منذ ضم الدولة العثمانية لمصر عام ١٥١٧، على يد السلطان سليم الأول؛ لم تنقطع محاولات الانفصال عن تلك الدولة والاستقلال بمصر.
ومن أبرز تلك المحاولات ما قام به أحمد باشا والي مصر والمُعين من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني على المحروسة في عام ١٥٢٤، أي بعد سبع سنوات فقط من ضمها لدولة بني عثمان.
ويشير كل من الدكتور أحمد حسين عبد والدكتور رائد الدوري، في دراسة لهما عن “أعمال العصيان والتمرد التي واجهتها الدولة العثمانية في مصر” إلى أن تاريخ أحمد باشا كان يوهله لتولي هذا المنصب؛ حيث شارك في حروب الدولة العثمانية في أوروبا وصار الوزير الثاني في تلك الدولة.
وبحلول شهر أغسطس من عام ١٥٢٣، وصل أحمد باشا إلى مصر، وبدا واضحا حرصه على إزاحة أي منافسين له؛ حيث بدأ عهده بإعدام قائد قوات “الانكشارية” كي لا ينافسه على ولاية مصر، كما بدأ بتوطيد علاقته بأمراء المماليك.
ولعل وجود هؤلاء المماليك، الناقمين على الدولة العثمانية، إضافة إلى بُعد مصر عن عاصمة الدولة في اسطنبول؛ هو ما شجع أحمد باشا على إعلان عصيانه للسلطان وانفصاله بمصر.
وبالفعل، اتخذ الباشا عددا من الإجراءات الانفصالية، من بينها تأسيس جيش خاص به، كان أغلبه من المماليك، وقطع الخطبة للسلطان العثماني، وجعل الخطبة باسمه.. وسك عملة جديدة، وأبدل بعلم الدولة العثمانية، علما خاصا بدولته المستقلة، يتوسّطه سيفان عربيان.
وفي شهر فبراير من عام ١٥٢٤، أعلن أحمد باشا نفسه سلطانا على مصر، ولقّب ذاته باسم الملك المنصور أحمد خان.
في مواجهة هذه المحاولة الاستقلالية، لجأت الدولة العثمانية إلى سلاح المذهبية؛ حيث أشاعت أن أحمد باشا على اتصال بالدولة الصفوية في فارس، وأنه قد تحوّل عن المذهب السني إلى مذهب تلك الدولة.
نجحت هذه الدعاية في تشتيت القوى المتحالفة مع أحمد باشا، خاصة بعد أن انقلب عليه القاضي محمد زاده، وحمل راية ونادى في طرقات القاهرة “من أطاع الله ورسوله والسلطان؛ فليقف تحت هذه الراية” فانضم إليه الكثيرون.
هجم المنضمون للقاضي زاده، على أحمد باشا محاولين اغتياله، إلا أنه أفلت منهم ولجأ الى الشرقية، وأسس قوة جديدة من الجنود والعُربان٫ واستطاعت هذه القوة أن تصد هجوما أرسله القاضي محمد زاده لاعتقال أحمد باشا.
جرد القاضي حملة جديدة من ألف مقاتل، ونجحت هذه القوة في القضاء على قوات أحمد باشا؛ خاصة بعد أن تخلّى عنه حلفاؤه من العُربان، فسهل بذلك على القوات العثمانية اعتقال أحمد باشا في السادس من مارس من عام ١٥٢٤.
وكما حدث مع آخرين من قبل؛ أعدم أحمد باشا على باب زويلة في القاهرة، وحُزَّ رأسه وأرسل إلى اسطنبول.
حفر أحمد باشا اسمه في الذاكرة العثمانية بسبب محاولته هذه بمسمى “أحمد باشا الخائن” وكان أول من أطلق عليه هذا اللقب في تاريخ دولة بني عثمان.
أما في مصر؛ فقد ألهمت تجربته رغم إخفاقها حكاما آخرين للمحروسة، لتكرار السعي في سبيل الانفصال عن الدولة العثمانية، مثل علي باشا الكبير في القرن الثامن عشر الميلادي، ومحمد علي باشا في القرن التاسع عشر.