حملت الدورة الخامسة لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما اسم الفنان خالد صالح تقديرا لمشواره الفني الكبير.. وكان صالح قد رحل عن عالمنا في 25 سبتمبر 2014، مخلفا حالة واسعة من الحزن في قلوب كل من عشقوا فنه الراقي وكانت الوفاة قد حدثت بعد تدهور حالة الفنان الصحية؛ عقب إجرائه عملية قلب مفتوح.
ويبقى لخالد صالح –رغم مرور سنوات على رحيله– مكانة بارزة في الذاكرة الفنية المصرية، بعد رحلة حافلة أصر أن يختمها بدور متميز مع اثنين من أعز أصدقائه هما أحمد السقا وخالد الصاوي في فيلم “الجزيرة 2”.
ويظل فيلم “هي فوضى” الذي أنتج عام 2007، والذي لعب فيه دور البطولة المطلقة واحدا من أهم الأعمال التي فجرت الطاقات الفنية الكبيرة لخالد صلاح، فما تزال تفاصيل شخصية “حاتم” أمين الشرطة الذي أدى دوره باقتدار محفورة في ذاكرة كل من شاهد الفيلم.
وقد استطاع الراحل الكبير يوسف شاهين الذي أخرج “هي فوضى” بالتعاون مع خالد يوسف أن يوظف كل القدرات التمثيلية لخالد صالح في تجسيد تناقضات “حاتم” وكيف كان لطفولته المشوهة تأثير واضح على سلوكه المنحرف والإجرامي فيما بعد.
تيتو، عمارة يعقوبيان، ملاكي إسكندرية، عن العشق والهوى، ابن القنصل.. أفلام لا يمل المرء من تكرار مشاهدتها؛ لما يرى فيها من أداء متفرد للمبدع خالد صالح الذي ترك بصمة فنية بالغة الأهمية.
جزء كبير من النجومية التي صنعها خالد صالح، بالوصول لقلوب مشاهديه، كان سببها تلك البساطة والعفوية التي كان يؤدي بها أدواره، حتى أن المشاهد لا يخرج معه أبدا من حالة الإيهام الفني التي تسيطر عليه بالكلية.
كان خالد صالح يمثل وكأنه ينقل لنا جزءا من يوميات حياة شخص رأيناه يوما في شارع أو حارة شعبية ضيقة أو على أحد شواطئ الإسكندرية الخاصة بالبسطاء.. لم يكن مغرما بمشاهد الفلل والقصور الفارهة كما هو حال آخرين.
حلاوة الروح، الريان، تاجر السعادة، بعد الفراق، سلطان الغرام أسماء مسلسلات تظل ضمن قائمة السجل الذهبي للدراما المصرية، بعد حصولها جميعا على شهادة الإبداع الفني لنجم بحجم خالد صالح.
خالد صالح نجح لأنه لم يكن يشبه أيا ممن سبقوه على نفس الطريق، كان بحق تأكيدا على أن الوسامة ليست شرطا للنجومية وفق القاعدة التي روّج لها البعض لفترة طويلة من الزمن.
“ندّاهة” الفن سيطرت على الفنان الراحل حين قرر أن يتفرغ للتمثيل وهو في السادسة والثلاثين عندما لعب دورا صغيرا في الفيلم الكوميدي “محامي خلع” دور قاض على المنصة.. ورغم أن المشهد لم يتجاوز الدقائق المعدودة إلا أنه لفت النظر بشدة إلى وجود موهبة حقيقية.
وبسرعة الصاروخ شق خالد صالح رحلته في سماء الفن.. فأدى عددا كبيرا من الأدوار بالغة التعقيد التي كان الكثيرون من نجوم الفن قبله يخشون من مجرد الاقتراب منها، وباقتدار شديد أدي مجموعة من أدوار الشر.. مازالت محفورة في ذاكرة الكثيرين منا.
لم يكن طريق خالد صالح للفن الذي يعشقه مفروشا بالورود، كما قد يظن البعض.. حيث شق طريقه في الصخر متسلحا بموهبته وبرغبته في أن يصنع مستقبله بالطريقة التي يريدها وألا يستسلم للظروف مهما كانت قسوتها.
ولد خالد صالح في “أبو النمرس” بمحافظة الجيزة عام 1964، وبدأ التمثيل خلال مرحلة الدراسة الجامعية، وشارك في العديد من العروض فوق خشبة مسرح الجامعة، كما أدى عددا من العروض على مسارح الهواة مثل مسرح الهناجر في دار الأوبرا المصرية.
رحم الله الفنان خالد صالح الذي يظل بعد سنوات من رحيله مثالا للفنان المؤمن بأن الفن رسالة وليس وسيلة للتكسب والمنفعة المادية فقط.