أعلنت اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، عن اختيار الشاعر الكبير صلاح جاهين شخصية المعرض في نسخته الرابعة والخمسين، المقرر انعقادها خلال الفترة من الرابع والعشرين من يناير حتى السادس من فبراير 2023.
الاحتفاء بصلاح جاهين؛ عبر إطلاق اسمه على دورة أعمال معرض القاهرة الدولي للكتاب– يبقى شيئا رمزيا بالنسبة لفنان ومثقف كبير بحجم جاهين، الذي حفر اسمه في سجل الخالدين في تاريخ مصر.. وهو ما يفسر الحضور الكبير لأغانيه وأشعاره وأعماله الفنية المختلفة، رغم السنوات الطويلة التي مرت علي رحيله.
كان صلاح جاهين حاضرا في كل انكسارات وانتصارات مصر، التي كانت روحا تسري في دمه حتى آخر يوم من عمره، ومن يمكن أن ينسى رائعته “اسم مصر” أو قصيدته “تراب الدخان” التي جاءت معبرة عن حالة واضحة من الشجن التي أعقبت هزيمة يونيو 1967.
جاهين لم يكن شاعرا فقط.. كان أيضا واحدا من نجوم العصر الذهبي لرسامي الكاريكاتير في مصر، ومازال الكثيرون يشاركون رسوماته الشهيرة على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي حتى اليوم، إذ تعبر بصدق عن الكثير من مشاهد حياتنا؛ فيما تتردد رباعياته على الألسنة ونختمها بكلمة “عجبي” في شهادة واضحة على موهبة فريدة واستثنائية لجاهين الذي سبق عصره.
لقد عبّر جاهين بصدق عن خفة الدم –التي تبقى مكونا أصيلا للشخصية المصرية– في أشعاره وقصائده في دفاع واضح عن وجدان هذا البلد الذي يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، وفي الأوبريت الأشهر “الليلة الكبيرة” يظل المرء حتى اليوم مستمتعا بشحنات كبيرة من الجمال التي لن تجد لها مثيلا إلا في هذا العمل، الذي لم يتكرر والذي مازال حتى اليوم يوصف بأنه أشهر عرض عرائس في تاريخ مصر.
جاهين المثقف الموسوعي لم يتوقف عند حدود الشعر ورسم الكاريكاتير حيث كتب سيناريوهات مجموعة من روائع أفلام السينما المصرية مثل: “شفيقة ومتولي”، و”خلي بالك من زوزو” و”أميرة حبي أنا”.
الشاعر أمين حداد يقول لـ “أصوات أون لاين” أن اختيار صلاح جاهين شخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب خبر جميل أسعدنا جميعا، فهو يمثل ظاهرة فنية لا تتكرر كثيرا في تاريخ الأمم.
ويضيف أن تاريخ الفن والثقافة يظهر بوضوح شديد أن مصر بعد صلاح جاهين اختلفت كثيرا، عن حال مصر قبل ظهوره، فهو ببساطة شديدة استطاع أن يحفر لوحة كبيرة على صدر مصر، مازلنا جميعا نستمتع بها حتى يومنا هذا، والدليل على ذلك أنه بعد كل هذه السنوات الطويلة التي مرت على رحيله، مازلنا نستمتع برباعياته وأغانيه والأفلام السينمائية التي أبدعها.
ويستطرد قائلا: “صلاح جاهين يبقى شخصية فريدة وجميلة وهو واحد من أولئك الذين أعطوا الكثير لمصر طوال سنوات عمرهم وهؤلاء يستحقون أن ترد الدولة لهم اعتبارهم فنحن جميعا مدينون لهم بالكثير لذا يجب أن تقوم الدولة بتخليدهم ونشر حالة من الوعي الكبير بهم، وبالإسهامات الجليلة التي قدموها؛ حتى يتمتعوا بالمكانة التي يستحقونها في الذاكرة الجمعية المصرية، وفي وعي الأجيال الشابة التي يجب أن تتربي على معرفة رموزها الثقافية الأصيلة حق المعرفة.
ويضيف: الفكرة لا يجب أن تقتصر عند حد اختيار جاهين شخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ فنحن في حاجة إلى عمل ثقافي جماعي واضح، تتبناه الدولة لتخليد كل رموز الثقافة والأدب والفن الذين أثروا الحياة الثقافية، وقدموا لهذا البلد الكثير.. فتحرك مثل هذا يبدو بالغ الأهمية في مواجهة الضحالة الفكرية والهجمة الشرسة التي تستهدف تراثنا وهويتنا الثقافية ورموزنا الفكرية.. وببساطة شديدة فإننا نحتاج إلى التأكيد على أهمية أن تلعب الدولة دورا أكبر في تخليد أدباء ومثقفين أعطونا الكثير، وليس أقل من أن يتم بلورة توجه عام من الدولة في هذا الصدد.
عمرو حسني السيناريست والمبدع الكبير يقول: إن اختيار صلاح جاهين شخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب شيء عظيم؛ مشددا على أن الكثير من أعمال صلاح جاهين تبقى حية وصالحة لكل زمان ومكان.
ويضيف أن أعمال جاهين كشاعر ورسام وفنان ومثقف كبير تحتاج إلى إعادة إلقاء الضوء عليها، كغيره من شعراء العامية العظام مثل بيرم التونسي وفؤاد حداد والذي نحتاج إلى مشروع وطني متكامل من أجل التعريف بهم وبما قدموه من أعمال إبداعية خالدة.
ويستطرد قائلا: “الكثير من الأعمال الشعرية لصلاح جاهين تحتاج إلى إعادة طبعها وتداولها، كما أن أوبريت “الليلة الكبيرة” الذي قدمه من أروع الأعمال التي انتجت للطفل المصري، فرغم مرور سنوات طويلة على انتاجه فإنه مازال يستهوي الكثيرين ويجب أن يكون هناك تفكير في تقديم معالجات جديدة لهذا العمل المتميز.
