فن

مصر تغني أنشودة التلبية (2-2)

لقد كانت التلبية جاذبة لعددٍ من الفنانين الذين لم ينزعوا عنها بتلحينهم لها المذاق الروحاني الذي تختص به، وقد اختار الفنان “محمد فوزي” [1918-1966م] قصيدة “إلهنا ما أعدلك” من العصر العباسي للشاعر “الحسن بن هانئ” المعروف بأبي نواس [146-198هـ/763-813م] كي يقوم بتلحينها وغنائها فكانت واحدة من أجمل أناشيد التلبية المغناة.

إِلَهَنا ما أَعدَلَك، مَليكَ كُلِّ مَن مَلَك، لَبَّيكَ قَد لَبَّيتُ لَك، لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك، وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك، وَاللَيلَ لَمّا أَن حَلك، وَالسابِحاتِ في الفَلَك، ما خابَ عَبدٌ سَأَلَك، أَنتَ لَهُ حَيثُ سَلَك، لَولاكَ يا رَبُّ هَلَك، لَبَّيكَ إِنَّ العزَّ لك، والحَمدَ والنعمة لَك، وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك، لَبَّيكَ إِنَّ الحَمدَ لَك، وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك، يا غافلًا ما أغفلك، عجِّل وَبادِر أَجَلَك وَاِختُم بِخَيرٍ عَمَلَك، لَبَّيكَ إِنَّ العزَّ لك، والحَمدَ والنعمة لَك، وَالمُلكَ لا شَريكَ لَك.

https://www.youtube.com/watch?v=sMMqSjNcOMA

أما الموسيقار “محمد عبد الوهاب” [1898-1991م] فقد قدَّم أغنية للحج بعنوان “لبيك اللهم لبيك” من كلمات الشاعر “أحمد شفيق كامل” [1929-2008م]، وكانت تلك التلبيات من أواخر ما غنى عبد الوهاب وتقول كلماتها:

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك، لا لا لا شريك لك، أنا في رحابك أنا في الرحاب ، أنا في رحابك يا رب يا تواب، حبيبي يا رب، لبيتك وجيتك، وعند الباب ملاني الخوف، دعيتك وفكرت أرجع وأهرب من ذنوبي، قدرت أعمل ده كله! أعمل ده كله واخش بيتك! لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة والملك لك، لا لا لا شريك لك.

و أنشودة “لبيك يا الله” هي أنشودة أخرى من أروع أناشيد التلبية التي شدت بها الفنانة “ياسمين الخيام” عام 1981م، وهي من كلمات الشاعر الغنائي “عبد الوهاب محمد” [1930-1996م]، وألحان الموسيقار الدكتور “جمال سلامة” [1945-2021م].
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

لبيك يا غفار يا رحمن يارحيم، لبيك يا قهار ياستار يا حليم، دمع الندم فاض بى يا الله، أوصلنى ياربى يا الله، دمع الندم فاض بى يا الله، أوصلنى ياربى يا الله، اوصلنى ياربى يا الله بحبلك الموصول، لبيك لبيك لبيك يا الله.

أشهد بأنك إلهى ولا إله سواك، وأقم صلاتك على سنة نبيك وهداه، وازكى عني وعن مالى اللى من عطاياك، وأصوم لك الشهر وافطر قد مابقدر، لكن منايا تنولنى المُنى الأكبر، بحج بيتك بحج بيتك بحج بيتك، واتجهز هناك للقاك يا يا يا رب. لبيك يا الله، لبيك يا الله، لبيك يا الله.

لبيك يا تواب يا فتاح ياعليم، لبيك يا وهاب يارزاق يا كريم، على قد ما فى قلبى يا الله ادينى ياربى يا الله، على قد ما فى قلبى يا الله ادينى ياربى يا الله، ادينى ياربى يا الله وانا بحمدك. لبيك يا الله، لبيك يا الله، لبيك يا الله.

باستسمحك فى الرضا والعفو يامجيرى، دا أنا قد ما بعبدك باشعر بتقصيرى، ومهما مهما أشكرك، أنا مهما مهما أشكرك بيخنى تعبيرى، لكن بيرضينى إنك مطلع وبصير وخبير بنفسى وخبير بنفسى ونية روحي وضميرى يا رب. لبيك يا الله، لبيك يا الله، لبيك يا الله، لبيك يا الله.

ومن أحدث أناشيد التلبية المغناة الأنشودة التي غنتها الفنانة اللبنانية “أمل حجازي” عام 2018م، وهي من كلمات “محمد فتحي”، وألحان “عماد تاج”، وتوزيع الملحن والموزع اللبناني “حسام الصعبي”.

