يموت الإنسان كما يولد. وأول شيء يفقده، كما قال لي صديق خلال رحلة عزاء في الأردن، هو اسمه. إذ يصبح يُعرف عقب الوفاة بالنسبة إلى من يتولى أمور جسده لتهيئته للانتقال إلى الحياة الأخرى بـ”الميت“، أو”المتوفى“، أو ”الجنازة“، أو ”المرحوم“، أو”المرحومة“.
جسد الميت كالجماد
وعندما تتوقف أنفاس الإنسان تنبتُّ صلته بالحياة والأحياء. ويضحي جسده، الذي فَقَد الروح فَفقد معها الحراك، مساويا لما حوله من جماد.
بيد أن الفرق الوحيد بينه وبين أي جماد هو أن له ذكريات مازالت حية في رؤوس من حوله حينما كان واحدا منهم من قبل، بشرا يعج بالعواطف المختلفة، من حب وكره واشتياق واستياء وبهجة وغم. ويكن لمن حوله بعض الحب حينا أو شيئا من البغض حينا، ويبادله هؤلاء بمثل تلك المشاعر.
والموت تذوقه النفس لدى أي منا، في أي سن وفي أي وقت، إذ لا عمر محددا له. وهو الحقيقة المتحدية الكبرى التي لا يستطيع أي ملحد، أو متمسح بالإلحاد، نكرانها، حتى وإن أنكر وجود الإله.
الموتى لا يشعرون بالموت
والموت يأتي بغتة فلا يشعر به الميت، ولهذا وصفت حالته عند وقعه بـ”سكرة الموت“. وهذا من رحمة الله جل وعلا، التي تتجلى في فقدنا الشعور عند وقوع أي حادث، ودخولنا حالة من الشعور بـ”السُكر“ عند حضور الموت.
لكن الموت مصيبة كبرى لأسرة المتوفى وأقربائه لما تعرضوا له من فقد عزيز منهم ولما يعانونه من فراقه.
وليس هناك أبدا من دليل على ما توارثه الناس في شرائع مختلفة من ”عودة الروح“ إلى الميت بعد دفنه لسؤاله. ولست أدري السبب الجوهري وراء العجلة في سؤاله.
إذ لا يحدث ذلك ألبتة إلا عند البعث يوم القيامة ثم حسابهم على ما فعلوا. فالموتي في القبور – بحسب آيات القرآن الكريم – لا يسمعون ولا يرون ولا يشعرون.
وتُعقد جلسات العزاء فيُذكر المُتوفَّى بعض الوقت، ثم ينصرف المعزون، كل مجموعة منهم، إلى أحاديث أخرى متفرقة تتعلق بالميت أحيانا وقد لا تمت له بأي صلة أحايين أخرى.
تعبيرات العزاء
وما يقوله المعزون عند تقديم واجب العزاء يختلف من بلد إلى آخر.
ففي بعض البلدان يستخدم الناس تعبيرات دقيقة ذات مغزى، تشير في معظمها إلى ما تعرض له آل المتوفي من مصيبة وفقد يستحقون معه الدعاء بالأجر عنه. وأذكر من ذلك:
”عظم الله أجركم“، و”أحسن الله عزاءكم“، و”البقاء لله تعالى“، ويرد آل المتوفى على ذلك بـ”شكر الله سعيكم“.
وفي بلدان أخرى تستخدم تعبيرات عاطفية غير دقيقة، تدل بطريقة غير مباشرة على أن المتوفى مات ”قبل الأوان“ وكأن للموت أوان، أو انتقص من عمره فمات، فيدعون لآله بتعويضهم عما انتقص من حياته بمد أعمارهم هم. ومن ذلك:
”البقية في حياتك“، و”طول العمر لكم“، و”خاتمة الأحزان“، وترد أسرة المتوفى بـ”حياتكم الباقية“، و”أطال الله عمرك“، و”سعيكم مشكور“.