كان تخلّي عدد غير قليل من أمراء دولة المماليك الجراكسة، عن آخر سلاطينهم على كل من مصر والشام “طومان باي“ خير عون لسلطان دولة بني عثمان سليم الأول؛ لكي يحكم قبضته على تلك البلاد عام ١٥١٧.
وبطبيعة الحال.. تطلع المتعاونون مع السلطان العثماني، والذين يسروا له دخول مصر بعد معركتي “مرج دابق” و”الريدانية” إلى أن يكافئهم سليم الأول؛ معتمدا عليهم في حكم البلاد.. وهو ما كان بالفعل.
حيث عَهِدَ سليم الأول بولاية مصر إلى خاير بك، الذي أسماه المصريون تهكما “خاين بك” بسبب دوره المتواطئ مع العثمانيين في معركة “مرج دابق” وذلك قبل أن يغادر السلطان العثماني مصر، ويعود إلى بلاده صيف عام ١٥١٧.
وفي الشام اعتمد سليم الأول على متعاون آخر معه، هو الأمير جان بردي الغزالي الذي أعان السلطان العثماني في صراعه مع طومان باي.
إلا أن أيا من هذين الرجلين، لم يهنأ طويلا بمنصبه الجديد، حيث بدا من الأحداث المتلاحقة أن لعنة طومان باي لاحقتهما بعد إعدامه.
إذ لم تستقر ولاية مصر لخاير بك، الذي واجه تمردا مسلحا في منطقة الشرقية، بقيادة شيخ يدعى عبد الدايم الذي أعلن نفسه حاكما على تلك المناطق، وقتل الكثير من جنود خاير بك، واستولى على ما لديهم من سلاح وخيل.
وحتى وفاة خاير بك في عام ١٥٢٢، لم يستطع أن يوقف تمرد الشيخ عبد الدايم أو أن يعيد فرض سيطرته على تلك المناطق؛ حتى بعد أن قدم تنازلا لزعيم المتمردين، تمثّل في تعيين والده حاكما على المنطقة، إلا أن هذا التنازل لم يوقف حركة التمرد.
أما جان بردي فسرعان ما انقلب على دولة بني عثمان، وقاد تمردا ضدها عام ١٥٢١، وحاصر مدينة حلب محاولا السيطرة عليها؛ فأرسل إليه السلطان العثماني سليمان القانوني، قواتٍ جعل على رأسها وزيره الثالث فرهاد باشا.
أخمد التمرد مع هزيمة قوات جان بردي الغزالي في المعارك التي وقعت في منطقة “مصطبة” بالقرب من الشام، في 27يناير 1521، وشهدت مقتل جان بردي وحُمل رأسه بعد ذلك إلى السلطان في اسطنبول.
ولم يختلف مصير الشيخ حسن بن مرعي، شيخ عربان البحيرة الذي سلم طومان باي، بعد أن لجأ إليه إلى السلطان سليم الأول كثيرا عن مصير بقية المتعاونين مع العثمانيين.
إذ عمد أمير مملوكي هو أينال السيفي والذي ظل على ولائه لطومان باي بعد إعدامه على يد العثمانيين إلى قتل حسن بن مرعي؛ انتقاما لسيده المغدور.
وقاد كل من أينال السيفي وحليفه جانم السيفي تمردا ضد الدولة العثمانية، سعوا من خلاله لإعادة إحياء دولة المماليك، وقُتل خلال هذا التمرد أحد أبرز المتعاونين مع بني عثمان، وهو المحتسب الزيني بركات الذي عده أينال السيفي خائنا للمماليك.
واستمرت حركة التمرد التي اندلعت عام ١٥٢٢، بقيادة كل من أينال وجانم؛ حتى تمكن الوالي العثماني مصطفى باشا من قمعها في معركة عنيفة للغاية قُتل خلالها جانم السيفي، وفر على إثرها أينال السيفي إلى غزة.
كان من الطبيعي أن يرى شعب مصر، الذي بكى على طومان باي عند إعدامه، في هذه الأحداث المتلاحقة انتقاما آتى ولو بعد حين، من أشخاص باعوا –بثمن بخس– سلطان مصر الذي أخلص لها حتى لحظة شنقه على باب زويلة.