كتاب تاريخ الشعوب العربية هو مؤلف كبير من جزأين, كل جزء حوالي ثلاثمائة صفحة, من إصدارات الألف كتاب الثاني التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب.
الكتاب للبروفسور ألبرت حوراني أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد بإنجلترا، وهو بريطاني من أصل لبناني، وترجمة الأستاذ نبيل صلاح الدين.
يتناول المؤلف تاريخ الشعوب العربية, تلك التي سكنت المنطقة العربية من المحيط الأطلسي للخليج العربي قبل الإسلام, ويتوقف عند الحرب العراقية الإيرانية والغزو الصهيوني لبيروت.
لم يقدم المؤرخ تعريفا للعرب, لكنه اعتبر كل الشعوب الساكنة منذ القدم في هذه المنطقة العربية من أصل إثني وعرقي واحد, إذ لاحظ كغيره من الباحثين أن حركة الجماعات والقبائل مستمرة منذ بدء التاريخ ولم تنقطع.
يبدأ المؤرخ تقرير واقع أن المنطقة العربية قبل الإسلام كانت واقعة تحت الحكم الأجنبي سواء من الفرس في الشرق, أو الروم في الغرب, حتي أنهم أحيانا أقاموا كيانات عميلة احتلوا من خلالها المنطقة العربية.
جاء الإسلام ليقدم حلا لهذه الشعوب المقهورة، ويحثها على الاستقلال, وقدم نموذجا حضاريا فيما بعد.
كما يرصد المؤرخ الانتصارات السريعة غير المتوقعة، من العرب ودولتهم الوليدة، علي الفرس والروم وهي إمبراطوريات راسخة في القدم, ويعزو أسباب انتصاراتها لأسباب ذاتية تكمن في طبيعة البدوي العربي, وإيمانه بعدالة قضيته, وحرصه الأكيد علي النصر أو نيل الشهادة, وكذلك لعوامل موضوعية مثل الصراعات التي كانت داخل الدولة الرومانية وكذلك الساسانية, ويرصد بكل موضوعية ترحيب الشعوب المقهورة بالحكم العربي الجديد, إما لوجود قبائل عربية أصلا داخل هذه الأقاليم كانت قد هاجرت منذ زمن, أو لأن الحكم الفارسي والروماني كانا فوق احتمال هذه الشعوب.
كما يرصد المؤرخ ظاهرة أن المسلمين – يقصد هنا الأنصار خاصة وبعض المهاجرين – قد أبدوا تذمر حين وجدوا المتأخرين في إسلامهم –يقصد الطلقاء الذين أسلموا عند فتح مكة– قد استحوذوا على السلطة والثروة معا.
كما يرصد أحداث الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين بعدها حتي اليوم.
وفي تشريحه للأوضاع الاجتماعية يتحدث عن أوضاع العبيد, ويقول أن الإنصاف يقتضي القول أن أوضاع العبيد في ظل الحضارة العربية الإسلامية كانت أفضل من مثيلاتها – أوضاع العبيد في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا– حيث أن القيم الإسلامية ورثت هذه الأوضاع وحثت علي حسن معاملة العبيد والتأدب معهم, ومن يخالف أمرا من أوامر المولي, أو يخالف مبدأ حسن معاملتهم؛ تكون الكفارة أن يعتقهم ويطلق سراحهم.
وعلي أية حال فاستعباد الناس من وصمات العار الكبرى في التاريخ الإنساني كله الذي يدعو للخجل منه.
لا ينسي المؤرخ أن يستعين بنظرية ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع السياسي ونظريته عن قيام الدولة, ونظريته تقوم علي أن الحكم وقيام الدول يقوم أساسا علي العصبية والقرابة, خاصة في المجتمعات العبودية والإقطاعية التي عاصرها ابن خلدون, وهو ما يسمي في التحليل الماركسي أن الدولة هي دولة الطبقة في الأساس التي تملك وبالتالي تحكم.
يتفق المؤرخ ألبرت حوراني مع المفكر العربي الكبير الدكتور قاسم عبده قاسم في نظرته للخطر المغولي وتهديده للوطن العربي, حيث أنه يري أن الحروب الصليبية هي الأخطر حيث أنهم كانوا يحملون –أي الصليبين– مشروعا نقيضا للمشروع العربي الإسلامي, يقوم علي اجتثاث السكان وإبادتهم إن أمكن والاستيطان في المشرق العربي, أما المغول فكانت قوة غاشمة تتشابه مع الصليبين في وحشيتهم, إلا أنهم بلا أي مشروع وسرعان ما ذابوا في الحضارة الإسلامية وأصبحوا جزءا منها.
يرصد المؤرخ صعود وانهيار الدولة الأموية, ثم صعود وانهيار الدولة العباسية, ثم الدولة الفاطمية في مصر حتي استنفذت مبررات وجودها وضعفت وتآمر حكامها مع الإفرنج ضد العرب, وهنا جاء دور صلاح الدين الأيوبي الذي قضي على الدولة الفاطمية، واسترد بيت المقدس, وانتصر علي الصليبين, والمهم أنه امتنع عن ارتكاب نفس المجازر التي ارتكبها الصليبيون وهم يقتحمون القدس.
