ثقافة

الإضافة اللفظية.. هل يكون المضاف معرفا؟

هناك خلط في أذهان كثير من الصحفيين بشأن المضاف في العربية، إذ يتوهم كثير منهم أن المضاف دائما ”نكرة“، وما بعده معرفة.

وهذا غير صحيح. فنحن في جملة مثل:

  • ”كتاب التاريخ“ أضفنا اسما نكرة، هو كتابٌ، إلى اسمٍ معرفة، هو التاريخ. ونستطيع أيضا أن نضيف أيَّ اسم نكرة مثل كتابٌ، إلى اسم نكرة آخر فنقول:
  • ”كتابُ تاريخٍ“

لكن ما الفرق بينهما؟

الفرق هو أن إضافة النكرة إلى نكرة (كتاب تاريخ) لا يعرف المضاف، ولكن يجعله مخصصا، أو محددا. فكتابٌ كلمة عامة تنطبق على أي كتاب. أما كتابُ تاريخ، فهي عبارة أكثر تخصيصا وتحديدا، فنحن هنا لا نتكلم إلا عن كتب تاريخ، وليس عن كتب فلسفة، مثلا.

أما إضافة اسم نكرة إلى معرفة، (كتاب التاريخ) فتعرف الاسم النكرة.

أي أننا نتكلم عن كتاب التاريخ الذي نعرفه أنا وأنت.

هذا ما نعرفه جميعا. وهذا أيضا ما يجعلنا نظن أن المضاف ”لا يمكن أن يكون هو نفسه معرفة، أي مسبوقا بألف ولام التعريف. وهذا خطأ. إذ إن المضاف يمكن أن يكون معرفا بأل في بعض الحالات. وحتى نعرف تلك الحالات تعالوا أولا ندرس المثالين التاليين:

* ”كتاب الفلسفة“ = كتاب (مضاف) + الفلسفة (مضاف إليه)

* ”متعدد الطوابق“ = متعدد (مضاف) + الطوابق (مضاف إليه)

المثالان يتفقان في أنهما:

تركيب مكون من (مضاف) نكرة + (مضاف إليه) معرفة، ولا خلاف على ذلك. وحتى نسهل المهمة على أنفسنا تعالوا نضعْ التركيبين في جملتين لهما معنى.

  • قرأت ”كتابَ الفلسفة“ الذي اشتريته
  • دمرت الغارة منزلا ”متعددَ الطوابق“

في الجملة الأولى: قرأت ”كتابَ الفلسفة“ الذي اشتريته

ما العلاقة – يا ترى – بين المضاف ”كتاب“ والمضاف إليه ”الفلسفة“؟

الذي نفهمه أن هذا كتاب للفلسفة، أو كتاب في الفلسفة.

فالعلاقة بين كتاب، والفلسفة إذن علاقة تبعية. مثلها في ذلك مثل:

  • ”ساعة الحائط“،
  • ”مسرح المدينة“،
  • ”مستوى المعيشة“،
  • ”عنوان الصحيفة“.

الإضافة في المثال الأول إذن، وما يشابهه، أفادت هذا المعنى، ولذلك يسميها النحاة ”إضافة معنوية، أو إضافة محضة.

فهل يوجد في المثال الثاني (دمرت الغارة منزلا ”متعددَ الطوابق“) علاقة مشابهة؟

هل يمكن أن نقول في (متعدد الطوابق): متعدد للطوابق، أو في الطوابق؟

لا، لماذا؟ لأن العلاقة هنا ليست علاقة تبعية، بل هناك علاقة نحوية، تتضح إن وضعنا الجملة بصيغة أخرى:

  • الغارة دمرت منزلا ”متعدد الطوابق“
  • الغارة دمرت منزلا ”تعددت طوابقه“

نلاحظ هنا أن المعنى في الجملتين واحد. لكن الجملة الثانية بيَّنت أن كلمة ”طوابق“ فاعل للفعل ”تعددت“

وهذه هي أيضا العلاقة النحوية نفسها بين كلمة ”متعدد“ وكلمة ”الطوابق“، لأن ”متعدد“ اسم فاعل من الفعل ”تعدد“. واسم الفاعل يعمل عمل الفعل المشتق منه، ويكون له هو الآخر فاعل، وفاعل ”متعدد“ هنا هو ”الطوابق“.

هل لاحظتم أن المضاف في المثال الثاني:

  • دمرت الغارة منزلا ”متعددَ الطوابق“

يسبقه اسم (منزلا) وأن تركيب الإضافة ”متعدد الطوابق“ يصف المنزل؟

وهذا غير موجود في المثال الأول.

  • قرأت ”كتابَ الفلسفة“ الذي اشتريته

نوع المضاف في المثال الأول إذن يختلف عن المضاف في المثال الثاني.

ففي المثال الأول لدينا اسم عادي، هو ”كتاب“، وهذا الاسم ليس مصاغا على وزن صرفي أو صيغة صرفية شائعة. وهذا النوع من الأسماء، مثل ”رجل“، و”ساعة“، و ”حجر“، يسميه النحاة أسماءً جامدة.

أما المضاف في المثال الثاني ”متعدد“، فهو اسم مصاغ على صيغة صرفية معروفة، هي صيغة اسم الفاعل.

وجميع الأسماء التي تصاغ على صيغة صرفية معروفة ومحددة، مثل صيغة اسم الفاعل (كاتب) وصيغة اسم المفعول (مشهور)، وصيغ المبالغة (حذِر، مزواج، وسبَّاك)، والصفة المشبهة مثل (حسَن، كريم)، هي أسماء مشتقة من الفعل، وفيها – كما يقول النحاة – من رائحة الفعل، ولذلك يمكن أن تعمل عمل الفعل، فيكون لها فاعل، أو نائب فاعل، أو غيرُ ذلك، ويسمي النحاة هذا النوع من الأسماء أسماء مشتقة.

ولهذه الأسماء المشتقة في الجمل التي تظهر فيها وظيفة مهمة، فهي تصف الأسماء التي تسبقها، سواء أكان ذلك شخصا أم كائنا حيا، أم جمادا أم عملا ما.

ونظرا لأنها صفة، فهي تتبع الاسم الموصوف المذكور قبلها في: الإعراب، والتذكير والتأنيث، والعدد، والتعريف والتنكير.

فنقول من حيث الإعراب:

  • هذا منزلٌ متعددُ الطوابق
  • اشترى صديق لي منزلا متعددَ الطوابق
  • كنت أسكن في منزلٍ متعددِ الطوابق

ومن حيث التذكير والتأنيث:

  • هذا منزل متعدد الطوابق
  • هذه ڤيلا متعددة الطوابق

من حيث العدد:

  • هذا رجل ذائع الصيت
  • هذان رجلان ذائعا الصيت
  • هؤلاء رجال ذائعو الصيت
  • هذه سيدة حاضرة البديهة
  • هاتان سيدتان حاضرتا البديهة
  • هؤلاء نساء حاضرات البديهة

من حيث التعريف والتنكير:

  • هذا منزل متعدد الطوابق
  • سكنت في هذا المنزل المتعدد الطوابق

من هذه الأمثلة جميعا ندرك أن المضاف إذا كان اسما مصاغا على صيغة صرفية، مثل اسم الفاعل، اسم المفعول، صيغة مبالغة، أو صفة مشبهة، فإنه يكون صفة للاسم الذي يسبقه، ويتفق معه حتى في التعريف.

وهذه هي الحالة التي يمكن أن يأتي فيها المضاف معرفة، بالألف واللام.

ويسمي النحاة الإضافة في هذه الحالة ”إضافة لفظية“ لأنها لا تفيد التعريف مثل الإضافة المعنوية، بل تمنع لفظا فقط تنوين المضاف، إذا كان المضاف إليه معرفة.

وهذا لا يحدث إذا كان المضاف اسما جامدا، مثل، ”كتاب“ و”ساعة“ و”رجل“، و ”مكتب“. لأننا لا نستطيع أن نستخدم أي كلمة ”كتاب“ مثلا في وصف أي اسم آخر.

هل يمكنكم التفكيرُ في جملة تكون كلمةُ ”كتاب“ أو”ساعة“ أو”رجل“، أو”مكتب“، فيها، صفةً لاسم ورد قبلها؟

والآن يمكننا أن ندرك بسهولة الخطأ في كثير من العناوين التي نراها في المواقع الإخبارية.

وآمل أن ننتبه وندقق قبل استخدام التعبيرات الشائعة في المواقع الإخبارية.

محمد رياض العشيري

محاضر في اللغة وأكاديمي وصحفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock