رؤى

متابعات عربية: التوتر المغربي الجزائري.. الغاز النيجيري “نموذجًا”

بشكل واضح، بدا التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية من خلال القمة العربية رقم “31”، التي انعقدت في الجزائر، خلال الأيام القليلة الماضية.. فقد غاب الملك المغربي محمد السادس عن حضور القمة، فضلًا عن الخلافات بين وفدي البلدين، التي ظهرت للعيان خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب، التي سبقت القمة بيومين.

ورغم الدعوة المفتوحة التي وجهها الملك محمد السادس، إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لزيارة المغرب لأجل الحوار، في أثناء انعقاد القمة.. إلا أن الاختلاف بين البلدين قد وصل إلى مرحلة الأزمة، في العلاقات الدبلوماسية بينهما؛ وهو ما يبدو من خلال التنافس بين الدولتين الجارتين في شمال أفريقيا، على أكثر من مستوى، وفي أكثر من ملف.

ضمن أهم هذه الملفات، يأتي ملف الغاز النيجيري؛ حيث تسعى كل من الدولتين العربيتين المغاربيتين، لإنجاز مشروع أنابيب للغاز مع نيجيريا، في ظل معوقات مالية وجغرافية وأمنية؛ حيث وقّع المغرب ونيجيريا والمجموعة الاقصادية لدول غرب أفريقيا “سيدياو”، على مذكرة تفاهم، الخميس 15 سبتمبر، تأكيدًا على التزام جميع الدول التي سيعبرها أنبوب الغاز “المغرب – نيجيريا”، بالمساهمة في تفعيل هذا المشروع.

وكان وزراء الطاقة في الجزائر ونيجيريا والنيجر، قد قاموا بالتوقيع، في يوليو الماضي، على مذكرة تفاهم، لتسريع وتيرة تنفيذ مشروع أنبوب “الغاز العابر للصحراء”، الذي يبلغ طوله نحو 4000 كيلو متر؛ وهو ما يطرح التساؤل حول دوافع هذا التنافس، المغربي الجزائري، بخصوص الغاز النيجيري.

محمد السادس وتبون

توتر متصاعد

اللافت، أن نيجيريا ترى في المشروعين، مع المغرب ومع الجزائر، تكاملًا يصب في صالح مشروعها لتصدير غازها الطبيعي.. وهذا هو ما أكد عليه وزير الطاقة النيجيريتميبري سيلفا، قبل حوالي عام، في 21 سبتمبر من العام الماضي، على هامش مشاركته في مؤتمر “غاز تك” للغاز، الذي أُقيم في دبي؛ حيث علّق على أخبار بخصوص استبعاد أحد المشروعين لصالح الآخر، قائلا “يمكننا إنجاز المشروعين على التوازي، الغاز الذي سيمر عبر المغرب سيُنقل إلى أوروبا، فيما سنوجه الغاز الذي سيصل للجزائر إلى دول أفريقية”.

وهو ما يوضح، في الوقت نفسه، التوتر المتصاعد في العلاقات بين المغرب والجزائر، والذي يأتي الغاز النيجيري، وإشكاليات الغاز عموما، أحد أسبابه. ففي 24 أغسطس من العام الماضي، أعلنت الجزائر رسميا قطع علاقاتها مع المغرب، بعد أسابيع من التوتر والتصعيد بسبب خلافات متنوعة، في مقدمتها اختلاف المواقف بينهما بخصوص الصحراء الغربية.

ولم تكن هذه الخطوة الدبلوماسية، المُعبرة عن التوتر المتصاعد بين البلدين الجارين، لتمر دون تأثير على عدد من مجالات التعاون بينهما، وعلى رأسها مجال الطاقة؛ إذساهمت هذه القطيعة في إنهاء مشروع خط الغاز المغاربي الأوروبي، الذي كان يربط الجزائر بأوروبا، مرورا بالمغرب، الذي كان يؤمِّن 97 % من احتياجاته الداخلية من الغاز، من نصيبه من هذه العملية، التي تضمن للجزائر عائدا ماديا، وتضمن لإسبانيا والبرتغال نصيبا مهما من احتياجاتهما من الطاقة.

خط الغاز المغاربي الأوروبي
خط الغاز المغاربي الأوروبي

دوافع وأهداف

مع التوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر، ومع محاولة كل منهما تفعيل التحالفات الإقليمية الخاصة بالطاقة، وتحديداالمتعلقة بالغاز النيجيري؛ تبدو مجموعة من  الدوافع والأهداف، التي ساهمت في توقيع كل منهما على مذكرة تفاهم مع نيجيريا، بخصوص الغاز.. أهمها ما يلي:

أولًا، التغيرات والتحولات العالمية فيما يتعلق بأمن الطاقة؛ إذتبدو أهم التداعيات المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية، تلك الخاصة بإنتاج وتصدير الطاقة، حيث شهدت الأسواق العالمية اضطرابا غير مسبوق، في ظل التوظيف السياسي لورقة الغاز، كورقة ضغط متبادلة بين روسيا والغرب؛ وهو الأمر الذي تطلّب فتح دوائر اتصال جديدة، من جانب أوروبا، داخل الأسواق البديلة خصوصا في القارة الأفريقية.