ولنفس الأسباب التي تقوم وتنهار بسببها الدول والإمبراطوريات – نظرية ارنولد توينبي في التحدي والاستجابة – تقوم الدولة الأيوبية وتنهار, ويأتي المماليك ويقضون علي الخطر المغولي ويقضون تماما علي الصليبين, ثم يأتي الخطر البرتغالي بعد معركة ديو البحرية 1509، ويتوقف الجزء ألأول بظهور العثمانيين.
يرصد المؤرخ سقوط الدولة العربية في الأندلس 1492، ويقول أن التعويض للمسلمين كان فتح القسطنطينية في العام 1453.
ويبدو هنا أن المؤرخ رغم أنه أكاديمي رصين, إلا أنه واقع تحت انطباع شكّل الصورة الذهنية في العقل الغربي والأوربي وهو ذلك التوحد بين ( العربي – المسلم – العثماني ) وهي في ظني صورة خاطئة وانطباعات غير حقيقية.
يسرد المؤرخ تلك الحضارة العظيمة والاختراعات والنظريات والإبداعات التي أبدعها العرب خلال الثمانمائة عام في الأندلس, في حين أن ستمائة عام من دولة بني عثمان والإمبراطورية لا يوجد فيها إسهام حضاري واحد.
يحكي المؤرخ عن الصراع بين أسرتين ينتميان لنفس الجنس التركي (بنو عثمان والصفويون) كلاهما أتراك.. وكيف اضطر إسماعيل الصفوي خلال هذا الصراع ولأسباب دعائية تغيير مذهب الدولة الي المذهب الشيعي الاثني عشري.
يعترف المؤرخ أن الأتراك مختلفين ومتخلفين عن العرب, كما يتسمون بالعنصرية, واحتقار الأجناس الأخرى، ولم يتحلوا بالعدل الذي ميّز الحضارة العربية الإسلامية, ويحكي المؤرخ لنا عن العذاب الذي عاشت فيه الشعوب العربية تحت حكم العثمانيين, وكيف ظهرت الأوبئة والأمراض الغامضة التي ضربت الشعوب العربية وجعلت معدل السكان لا يزيد أبدا
في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر يبدأ موسم الاتفاقيات التي تبرمها الدول الأوربية للسماح للأوربيين باستعمار بلاد عربية بموافقة عثمانية.
يتحدث بشكل سريع عن تجارب استقلال الشام ومحاولة بشير الشهابي, وكذلك محاولة محمد علي في مصر.
يسجل هنا المؤرخ ذلك الاصطفاف الأوروبي مع السلطان العثماني ضد محمد علي وجيش القائد إبراهيم ومعاهدة لندن 1840، ويرصد أيضا سلوك خلفاء محمد علي الذين استجابوا لضغوط بيوت المال الأوروبية المتعطشة لتصدير فوائض رأس المال لإغراق مصر في الديون.
كما يسجل المؤرخ دخول إسبانيا إلى الجزائر والصحراء المغربية قبل الغزو الفرنسي للجزائر في العام 1830، ثم الاحتلال البريطاني لعدن 1839، وسبق ذلك اتفاقات الحماية البريطانية مع البحرين والإمارات والمشيخات العربية, ثم احتلال فرنسا لتونس 1881، ثم احتلال بريطانيا لمصر 1882.
بطبيعة الحال يرصد المؤلف الواقع الاجتماعي من اقتصاد وتعليم وصحة في المدن العربية في بداية القرن العشرين؛ حتي يصل إلى ثورة يوليو 1952.
يقول المؤرخ أن الناصرية هي التي أيقظت في العرب الشعور بالكرامة, وأكدت علي حقيقة أنهم أمة واحدة.
يتحدث المؤرخ عن ميشيل عفلق مؤسس ومنظر حزب البعث العربي السوري المسيحي الذي يرى أن هذه الأمة التي وحّدها الإسلام والتاريخ المشترك والمصير الواحد هي أمة واحدة ذات رسالة خالدة.
يرصد كذلك المؤرخ الحركة الناصرية وتأثيرها وطموحاتها وإنجازاتها وانتصاراتها المتتالية حتي أتت هزيمة يونيو العسكرية في العام 1967،
بوفاة عبد الناصر في العام 1970 عادت الأمة العربية إلى سيرتها الأولى؛ برغم التوحد المؤقت الذي حدث في العام 1973, وبدا أن روح هذه الأمة قد ماتت, خاصة أن السادات اختار الحل المنفرد وخسرت مصر أمتها العربية.
وقد حاول آل سعود وصدّام حسين ملء الفراغ الذي نشأ عن غياب مصر عن قيادة الأمة العربية إلا أن تلك المحاولات لم تصادف نجاحا.
المتغير الأهم من وجهة نظر المؤرخ هو الثورة الإيرانية وانتصارها في فبراير 1979، ثم اجتياح بيروت وبروز دور المقاومة.