
وأضاف “هذا ما توصل إليه علماء الآثار عن طريق الحفريات في أرض إسرائيل: لم يقم بني إسرائيل بمصر قط، ولم يتوهوا في الصحراء، لم يحتلوا الأرض عبر حملة عسكرية، ولم يقسموها بين 12 سبطاً لبني إسرائيل. وربما يكون الأصعب من هذا هو أن الحكم الملكي الموحد لمملكة داوود وسليمان، والذي وصفه الكتاب المقدس بذي نفوذ بالمنطقة، كان على الأغلب مملكة عشائرية صغيرة“.
لم يكن مقال هيرزوج ورغم كونه صادرا عن مصدر صهيوني؛ بالمفاجئ للمتخصصين في مجال الآثار أو لمن يتابعون الحفريات المتواصلة في أرض فلسطين المحتلة، والتي يهدف الاحتلال من خلفها إلى الوصول الى أي دليل أثري يدعم مزاعمه التوراتية.
إذ ذهب مواطنه وزميله عالم الآثار إسرائيل فنكلشتاين إلى نتيجة مشابهة في كتابه “التوراة اليهودية” حيث نفى فكرة أن تكون مملكة داوود إمبراطورية، واعتبر أن حروب تلك المملكة لم تكن تهدف الى تأسيس إمبراطورية، وإنما كانت “وسائل خفية تستخدمها الزعامة، يقدم فيها شيخ قبيلة أو زعيم جماعة نوعا من الأمن للمجتمعات السهلية“.
وقبلهما بسنوات وتحديدا في عشرينات القرن الماضي، قال الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز في كتابه “موجز تاريخ العالم” أن الملك سليمان في الحقيقة كان مختلفا عن الصورة التي ترسمها له التوراة؛ حيث لم يكن إمبراطورا واسع النفوذ بل “لم يكن وهو في أوج مجده إلا ملكا صغيرا تابعا يحكم مدينة صغيرة“.
ويمتد الشك عند ويلز أيضا الى معبد أو “هيكل” سليمان المزعوم، والذي يدَّعي الصهاينة أن المسجد الأقصى مقام على أنقاضه “فلو أنَّا استخرجنا من القصة أطوال معبد سليمان لوجدنا أنه في الإمكان وضعه داخل كنيسة صغيرة من كنائس الضواحي” أي أنه لم يكن بالضخامة التي تصوره بها التوراة.
وبشكل عام كانت قصة مملكة العبرانيين وفقا لويلز قصة “ملوك من الهمج يحكمون شعبا من الهمج” في مملكتين صغيرتين واقعتين بين شقي الرحى، أي بين كل من سورية وبابل من الشمال ومصر من الجنوب، تلك الممالك التي كان تاريخها أعظم بكثير من مملكتي العبرانيين.
ويُفنِّد أستاذ علم الأديان الأمريكي توماس طومسون في كتابه “الماضي الخرافي” الزعم الصهيوني أن القدس كانت عاصمة مملكة سليمان حيث “لا يتوافر دليل على وجود ملكية متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم أو على وجود أية قوة سياسية موحدة متماسكة هيمنت على فلسطين العربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصفه الحكايات الأسطورية“.
ويضيف أنه “لا يتوافر أي دليل على وجود ملوك في أورشليم في هذه الفترة المبكرة“.
إذ لا يمكن –كما يؤكد طومسون– للفرد أن يتكلم من الناحية التاريخية عن دولة بلا سكان أو أن يتكلم عن عاصمة دون بلد.
إن الحفريات المتواصلة في أرض فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص والتي أراد الصهاينة أن تؤكد رواياتهم؛ باتت تفنّدها. وبالرجوع إلى مقال هيرتزوج المشار إليه في البداية فـ “هذه الحقائق معروفة منذ سنوات، لكن إسرائيل شعب عنيد ولا يوجد من يريد الاستماع لها“.