إذ تسعى القارة العجوز – منذ فترة- لمُراقبة تطور المشاريع الأفريقية الخاصة بالغاز، بجانب السعي لتنويع مصادرها من الطاقة، لتخفيف الاعتماد على روسيا، التي يبدو أنها تستعد لحرب مع أوروبا، محورها الطاقة، بسبب الأزمة الأوكرانية الأخيرة.

ثانيًا، عودة التحرك صوب العمق الأفريقي وصناعة تحالفات قوية؛ حيث يمثل أنبوب الغاز الجزائري العابر للصحراء، وأنبوب الغاز الرباط/ أبوجا، من المنظور السياسي، والجيوسياسي أيضا، محاولة “مغاربية” في التحرك صوب العمق الأفريقي.

فمن جانب، سيفتح هذا المشروع الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب أفريقيا، من بوابة الغاز النيجيري؛ حيث يسعى المغرب ليكون ضمن مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية، وهي سوق نشطة وواعدة في القارة الأفريقية. وهو ما يعني أن التوجه الجيوسياسي للمغرب، بات يُركز على العمق الأفريقي، ربما أكثر من العمق المغاربي. والملاحظ، أن هذا التوجه المغربي ليس بجديد، فمنذ أن عاد المغرب، في يناير 2017، إلى الاتحاد الأفريقي، وطلبالانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حينها حسم المغرب أولوياته في التحرك صوب العمق الأفريقي.

من جانب آخر، فإن الجزائر تحاول تغيير البوصلة نحو القارة الأفريقية، التي باتت المكان الأنسب لتصدير منتجاتها، بعد أن واجهت معوقات كبيرة في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفي ظل غزو المنتجات الآسيوية، وخصوصا من الصين والهند، منطقة التبادل التجاري العربية. ومن ثم، تحاول الجزائر التركيز على الأسواق الأفريقية، في ظل علاقاتها الطيبة، سياسيا واقتصاديا، مع دول القارة. وبالتالي فإن فكرة الطريق العابر للصحراء، هي فكرة ذات بعد سياسي تستهدف فك العزلة وتعزيز التجارة بين شمال وجنوب الصحراء (الأفريقية الكبرى)، حيث تُمثل الدول الست المتشاركة في المشروع 27% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة الأفريقية، بمجموع 25% من سكانها.

ثالثا، رفع مستوى التبادل التجاري مع الدول الأفريقيةوأوروبا؛ حيث تستهدف الجزائر تعزيز مكانتها الاقتصادية، عبر تدعيم دخولها منطقة التجارة الأفريقية الحرة؛ لذا تسعى الحكومة إلى تحويل الطريق العابر للصحراء، الذي يربط الجزائر بالعاصمة النيجيرية لاغوس، إلى رواق اقتصادي بامتياز، حيث يمكن ترقية وتسهيل المبادلات التجارية. فمن خلال ثلاثية مناطق التجارة الحرة والطريق العابر للصحراء وموانئ الشمال، تستهدف الجزائر رفع المبادلات التجارية البينية مع الدول الأفريقية إلى قرابة 52%، في مقابل 16 % حاليًا. بل إن الطريق العابر للصحراء، الذي يعتبر شريانا اقتصاديا، سيسمح بتقليص فاتورة النقل الباهظة التي باتت تمثل حوالي 50 بالمائة من قيمة البضائع، إلى ما بين 20 – 25 بالمائة.

أما المغرب، الذي حسم موقفه بالتحرك صوب العمق الأفريقي، خصوصا في غرب أفريقيا، فينظر إلى مشروع أنبوب الرباط/ أبوجا كمشروع اقتصادي بامتياز، ومُربحلكل الدول التي يشملها، سواء المصدرة للغاز أو للدول المستهلكة له؛ حيث يعتبر مشروع الربط القاري، عبر أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، الذي يمتد على طول أكثر من بلد أفريقي نحو أوروبا، مشروعا استراتيجيًا واعدا. إذتبحث نيجيريا ودول أفريقية أخرى عن ممر استراتيجي لإيصال الغاز الطبيعي الأفريقي إلى أوروبا، التي تعد واحدة من أكبر المستهلكين لهذه المادة الحيوية في العالم.بينما ترى فيه أوروبا واحدا من بين الخيارات التي قد يخفف عنها التبعية لروسيا، في مجالي النفط والغاز.

تنافس إقليمي

في هذا السياق، يبدو أن الوضعية العالمية الراهنة في ما يخص أسواق الطاقة عموما، والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، باتت هي المحرك والدافع نحو إنشاء محاور سياسية جديدة في غرب أفريقيا، انطلاقا من أهمية الطاقة؛ حيث أدت التغيرات في موازين القوى، بمستوييها الأمني والاقتصادي، إلى إعادة الدفع بمشروعات أنابيب الغاز المختلفة إلى الواجهة، خصوصا في الدول الأفريقية التي تتمتع باحتياطيات غاز هائلة، مثل نيجيريا التي تمثل مصدرا مهما لتصدير الغاز إلى أوروبا؛ والتي هي، في الوقت نفسه، في حاجة إلى أكثر من ممر استراتيجي لتحقيق هذا الهدف.

ومن ثم، يأتي التنافس الإقليمي بين المغرب والجزائر بخصوص الغاز النيجيري؛ حيث يدفع بالعديد من المؤثرات التي تعزز من مواطن التنافس بين القوتين الرئيسيتين في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، بما يمكن معه القول باحتمال أن نشهد حالة من “صراع الطاقة” بينهما في المستقبل المنظور.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock