رؤى

القيم الاجتماعية في مشهد حافل بالتناقضات .. السياسية الخارجية لمصر إلى أين تتجه   (5)

إلى أين تتجه السياسة الخارجية لمصر خلال السنوات المقبلة؟ هل تتجه نحو مزيد من التعاون أم إلى الصراع خاصة في ظل المشهد الإقليمي الذي يزداد تعقيد ساعة بعد أخرى؟

كان هذا واحدا من الأسئلة المهمة التي سعت دراسة “استشرافات النخبة المثقفة لمستقبل أنساق القيم الاجتماعية في مصر” والصادرة حديثا عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لرسم أكثر من سيناريو لها.

السياسة الخارجية –كما تشير الدراسة– تقوم على عدد من الركائز الأساسية، المستمدة من الموقع الجغرافي والتاريخ والتجربة الوطنية والأوضاع الاجتماعية والسياسية.. علاوة على وضعية مصر في الإقليم وفي العالم، ولطالما اعتبرت السياسة الخارجية مكونا رئيسيا في السياسة العامة للدولة المصرية، وأداة أساسية للحكومات المصرية المتعاقبة، في تحقيق الأهداف العليا للدولة، وعلى رأسها حماية الأمن القومي، وتعزيز قوة الدولة.. علاوة على الإسهام في العملية التنموية، عبر تأمين وضعية دولية تخدم البرامج التنموية الشاملة.

وتضيف الدراسة، أن ثوابت السياسة الخارجية المصرية، تتمثل في الأساس في الحفاظ على بقاء الدولة واستقلالية قرارها في الشأن الخارجي، والحفاظ على مقدراتها الأساسية وتكاملها الإقليمي، وفي هذا الإطار تتمثل الدائرة الأهم للسياسة الخارجية المصرية في الحدود المباشرة في الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة.

وفي أوقات عدم الاستقرار السياسي، التي أعقبت 25 يناير أدت الفوضى الداخلية وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية إلى حالة من الإنكفاء على الذات، وهو ما أدى إلى أفول الدور الإقليمي والدولي لمصر –بحسب الدراسة– التي تشير إلى أن هذه الحالة بدأت قبل انهيار نظام مبارك، والذي تبنى سياسة خارجية أقرب إلى الحياد تجاه القضايا الكبرى التي كانت تشهدها المنطقة العربية، خاصة فيما يتعلق بملف الصراع العربي الإسرائيلي.

وتؤكد الدراسة أن مرحلة ما بعد انتفاضة 30 يونيو عام 2013، شهدت تغيرات جوهرية في توجهات السياسة الخارجية المصرية إزاء العديد من القضايا المرتبطة بالتهديد المباشر للأمن القومي المصري، وعلى رأسها قضية الإرهاب الدولي، وجماعات الإسلام السياسي المسلحة، وما تتلقاه من دعم سياسي ولوجسيتي من بعض دول الإقليم.

وتشدد الدراسة على أنه من الناحية التاريخية؛ تعد القضية الفلسطينيىة وما يرتبط بها من العلاقة مع اسرائيل محددا رئيسيا في التحرك الخارجي المصري، وتنظر مصر إلى هذا الدور باعتباره يمثل جانبا مهما من وضعيتها الدولية، باعتبارها لاعبا أساسيا في الاستقرار والسلام في الشرق الاوسط.

وفي نطاق الحدود الغربية؛ لطالما مثلت العلاقة مع ليبيا جزءا خاصا من التحرك الخارجي المصري، واكتسب هذا الاتجاه أهمية متزايدة؛ بسبب ما تعرضت له ليبيا من فوضى وانقسام سياسي وعسكري منذ عام 2011، وهو ما دعا مصر إلى العمل النشط من أجل ضمان عدم تسرب الفوضى الليبية الى الداخل المصري، عبر الحدود التي يتجاوز طولها 1200 متر، وارتكز التحرك المصري على مساندة الليبيين أنفسهم على استعادة الدولة بتوحيد الجيش والقوات الليبية وإنهاء ظاهرة المليشيات.

وتضيف الدراسة أنه خلال فترة حكم الرئيس السيسي، برزت قضية المياه والعلاقة مع إثيوبيا (دولة المنبع) كقضية أساسية في التحرك الدبلوماسي المصري في ضوء بناء سد النهضة الإثيوبي، ويتمثل التحرك الدبلوماسي المصري في العمل جنبا إلى جنب مع دولة المصب الأخرى (السودان) من أجل التوصل الى اتفاق ملزم ومنصف وشامل لملء وتشغيل السد الإثيوبي بما يحفظ الحقوق المائية المصرية.

وبحسب الدراسة؛ فإن كل هذه الحقائق انعكست على الاستشرافات المستقبلية للنسق السياسي القيمي، للسياسة الخارجية المصرية، في ضوء السيناريوهات المطروحة، حيث يقوم السيناريو الأول على فرضية التعاون والكسب المتبادل، في حين يعتمد الآخر مبدأ الصراع دفاعا عن مقدرات الأمن القومي للبلاد.

وتؤكد الدراسة.. أنه في إطار السيناريو الأول، سوف يستمر صانع القرار ونخبة الحكم في تبني سياسة التعاون والكسب المتبادل إقليميا ودوليا، رغم حالة التنافس والصراع الإقليمي؛ لفرض السيادة والهيمنة..  ويعد هذا السيناريو هو المفضل لدى 80% من المشاركين في الدراسة.

وتضيف أنه في إطار السيناريو الثاني؛ سيضطر صانع القرار ونخبة الحكم إلى خوض صراعاتٍ خارجية، قد تكون الحرب أحد أهم أدواتها؛ دفاعا عن موارد مصر الطبيعية الحيوية، وحفاظا على الأمن القومي للبلاد – تخرج منها مصر أكثر قوة وحسما. ويرى 56% من المشاركين في الدراسة أن هذا السيناريو غير مرغوب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock