ترجمة: كريم سعد
أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في موسكو، أن الرئيس فلاديمير بوتين سيتوجه إلى طهران في 19 يوليو المقبل، للمشاركة في اجتماع ثلاثي مع نظيريه الإيراني والتركي في إطار “عملية أستانا للسلام” لإنهاء الحرب في سوريا، فضلا عن عقد اجتماع ثنائي مع الرئيس التركي رجب أردوغان.
وكان من المتوقع عقد مثل هذه القمة منذ فترة طويلة لكن الوباء والصراع الأوكراني أخرا الأمور. وبسبب أن المأزق الحالي في سوريا محفوف بالمخاطر. فلدى تركيا خطط لشن توغل عسكري آخر في مناطق الحدود الشمالية لسوريا الخاضعة لسيطرة الجماعات الكردية، والتي تزعم أنقرة أنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الانفصالي، كما أنها حليفة لا يمكن فصلها عن البنتاغون.
ولا تحبذ دمشق وموسكو وطهران – وواشنطن – الخطوة التركية باعتبارها مزعزعة للاستقرار، لكن أردوغان يبقي الخطط في حالة من الحركة المعلقة، بينما يخفف بلباقة من الخطاب التهديدي ويعترف بأنه “ليس في عجلة من أمره”.
وبسبب عدم وجود أضواء خضراء من شركائها في أستانا، فمن غير المرجح أن يشرع أردوغان بالتوغل العسكري، لكن روسيا وإيران تشعران بالقلق من أن التوغل قد يعقد وجودهما ونفوذهما السياسي في سوريا ويخاطر بمواجهة بين القوات التركية والقوات الحكومية السورية.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن سوريا، فإن رحلة بوتين لها تداعيات أوسع بكثير. فما يحدث في الاجتماعات الثنائية بين أردوغان والقادة الإيرانيين هو بالتأكيد القوالب الأكثر أهمية التي يجب مراقبتها. فمن الواضح أن تركيا وإيران تظهران كاثنتين من أكثر العلاقات أهمية في السياسات الخارجية والدبلوماسية الروسية. وتأتي زيارة بوتين في فترة تحولية للغاية في نهج الولايات المتحدة تجاه كل من تركيا وإيران.
وتبددت آمال أردوغان في التقارب مع الولايات المتحدة عندما قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس للصحفيين في 30 يونيو إن أثينا قدمت خطاب طلب “في الأيام الأخيرة” إلى الحكومة الأمريكية للحصول على سرب من 20 طائرة إف-35 مع خيارات لشراء سرب إضافي. وجاء الإعلان اليوناني بعد يوم واحد فقط من تأكيد الرئيس جو بايدن لأردوغان على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في مدريد أنه يدعم طلب الأخير المعلق بحصول تركيا على طائرات .(F-16)
وكان ينبغي على أردوغان أن يعرف أن مسيرة بايدن الطويلة والناجحة كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا باللوبي اليوناني القوي في أمريكا، والذي يعد مصدرا كبيرا لتمويل الانتخابات للسياسيين الطموحين.. ولذلك، من المؤكد أن صفقة اليونان الخاصة بطائرات (F-35) ستتم الموافقة عليها، ويمكن أن تتسبب في دق إسفين بين العلاقة المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة وتركيا – ولن تؤدي سوى إلى تعزيز شكوك أنقرة في أن واشنطن تستخدم اليونان كبيدق للسيطرة على تركيا. ومن المتصور أن الصفقة يمكن أن تغير التوازن العسكري في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع الأخذ في الاعتبار تحالف اليونان مع قبرص وإسرائيل أيضا.
ويكفي القول إن محادثة بوتين مع أردوغان تأتي في وقت تسوده حالة من عدم اليقين في العلاقات التركية الأمريكية. ومع لذلك، فإن الظروف تفضي إلى إنشاء ممر بحري في البحر الأسود لتصدير الحبوب من أوكرانيا، وهناك تقارب استراتيجي بين حرص موسكو على إثبات أنها لم تتسبب في أزمة الحبوب العالمية، ورغبة تركيا في إبراز استقلاليتها الاستراتيجية، على الرغم من أنها دولة عضو في حلف شمال الأطلسي.
وأعلن وزير الدفاع التركي في 13 يوليو الماضي أنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن إنشاء مركز تنسيق في إسطنبول بمشاركة جميع الأطراف، كما اتفق الجانبان الروسي والأوكراني على السيطرة المشتركة على السفن في كل من الدخول والخروج من الموانئ وكذلك على الأمن البحري. ويعد ذلك انتصار واضح للوساطة التركية. وفي هذه العملية، قد نثق في العلاقة القوية بين أردوغان وبوتين لتسخير طاقة جديدة لتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية التركية الروسية. حيث أن لدى تركيا دورا فريدا لتلعبه، في حين أن موسكو تشق طريقها تجاه العقوبات الغربية.
وبالمثل، فإن محادثات بوتين مع القيادة الإيرانية لديها أيضا بيئة جيوسياسية كبيرة. فالرئيس الأمريكي جو بايدن قد أنهى للتو رحلته إلى المملكة العربية السعودية، وهو حدث يؤثر على المصالح الأساسية لإيران في حين أن المفاوضات النووية غير واضحة حتى الآن.
ومع الكشف المسرحي لمستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان عن قيام إيران بتوريد “عدة مئات من الطائرات بدون طيار، بما في ذلك النوعية القادرة على حمل الأسلحة في جدول زمني سريع” لروسيا مع خضوع أفرادها للتدريب في إيران عليها.
فالشيء المهم الذي يجب ملاحظته هنا هو أن قصة سوليفان تتداخل مع “مناقشات الأعداء” بين الرياض وتل أبيب حول تبادل التكنولوجيا الدفاعية، وتحديدا فيما يتعلق بالمخاوف السعودية بشأن الطائرات الإيرانية بدون طيار.
وعلاوة على ذلك، يأتي حديث سوليفان الفضفاض على خلفية إعلان إسرائيل الشهر الماضي عن تشكيل تحالف دفاع جوي مشترك من المتوقع أن يشمل، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ومن المؤكد أن كشف سوليفان جاء قبل رحلة بايدن إلى الرياض مباشرة بسبب الجانب السياسي، لأنه يضع ضغوطا على المملكة العربية السعودية لإعادة التفكير في كل من علاقتها المزدهرة مع روسيا وكذلك محادثات التطبيع مع إيران.
وتدرك موسكو أن الغرض الأساسي لجولة بايدن في الشرق الأوسط هو تشكيل جبهة ضد روسيا والصين. وفي الواقع، كتب بايدن في مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي عن جولته في الشرق الأوسط: “نحن بحاجة إلى مواجهة العدوان الروسي، وأن نكون في وضع أفضل للفوز بالمنافسة مع الصين، والعمل على تعزيز الاستقرار في منطقة مهمة من العالم. وللقيام بذلك، نحتاج إلى التفاعل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر على نتائج هذا العمل. والمملكة العربية السعودية هي واحدة من تلك الدول .”
ويأمل بايدن في إيجاد توافق بشكلً ما بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وجعلهما يتوصلان لاتفاقية تعاون دفاعي استراتيجي ملزمة شاملة تتجاوز أي شيء وافقت عليه الولايات المتحدة من قبل. وهذا –لا محالة– يتطلب شيطنة إيران باعتبارها تهديدا مشتركا. فببساطة، يحاول بايدن إحياء استراتيجية أمريكية فاشلة – وهي تنظيم المنطقة حول هدف عزل إيران واحتوائها..
وفي الواقع، إذا كان التاريخ يقدم أي دليل، فهو إن فكرة بايدن بإنشاء نظام أمن جماعي محكوم عليها بالفشل. وقد قوبلت هذه المحاولات في السابق بمقاومة شرسة من دول المنطقة. حيث أن روسيا تتمتع بمزايا معينة هنا، بعدما اتبعت دبلوماسية مع دول المنطقة ترتكز بقوة على الاحترام والمنفعة المتبادلة، والقدرة على التنبؤ والموثوقية. وخلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، تم التوصل إلى تفاهم معين، والذي من غير المرجح أن تتبرأ منه الرياض.
في الواقع، لدى المملكة العربية السعودية وروسيا تقارب في المصالح فيما يتعلق بسوق النفط، حيث يرى الخبراء أن كلا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لديهما قدرة احتياطية محدودة للغاية. ومن المتوقع أن توافق المملكة العربية السعودية على الأرجح على تخفيف صنابير النفط على خلفية زيارة بايدن، لكن القيادة ستظل تسعى جاهدة لإيجاد طريقة للقيام بذلك في سياق اتفاق أوبك + الحالي (مع روسيا) والذي يمتد حتى ديسمبر من خلال التعويض عن ضعف الإنتاج لدول أوبك المتعثرة مثل نيجيريا وأنغولا. (قدرة أوبك+ هي بالفعل أقل بكثير من المستوى الذي ينطوي عليه الاتفاق).
في الأساس، وكما أشار الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي تريستا بارسي مؤخرا، “أي انخفاض في التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران يشكل تهديدا لمتانة اتفاقات أبراهام… وهذا يعني أنه من أجل أن تستمر إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الحصول على حوافز استراتيجية كافية للتعاون وإقامة علاقات وأن ينسى الجميع معا معاناة الفلسطينيين، يجب أن يكون هناك تهديد من إيران. وإلا فإن بيت الورق كله ينهار”.
وتدرك إيران أن محادثات «خطة العمل الشاملة المشتركة» ليست ميتة ولا حية، بل في حالة غيبوبة، والتي قد تموت قريبا ما لم يتم إنقاذها – اعتمادا على درجة نجاح أو فشل محادثات بايدن في المملكة العربية السعودية. لكن كل الدلائل تشير إلى أن طهران تسعى جاهدة لتعزيز العلاقات مع موسكو. ومن هذا المنظور، لدى بوتين الكثير ليناقشه في طهران مع القيادة الإيرانية في الوقت الذي يتشكل فيه النظام العالمي الجديد.
وحتى فيما يتعلق بقصة سوليفان عن الطائرات بدون طيار، وبرغم أن إيران أصدرت دحضا شكليا، فحقيقة الأمر هي أن إيران من بين أفضل خمسة قادة عالميين في تطوير وإنتاج الطائرات بدون طيار، وهذا الأمر الذي قد يهم روسيا، ومن المثير للاهتمام أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ألمح إلى ذلك الإطار الحالي للتعاون العسكري التقني الإيراني – الروسي قبل الحرب في أوكرانيا.