رؤى

متابعات عربية: دوافع إعادة فتح المعبر الحدودي.. بين ليبيا والسودان

بمناسبة مشاركته في افتتاح منتدى اقتصادي، نظّمته الغرفة الاقتصادية الليبية السودانية المشتركة، تحت شعار “المنطقة الحرة لتجارة العبور”، أعلن رئيس حكومة “الوحدة” الليبية المؤقتة، الاثنين 31 أكتوبر الماضي، فتح المنافذ البرية المغلقة مع السودان. وفي كلمته، أكد الدبيبة على أن هذه أول مرة يسمع فيها أن الحدود مغلقة بمرسوم أو قرار؛ وتابع “سنعمل على تطوير التعاون الاقتصادي مع كل دول الجوار، وعلى رأسها السودان”.

وكان قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، قد سبق وأمر بإغلاق الحدود “الليبية – السودانية”، التي تمتد لمسافة 383 كم، من النقطة الثلاثية مع مصر في الشمال إلى النقطة الثلاثية مع تشاد بالجنوب، في يناير الماضي، على خلفية ما وُصِف بتصاعد خطر نشاط فصائل المعارضة المسلحة السودانية على الشريط الحدودي مع ليبيا.

عوامل سياسية

يثير إعلان إعادة فتح المعبر الحدودي بين ليبيا والسودان، العديد من التساؤلات حول الدوافع والأهداف وراء اتخاذ هذا القرار، وحول توقيته. ولعل أهم تلك الأهداف من وراء اتخاذ هذا القرار.. ما يلي:

تفعيل الاتفاقيات بين ليبيا ودول الجوار عبر تأكيده على ضرورة تطوير التعاون الاقتصادي مع كل دول الجوار “وعلى رأسها السودان” إذ يحاول الدبيبة وحكومته فتح خطوط تعاون جديدة مع دول الجوار الجغرافي، خصوصًا من الناحية الجنوبية؛ لأن كل المعاملات الاقتصادية والأمنية لا تتجاوز كل من تونس غربًا، ومصر شرقًا. ومن ثم، تأتي أهمية السودان، الذي يتمتع بثروات مائية عذبة، يمكن أن تُسهم في تغذية النشاط الفلاحي في مدن الجنوب الليبي.

أهمية السودان بوصفها دولة جوار: لا تتوقف أهمية السودان بالنسبة إلى ليبيا، فقط على ثروته المائية، ولكنه إضافة إلى ذلك يتمتع بثروة حيوانية مهمة؛ وهو ما يمكن أن يُساهم في تشكل قوة حماية أمنية مشتركة، بين ليبيا والسودان، تُهيئ المجال لفتح قنوات اقتصادية جديدة. ويبدو أن قرار إعادة فتح المعبر الحدودي بين البلدين، قد جاء بناءً على اللقاءات الدبلوماسية التي تمت بين كل من وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، ونظيرتها السودانية مريم الصادق المهدي، في عدة محافل دولية.. أبرزها: مؤتمر “جنيف – 2″، ومؤتمر “الجوار الليبي” في الجزائر.

محاولة تفعيل مكانة حكومة “الوحدة”: يرى الكثيرون أن مثل هذا القرار، بإعادة فتح المعبر الحدودي بين ليبيا والسودان، يأتي في إطار “القفزة الدعائية” لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية؛ حيث إن هذا المعبر، والحدود الليبية مع السودان عموماً، تخضع لسيطرة قوات الجيش الليبي، في شرق ليبيا، منذ أن كلفت كتيبة “سبل” من مدينة الجفرة الحدودية بتأمينها ومكافحة الهجرة غير الشرعية، أو أي ظواهر سلبية أخرى.

وبالتالي، يأتي قرار إعادة فتح المعبر، بمثابة “قرار سياسي” في محاولة حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها الدبيبة، لـ”إثبات الوجود”، على المستوى المحلي والإقليمي، حيث الجوار الجغرافي للدولة الليبية.

معوقات هيكلية

في حين يرى البعض، من المتابعين للشأن الليبي، أن إعادة فتح المعبر الحدودي يُعد أمرًا مهماً بالنسبة إلى ليبيا، حتى لا تبقى في عزلة عن محيطها الجغرافي، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا؛ يرى البعض الآخر أن “قرار الدبيبة غير صحيح”، باعتبار أن الشريط الحدودي المشترك بين ليبيا والسودان، تقوم باستغلاله مجموعات مسلحة لتهريب البشر والسلاح والتجارة الموازية.

واللافت، أن ثمة إشكاليات هيكلية يمكن أن تؤدي إلى معوقات أمام انسيابية “تجارة العبور”، بين ليبيا والسودان.. لعل أهمها ما يلي:

نشاط الحركات المسلحة على جانبي الحدود: تتسم الحدود بين ليبيا والسودان بأنها حدود مفتوحة على أراضٍ متنوعة، ما بين الجبال وأشهرها سلسلة جبال عوينات، وأراضٍ منبسطة وصحراوية؛ ورغم هذا التنوع فإن العوامل الجغرافية لم تؤثر عليها، وإنما أسهمت العوامل الجيوسياسية في طريقة تعامل حركات المعارضة السودانية المسلحة مع هذه الحدود، حيث برزت حركات التمرد وتكاثرت، واتخذت من جنوب ليبيا مراكز تحرك لها، خاصة بعد انفجار الحرب في إقليم دارفور غرب السودان، عام 2003. وقد ساعد ذلك النشاط المسلح، على إغلاق السودان لحدوده مع ليبيا، في يوليو 2010، لمنع الحركات المسلحة من المرور عبر جنوب ليبيا إلى دارفور.

وبعد أحداث الانتفاضة الليبية، في فبراير 2011، أعيد فتح الحدود بين ليبيا والسودان، لتسهيل عودة ألاف السودانيين العالقين في ليبيا. وظلت هكذا إلى أن أمر المشير خليفة حفتر، بإغلاق الحدود مرة أخرى، في يناير الماضي.

الغياب الأمني وفوضى انتقال السلاح: ساهم التداخل القبلي بين ليبيا والسودان، في تشارك الأخير في الصراع الدائر على الأرض الليبية، وإن كان هذا التشارك بشكل “غير مؤسسي”، من حيث كونه تشارك فرضته ظروف كثيرة؛ فمثلًا هناك قبائل “الحميمات” ذات الجذور المشتركة في كل من السودان وتشاد، والتي لها ارتباط مع قبيلة “المقارحة” الليبية، وبعض الأسر الليبية؛ لذلك تشارك مع قوات الجيش الليبي بقيادة حفتر، من هذه الزاوية.

أضف إلى ذلك، الصراعات القبلية على الأرض في جنوب ليبيا، وعنصرها الرئيس قبائل “التبو” أو “القرعان”، التي تمتد حتى شمال تشاد والنيجر، وهو الصراع الذي ساعد على “فوضى السلاح” على جانبي الحدود بين ليبيا ودول جوارها الجغرافي، وفي مقدمتها السودان. هذا، فضلا عن قبائل “الطوارق”، التي يصل تعدادها إلى 1.2 مليون شخص، وتتمدد على طول الحدود الليبية مع كل دول جوارها الجغرافي.

وبسبب هذه الفوضى، وبسبب تفاقم الأحداث على الساحة الليبية، انتقلت كميات كبيرة من الأسلحة، قُدِّرَت بأكثر من 10 آلاف قطعة، وصلت إلى دول الجوار، وبخاصة النيجر ومالي وتشاد والسودان، ومنها إلى كثير من دول القارة الأفريقية؛ لذلك، تأثرت دول كثير بالأزمة في ليبيا، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

عدم تفعيل اتفاقية حماية الحدود: لم تأخذ الدول “الأربع” المتشاركة في الحدود الجغرافية، ليبيا والسودان وتشاد والنيجر، إشكاليات المنطقة الحدودية بينها بالجدية اللازمة، إلا في عام 2018، عندما وقعت معًا اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، بهدف تأمين الحدود المشتركة ومكافحة الجرائم العابرة للحدود بمختلف أشكالها. رغم ذلك، لم تُفَعَّل الاتفاقية، حيث فرض التوتر في هذه الدول واقع انتشار قوات مسلحة متمردة؛ بالإضافة إلى التهريب والتنقيب العشوائي عن الذهب، وتجارة وتهريب البشر إلى أوروبا عبر الحدود الليبية، وهي التجارة التي تعد من أكثر القضايا المؤرقة لهذه المنطقة، التي يصعب مراقبتها دون قوات عسكرية مشتركة من الدول الأربع المتشاركة فيها.

إثبات وجود

في هذا السياق، يمكن القول بأن منطقة الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان، مضافًا إليهما تشاد والنيجر، هي منطقة تتضمن إشكاليات كبرى، خاصة وأنها أضحت بوابة للهجرة غير الشرعية، وبيئة خصبة لنشاط الجماعات الإرهابية. ومن ثم، فهي تحتاج إلى أكثر من مجرد التوقيع على اتفاقيات بين الدول المتشاركة فيها، حيث إن آليات النشاط “غير الشرعي” المعقدة على جانبيها، تحتاج إلى أكثر من وضعها قيد التنفيذ في بيانات المسئولين؛ بل، تتطلب جهدا أكبر لمراقبة هذه الحدود التي تصعب متابعتها بشكل لصيق.

لذلك، يبدو أن قرار الدبيبة بإعادة فتح المعبر الحدودي بين ليبيا والسودان، هو مجرد “قفزة سياسية” لإثبات الوجود، أكثر منه قرار واقعي يرتكز على محفزات الأهمية السياسية والاقتصادية للسودان بالنسبة إلى ليبيا؛ تلك الأهمية التي تتطلب إجراءات هيكلية لمراقبة وتفعيل التعاون بين الدولتين عبر الحدود المشتركة بينهما.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker