القيد الأساسي الذي يضعه الإسلام فيما يتصل بالحاكم- ضرورة أن يكون حاصلا على ثقة الأمة أو غالبيتها العظمى، وذلك لرفضه التسلط أو فكرة السيطرة من قبل الحاكم تجاه المحكومين، هذا ما يؤكده الدكتور حازم عبد المتعال الصعيدي في كتابه القيم “الإسلام والخلافة في العصر الحديث”.
بقول د. الصعيدي “الإسلام لم يضع كذلك شكلا معينا للحكومة، فالحكومة في الدولة الإسلامية تتشكل وفق مقتضيات مصلحة الشعب، وعلى أساس رغبته.. فقد تكون حكومة دستورية برلمانية أو دستورية غير برلمانية أو نظاما رئاسيا أو غير ذلك من الأشكال.. ولا يقيد ذلك إلا بشرط أن تكون حكومة شورية فالإسلام في صفائه ونقائه لا يقبل الشكل الديكتاتوري أو التسلطي”
ويكشف الدكتور حازم عبد المتعال الصعيدي عن الكثير من المشكلات الكامنة في نظام الخلافة والتي تتعارض مع مبادئ الإسلام الخاصة بضمان الحريات.. وفي هذا الصدد يقول “مما يفوت الكثيرين أن نظام الخلافة لا يأخذ ببعض العناصر والضمانات الأساسية التي تهدف إلى كفالة الحرية ومنع استبداد الحكام، فنظام الخلافة مثلا لا يأخذ بمبدأ فصل السلطات خلافا للأنظمة الدستورية الحديثة، فالخليفة هو صاحب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، أي أنه يجمع بينها جمعا، وفي ذلك أكبر المأخذ والانتقادات التي يوجهها البعض إلى نظام الخلافة”.
ويلفت الصعيدي النظر إلى نقطة مهمة جدا وهي أن “نظام الخلافة لا يأخذ بمبدأ عدم قابلية القاضي للعزل؛ ذلك المبدأ المعروف في التشريعات الحديثة كضمان لاستقلال رجال القضاء، حيث يدخل تعيين القضاة وعزلهم ضمن سلطات الخليفة دون قيد، وفي ذلك مأخذ كبير؛ لأن استقلال القضاء وحصانته ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات من نزعات إساءة استعمال السلطة والاستبداد”.
حقيقة أخرى يقرها الصعيدي وهي أنه “…إذا كان قُدّر لنظام الخلافة النجاح إبان بضعة من السنين الأولى للهجرة (أي حتى أواخر حكم الخلفاء الراشدين أو بعبارة أكثر تحديدا حتى أواسط خلافة عثمان) فإن ذلك كان مَرَدُّه إلى توفر بيئة خاصة في ذلك العصر لا يتوفر منها عنصر واحد في عصرنا، تجد البيئة التي نجد فيها إلى جانب بساطة الحياة إيمانا عميقا في النفوس، وقرب عهد من نزول القرآن الكريم وصحابة من الرجال العظام الذين تركت في نفوسهم القدوة الحسنة المثالية للرسول الكريم أبلغ الأثر ولكن هذا الوازع الديني قد ضعف -فيما بعد- في النفوس صفائه وولى بعد زمان الخلفاء الراشدين زمانه وغلبت شهوات الدنيا على النفوس وانقلبت الخلافة كما يقول ابن خلدون إلى ملك منذ عهد خلافة معاوية، ولذلك أصبحنا نرى من بعض الخلفاء والولاة سوء استعمال السلطان، مما وصل بهم إلى حد الطغيان والاستبداد”.
ويشدد الصعيدي على مبدأ هام لفض هذا الاشتباك “لاشك في أنه إذا ضعف الوازع الديني فإنه ينبغي ألا يترك الحاكم المسلم حرا اعتمادا على الجزاء الأخروي؛ بل يجب على الأمة أن تضع على سلطاته من القيود ما تراه كفيلا بعدم إساءة استعمالها وتوجيهها إلى ما فيه خير الأمة وسعادتها، فالسلطة مفسدة خاصة إذا كانت مطلقة.. وللسلطة إغراءاتها الشديدة التي تلعب بالرؤوس نشوتها فتسكرها وتعبث شهوتها بالنفوس فتفسدها، ولاشك أن الضمانات التي تهدف إلى حماية الحريات ضد نزعات إساءة استعمال السلطة مثل مبدأ الفصل بين السلطات لا يمكن أن تكون غريبة على الفكر السياسي الإسلامي”.
ويضيف “إذا كان الوازع الديني وخشية الله قد أغنت المسلمين في فجر النظام عن تلمس ضمانات تنظيمية ضد التعسف والانحراف؛ فإن ضعف الوازع الديني بعد ذلك قد وصل بالمسلمين عمليا إلى الحكم المطلق، وكما عرف المسلمون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، عرفوا أيضا ملوك بني أمية المستبدين وخلفاء بني العباس السفاحين، كما عرفوا حكام الأقاليم المتجبرين، وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي”.
ويقول الصعيدي” ينبغي أن تترك مسألة اختيار نظام الحكم في الدولة الإسلامية ليوضع لها الحل طبقا لما تمليه ظروف البيئة الاجتماعية والسياسية واتجاه الرأي العام ومقتضيات الصالح العام في كل زمان ومكان وألا نقيم من نظام معين كنظام الخلافة أو غيره حائلا أو عائقا في سبيل الحل الذي تمليه ظروف الأمة”.
ويحمل الصعيدي في كتابه الأنظمة غير الشورية التي حكمت وفق نظام الخلافة الكثير من الويلات التي عانت منها الأمة لفترات طويلة من الزمن “الأنظمة الاستبدادية التي سادت الحكم الإسلامي منذ عهد الخلفاء الأمويين أس الفساد في الأمة الإسلامية فهي بطبيعتها غير شورية تقوم على الظلم والتعسف”.