رغم كل شىء تبقي إفريقيا بالنسبة لنا –نحن المصريين– أرضا بكرا تحتاج منا إلى جهد أكبر؛ من أجل إعادة اكتشافها.
والواقع يؤكد أن الجغرافيا لم تنجح حتى الآن، في بناء جسور ثقافية قوية مع قارة ننتمي إليها، ويجمعنا بكافة شعوبها الكثير من القواسم المشتركة.
المفارقة أنه في الوقت الذي وصل فيه الأدب الإفريقي إلى العالمية؛ فإن الحقيقة المؤسفة أن أغلب الكتاب والأدباء الأفارقة، مازالوا مجهولين للقطاع الأكبر من القراء في مصر حتى اليوم؛ لأسباب يطول شرحها، من بينها تلك الفرقة التي حرص الاستعمار على زرعها بين شعوب إفريقيا السمراء منذ زمن بعيد.
في ظل هذا كله تأتي أهمية مبادرة “إفريقيا تحكي” التي أطلقها المركز القومي للترجمة مؤخرا، في خطوة نعوّل عليها كثيرا في التعريف بروائع الأدب الإفريقي، وإعادة الاعتبار إلى الثقافة الإفريقية التي مازالت مجهولة بالنسبة للكثيرين منا.
وبحسب البيان الصادر عن المركز القومي للترجمة؛ فإن المبادرة تعتمد على إصدار نشرة الكترونية، تتضمن ترجمات مختصرة لإبداعات إفريقية متنوعة بحيث لاتزيد هذه الترجمة عن 500 كلمة على الأكثر، بما يساعد في النهاية في إعطاء القارئ إطلالة على الثقافة الإفريقية.
واشترط المركز على الراغبين في المشاركة أن تتم الترجمة من لغة العمل الأصلية إلى اللغة العربية، سواء كانت هذه اللغة إفريقية محلية أو فرنسية أو إنجليزية، بما يساهم في النهاية في استمتاع القارئ المصري بأحدث إبداعات القارة السمراء.
مبادرة كهذه يتوقع إذا لقيت قدرا كبيرا من التجاوب، من قبل المترجمين والباحثين من ناحية والقراء في مصر من ناحية أخرى، والذين سيجد الكثيرون منهم في الثقافة الإفريقية عالما جديدا، كما ستكون فرصة ذهبية لتشجيع دور النشر والمؤسسات الثقافية الأخرى على مزيد من الانفتاح على الحركة الإبداعية في القارة السمراء.
حتى الآن مازالت نسبة الأعمال الإفريقية المترجمة للغة العربية ضيئلة للغاية، ولا تعبر عن الوعي بأهمية تعميق الانتماء الإفريقي لمصر، وهى الفكرة التي كانت متجذرة خلال فترة حكم الرئيس عبد الناصر، قبل أن تتراجع بصورة تدريجية حتى وصلنا إلى حالة من الجفوة المتبادلة بيننا وبين شعوب القارة السمراء، واستغلت أطراف أخرى الملعب الذي ترك لها مفتوحا؛ كي تعزز مصالحها بصورة ألحقت بنا أضرارا كثيرة لم تعد تخفى على أحد.
إعادة وصل من انقطع مع إفريقيا وإصلاح ما افسدته السياسة – يجب أن يبدأ عبر بناء جسور ثقافية، حوار الأفكار كفيل بأن ينهي الكثير من أسباب القطيعة غير المعلنة، بيننا وبين قارة يزداد العالم وعيا بأهميتها سياسيا واستراتيجيا وفكريا وثقافية ساعة بعد أخرى.
في ظل فكرة تلاقح الثقافات؛ فإننا يجب أن ندرك أن مبادرة كهذه يمكن أن تحقق مصلحة مشتركة، اليوم سوف نسمع إفريقيا عندما تحكي ولديها بالطبع الكثير مما تقوله وغدا سوف تسمع القارة السمراء بالمثل مصر؛ عندما تحكي حيث يمنح مثل هذا الأمر فرصا واعدة لانتشار الأدب المصري بعد ترجمة روائعه إلي اللغات الإفريقية، وهو حلم كبير يمكن إذا تحقق أن يساهم في إعادة ربط الأجيال الجديدة في إفريقيا بمصر، وهو مكسب كبير يستحق أن ندعم بكل قوة “إفريقيا تحكي” وصولا إلى المرحلة التي سوف تحكي فيها مصر.
أظن أن المركز القومي للترجمة نفسه هو المؤسسة الأقدر في مصر على أن تقودنا إلى هذه الفكرة الطموح، وأظن أن القائمين عليه يمكن إذا وصلتهم هذه السطور أن يفكروا في وضع استراتيجية لإطلاق مبادرة جديدة تحت عنوان “مصر تحكي لإفريقيا” يتم خلالها تدشين مشروع متكامل لنقل روائع الأدب المصري إلى اللغات الإفريقية؛ خاصة المحلية منها مثل السواحيلي واللغة الأمهرية من أجل خلق أجيال جديدة في القارة السمراء أكثر إرتياطا بمصر، ولو تم هذا المشروع الطموح فإنه كفيل بحل الكثير من مشاكل الماضي.
وفي ظل ارتفاع تكاليف الطباعة يمكن أن يتم هذا الأمر من خلال إصدار روائع الأدب المصري في صورة كتب إلكترونية، ولكن يجب أن يسبق هذه الخطوة قدر كبير من الدعاية والتسويق من أجل الوصول إلى الجمهور المستهدف، فلا يجب أن تترك إفريقيا عمقنا الاستراتيجي ساحة مفتوحة لكل الثقافات والأفكار بينما نكتفي نحن بالمتابعة من بعيد وكأن الأمر لايعنينا في شىء.