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك وَالمُلك، لا شريك لك.
ترق بأذان الحج القلوب، فلله نذهب نلبي النداء، فبالحج تُمحَى جميع الذنوب، تجيب بفضلك علينا الدعاء. نصلي نكبر بثوب الحَرم، تؤم الملايكة معنا الصفوف، فروضك إلينا برحمة وكرم نسبح بحمدك في بيتك نطوف.
لَبِيك اللّٰهُمَّ لَبِيك، لَبِيك لا شَرْيك لَكَ لَبِيك، إن الحَمْد وَالنِعْمَة لَكَ وَالمُلك، لا شَرْيك لَك.
على حوض زمزم نويت الوضوء، وبين الصفا والمروة سعيت، فملأت روحي سكينة وهدوء، بقرب الرسول من قلبي بكيت. نُصْلِي نُكْبِر بِثَوْب الحَرَم، تؤم الملايكة معنا الصُفُوف، فُرُوضك إلينا بِرَحْمَة وَكَرم، نُسَبِّح بِحَمْدكَ فِي بَيْتكَ نَطُوف.
لَبِيك اللّٰهُمَّ لَبِيك، لَبِيك لا شَرْيك لَكَ لَبِيك، إن الحَمْد وَالنِعْمَة لَكَ وَالمُلك، لا شَرْيك لَك.

https://www.youtube.com/watch?v=V8uIwPwfqrM

فتلك كانت أنشودة التلبية المغناة في مصر والتي قد تضفي عليها الموسيقى والألحان قدْرًا ما من الخشوع والروحانية تتلمسه بعض الأنفس، بينما قد تفتقد أنفس أخرى بعضًا من الطمأنينة والسكينة بسبب صخب الآلات الموسيقية حتى لو كانت تعزف ألحانًا جميلة. وإذا كان هناك اختلاف حول شرعية الموسيقى والغناء من الناحية الفقهية، فإنه لا يوجد خلاف فقهي حول قيمة وأهمية كلمات التلبية التي هي ليست مجرد كلمات لإجابة النداء بالحج، بل هي إسراع للتخلص من درن الذنوب وللخلاص من جميع العلائق الدنيوية التي تحول بين العبد وربه. فذلك الذكر الذي يشمل التوحيد الخالص لله عز وجل هو إعلان بوحدانية الخالق؛ ومن ثم الامتثال لأوامره والخضوع له وحده.

وإذا كان الحجيج يتحملون مشقة السفر وارتفاع تكلفته مرة واحدة على الأقل طوال حياتهم من أجل ذلك الوعد الإلهي بمحو الذنوب وبداية صفحة جديدة من الأعمال الصالحة، وإذا كان ارتداء الأثواب البسيطة البيضاء اللون يؤهل المسلم نفسيًّا لتلك البداية الجديدة، فإن الكلمات التي يرددها الحاج بلسانه أثناء الحج هي التي يجب أن تملأ قلبه ووجدانه طوال الوقت، فلا يكون في قلبه سوى الله فيخشاه في السر وفي العلن، ويتقيه قولًا وفعلًا، ويحافظ على ذلك صدقًا وإخلاصًا ما بقي من حياته.
ولأن الحج له مناسك لا يؤديها المسلم منفردًا، بل يجتمع فيها مع غيره من المسلمين من شتى بقاع العالم، فإن تلك الوحدة الإنسانية من خلال ذلك التجمع الديني تدعو كل مسلم بعد تلبية النداء بالحج إلى التمسك بها بعد انتهاء مناسك الحج وعدم التفريط في التوجه الخالص والمخلص لرب العالمين سعيًا جماعيًّا في الحق وطوافًا حول راية العدل بعد الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة. لذلك فإن احتفاظ قلوب الحجيج بكلمات تلك التلبية بعد انتهاء ألسنتهم من ترديدها طوال أيام الحج المعدودة هو الذي سيحيي في نفوسهم الرغبة في الاتحاد وعدم التفرق والتشرذم، وهو الذي سيدفعهم إلى التمسك بالعدل والحق والحرية والسلام بقدر تمسكهم بالإسلام.

فكل مسلم يقف على جبل عرفات يناجي ربه يجب عليه أن يتمسك بتلك الحالة الروحانية التي تحققت معها حريته كاملة، فبعد أن أسلم وجهه طواعية لله رب العالمين وحده لا شريك له مؤمنًا أنه سيرجع إليه مع كل أولئك الذين أسلموا له في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا، وبعد أن تحقق ذلك الاطمئنان القلبي عن المصير والمآل هل يتبقى للمؤمن شيء آخر سوى الإخلاص في العمل الصالح الذي به يتحقق السلام والعدل في كل بقعة من بقاع الأرض؟! فلا تكون هناك أية أرض مُغتصَبة، أو مواطنون مُهجرون بالقوة من أوطانهم، أو مساجد مُدنَّسة ويُمنَع فيها إقامة الصلاة، أو بشر يُغتالون في وضح النهار لأنهم يدافعون عن بيوتهم وأرضهم أو لأنهم ينقلون للعالم صورة صادقة للحقيقة!

نيفين عبد الجواد

كاتبة وباحثة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock