أى مستقبل ذلك الذي ينتظر الاقتصاد المصري؟ كان ذلك واحدا من أهم الأسئلة التي سعت دراسة “استشرافات النخبة المثقفة لمستقبل أنساق القيم الاجتماعية في مصر” والصادرة حديثا عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – إلى رسم عدة سيناريوهات لها، وفق إجابات المشاركين في الدراسة من ممثلي النخبة المثقفة المصرية.
تشير الدراسة في البداية إلى التغيرات الكثيرة التي شهدتها ما تسمى بدول الجنوب –ومن بينها مصر– بفعل سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، والتى أدت الى إعادة تعريف علاقة هذه الدول بالعالم الخارجي، من خلال التحرير النسبي للتجارة ولحركة رؤوس الأموال الأجنبية، وإعادة ترتيب العلاقات داخل الدول ذاتها، لصالح مساحات أوسع من حرية السوق. والحقيقة أن هذا كله لم يعن انسحاب الدولة بالكامل من لعب دور اقتصادي، إذ أن عمليات التحرر التجاري أو جذب الاستثمارات الأجنبية؛ كلها تتطلب بالأساس أدورا معينة تقوم بها الدولة.
وتضيف الدراسة أن تجارب العقود الأربعة الماضية، لا تظهر أن ثمة سبيلا واحدا لاندماج الاقتصادات الوطنية في الاقتصاد العالمي، بل ثمة تفاوت كبير بين الدول بل وداخلها على أساس قطاعى وجهوي. وقدمت بلدان جنوب شرق أسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية وتايوان نماذج ملهمة للاندفاع أعلى هرم الاقتصاد العالمي من خلال الصعود عبر بوابة القطاعات ذات القيمة المضافة الأعلى، بينما عانت بلدان أخرى في الشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا اللاتينية من تراجع مركزها العالمي.
وبحسب الدراسة “ففي حين تحسنت مستويات معيشة ملايين الصينيين، في عملية عدت الأكبر عدديا لانتشال السكان من تحت خط القر؛ ازدادت معدلات المعاناة في مناطق كثيرة أخرى من العالم، ولم يزد عدم المساواة بين أقاليم العالم ودوله فقط؛ بل داخل هذه الدول نفسها، بما فيها دول الشمال العالمي، وهو ما يشير بوضوح إلى أن الصورة الكلية مركبة ومعقدة”.
“استنادا إلى التحليل السابق؛ فإن مستقبل هيكل الاقتصاد المصري يقع في قلب أسئلة الاقتصاد السياسي للتنمية، لأنها من ناحيةٍ تحدد مركز الفاعلين الاقتصاديين المصريين في مواجهة العالم، ومن ناحية أخرى تحدد التحسن المأمول في عمليات التوزيع والإنتاج، وما يعنيه من تحسن في مستويات المعيشة، سواء متمثلة في متوسطات دخول الأفراد، أو فرص العمل وجودة التوظيف، ومؤشرات التنمية المختلفة، من تعليم وصحة.. طبقا لما تؤكده الدراسة، التي تناولت هذه القضية في إطار سيناريو متفائل وآخر متشائم، بالاعتماد على مستقبل الاقتصاد الريعي، وما يتصل به من قضايا تنمية القطاعات الاقتصادية الانتاجية”.
وأشار 88% من المشاركين في الدراسة، إلى أن الاستمرار في الاعتماد على أنشطة الاقتصاد الريعي؛ أمر غير مرغوب.. وعادة ما يرتبط هذا النوع من الاقتصاد بوفرة الموارد الطبيعية كالبترول والغاز الطبيعي والمعادن النفيسة، كما يأخذ أشكالا أخرى تعتمد على تحويلات العاملين في الخارج.
وتشير الدراسة إلى أن النمط الريعي، في الحالة المصرية يرتبط ارتباطا وثيقا بالثروات البترولية، ليس فحسب باعتبار مصر مصدرا قديما للبترول وحاليا للغاز الطبيعي، ولكن كذلك بسبب روابطها الإقليمية ببلدان الخليج العربي الغنية بالنفط، والتي خلقت أنماطا من التبعية تمثلت في الاعتماد على رأس المال الخليجي. من أجل جذب الاستثمار أو الحصول على الدعم، وحتى الآن لا تزال صادرات البترول والغاز الطبيعي تمثل نحو ثلث إجمالي الصادرات المصرية، رغم تحول مصر إلى مستورد صاف للبترول منذ عام 2006.
وتؤكد الدراسة، أن الاعتماد طويل الأجل على المصادر الريعية، في ربط الاقتصاد المصري بالاقتصاد العالمي؛ يعد مسئولا عن إدامة الظرف غير التنموي؛ إذ أن الأنشطة الريعية تشجع على إعادة تدوير الريع، في قطاعات مثل العقارات وتجارة الأراضي، وجميعها قطاعات غير قابلة للتصدير أو الاستيراد؛ ولذا فرغم إنها توفر عددا كبيرا من فرص العمل، فهي لا تسهم في تحسين ميزان المدفوعات، وأغلبها غير رسمية ومؤقتة وتتميز بالكثافة العمالية، وإدراكا من العينة لكل هذه الأمور، وضروورة أن يتحول الاقتصادالمصري من الاعتماد على الأنشطة الريعية إلى الأنشطة الإنتاجية الشاملة (صناعي – زراعي – خدمي) فإن 10% يرون أن هذا السيناريو المتفائل هو الأكثر احتمالا؛ فيما يرى 16% أنه من غير المحتمل تماما فيما أشارت الغالبية بنسبة 74% إلى أن هذا الأمر ممكن إلى حد ما.