رؤى

السبب الحقيقي وراء كره الشرق الأوسط للمنظمات غير الحكومية: تذكير بالتاريخ الاستعماري

ترجمة: كريم سعد

لماذا يكره الشرق أوسطيون المنظمات غير الحكومية؟ الجواب أكثر تعقيدا مما يميل الغربيون إلى التفكير فيه، فمن الخطأ أن نستنتج أن الاستبداد الضيق هو وحده الذي يفسر النهج الرافض للمنظمات غير الحكومية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فالتهديد يتعلق بشيء مجرد: شعور الشرق الأوسط الهش بالهوية والسيادة.

حيث يعتبر العرب أساسا المنظمات غير الحكومية، وخاصة تلك التي لديها تمويل أجنبي، وكلاء لمشروع استعماري جديد. وبرغم نفاق الحكومات التي ترفض هذا التمويل، بينما تتلقى إما كميات وفيرة من المساعدات الأجنبية أو تعتمد على الغرب في أمنها، لا يقلل بالضرورة من فعالية الرفض.

والحقيقة هي أن تاريخ المنطقة والروايات القومية التي تطورت خلال القرن العشرين – تجعل من مجموعات المجتمع المدني الممولة من الغرب، مظهرا طبيعيا للمهمة الحضارية التي جلبت في الأصل المستعمرين الأوروبيين إلى شمال أفريقيا وبلاد الشام.

ومن الأمور المركزية بالنسبة لسكان الشرق الأوسط المهووسين بالمنظمات غير الحكومية– الخوف من أن الغرب يمر عبر هذه الجماعات، ويحاول تقويض الهوية العرقية والدينية للمنطقة؛ من خلال جعل مجتمعاتها أكثر غربية. ومن هنا تأتي الادعاءات بأن المؤسسات الغربية لا تتفق مع المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.

والمشكلة ذات الصلة بالسيادة تجعل المسألة أكثر وضوحا. حيث بدأ التغلغل الأوروبي في الشرق الأوسط في أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19، خلال عملية طويلة الأجل تسببت في غليان فكري بين الشرق أوسطيين حول أفضل السبل لمواجهة هذا التحدي. وكانت القومية العربية والحركات الإسلامية، والتي أكدت على الهوية، هي أكثر الاستجابات الإقليمية فعالية من الناحية السياسية.

ولقد استحوذ تأميم قناة السويس والثورة الجزائرية، التي طردت الفرنسيين بعد 130 عاما على خيال العرب في جميع أنحاء المنطقة. فلقد كانت تصريحات جريئة وقوية أعطت الحياة لشعارات شعبية مثل “مصر للمصريين” و “الإسلام هو ديني ، والعربية هي لغتي ، والجزائر هي بلدي” – ومع ذلك ظلت الأسئلة حول الهوية والسيادة دون حل في كل من هذه البلدان وأماكن أخرى في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

فعلى سبيل المثال، تواجه مصر تذكيرات مستمرة بسيادتها المعرضة للخطر. ولا يشمل ذلك فقط حقيقة أنه يجب عليها أن تطلب من إسرائيل الإذن باستعراض قوتها العسكرية على أراضيها، بجانب ابتزاز السعوديين للحكومة المصرية للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ولكن أيضا تمرير الحكومة الأمريكية لتعديل براونباك لقانون الاعتمادات الموحد لعام 2005 ، والذي أعلن أن برامج الديمقراطية والحكم الأمريكية، جنبا إلى جنب مع المجموعات التي اختيرت لتنفيذها، لم تكن بحاجة إلى موافقة مسبقة من الحكومة المصرية. حيث أنه في واشنطن، كان هذا هو الشيء المعقول الذي يجب القيام به بالنظر إلى الجهود التي بذلها حسني مبارك لتقويض “أجندة الحرية” التي وضعها جورج دبليو بوش. وبالنسبة لوزارة الدفاع المصرية، كان ذلك انتهاكا صارخا لسيادة البلاد.

والمملكة العربية السعودية لديها مشاكلها الخاصة المتعلقة بالسيادة. إذ توحد البلد من خلال القوة ولا يزال متماسكا من خلال مجموعة معقدة من العلاقات وتوزيع الموارد. وليس لعمل منظمات المجتمع المدني والممولين الأجانب أي تأثير مباشر على هذه المسائل. ولكن بالنسبة للقادة السعوديين، فإن لديهم القدرة على الإخلال بالتوازن السياسي الدقيق الذي يوحد بلدهم، وبالتالي تقويض الاستقرار وتعريض السيادة للخطر.

لا توجد وصفة سياسية يمكن أن تغير الانفصال بين الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون والأوروبيون إلى دعمهم للمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط والاستجابة الشرسة في كثير من الأحيان من القادة العرب. ولكن المراقبين الغربيين يمكنهم على الأقل الحصول على تقدير أفضل للسبب الذي يجعل حلفاء الولايات المتحدة ينظرون إلى فاعلي الخير على أنهم تهديد حقيقي.

كريم سعد

مترجم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock