بقلم: طارق يوسف، نقلا عن صفحته على فيس بوك
ولد سيد درويش في 17 مارس سنة 1892، وتوفى في 15 سبتمبر سنة 1923، لم يعش سوى احدى وثلاثين سنة فقط.. لكنه ترك لنا وللموسيقى العربية زادًا يكفينا ويكفيها حتى نهاية الدهر..
وسجل اسمه في سجل الخالدين بإنتاج فني هو في حقيقة الأمر نتاج ست سنوات فقط من حياته القصيرة.. أجل إنها ست سنوات فحسب، تلك التي جعلت لسيد درويش هذا التاريخ المجيد، وكتبت لاسمه الخلود على الزمن.. في هذه الفترة القصيرة، أبدع كل إنتاجه الخالد من الغناء المسرحي، ومعظم إنتاجه الغنائي الآخر.. تلك كانت الفترة المحصورة بين عام 1917، تاريخ رحيله من الاسكندرية الى القاهرة… وعام 1923، تاريخ رحيله عن دنيانا إلى الدار الآخرة.
ولد سيد درويش بحي كوم الدكة بالإسكندرية.. وكان والده يمتلك بنفس الحى دكانًا صغيرًا للنجارة.. في هذه البيئة الشعبية المتواضعة، ولد ونشأ سيد درويش.. وعندما شب ألحقه والده بالكُتّاب المجاور لمنزلهم.. وقبل أن يتجاوز السابعة من عمره توفى والده، وترك العائلة الصغيرة المكونة من الصبي سيد درويش، وثلاث بنات والأم، يواجهون الحياة بلا عائل.
ترك سيد درويش الكُتّاب، وانتقل الى مدرسة ابتدائية بحي رأس التين.. وعندما بلغ الثالثة عشر من عمره التحق بالمعهد الديني وكان مقره مسجد أبى العباس. لكن تيار الفن لديه كان جارفًا، فصرفه عن الاهتمام بالدراسة، وراح يتنقل بين الأفراح والحفلات والندوات والموالد يغنى وينشد الأناشيد.. حتى انتهى به المطاف إلى فصله نهائيًا من المعهد، وهو لم يزل بالفرقة الثانية.. وضاقت سبل الحياة في وجه الفتى، واضطرته الحاجة إلى أن يبحث عن عمل يتكسب منه قوت يومه هو وأسرته الصغيرة..
غير أن إحياء الحفلات والأفراح والتنقل بين ليالي الموالد لم يكفه مئونة العيش.. فاضطر إلى العمل في المعمار، يطلى جدران المنازل.. وكان أثناء عمله يردد أغاني “الفواعلية”، ويرددها خلفه زملاؤه في العمل.. وفى عام 1909، تتاح له فرصة ثمينة، حيث يسمعه الممثل “أمين عطا لله” وهو يجلس في مقهى مجاور لبناء كان يعمل به.. فيعجب بأغانيه ويقرر وأخوه “سليم عطا الله”، ضمه إلى فرقة التمثيل والغناء التي كانا يديرانها.. يسافر مع الفرقة إلى الشام في رحلتين متواليتين، ليعود سنة 1914، وقد تشبّع بألحان هذه الأقطار العربية وحفظها، ما أتاح له أن يتمتع بخبرة واسعة في أسرار الموسيقى الشرقية من عربية وتركية وفارسية..
بعد عودته من رحلتي الشام، يمكث بالإسكندرية ثلاث سنوات، حقق خلالها شهرة واسعة مهدت الطريق أمامه، ليرحل إلى القاهرة مصحوبًا بتلك الشهرة.. وخلال إقامته بالقاهرة، قدّم للموسيقى العربية تلك الأعمال الخالدة التي مازلنا نتغنى بها حتى يومنا هذا.
وفى منتصف شهر سبتمبر سنة 1924، يعود إلى مسقط رأسه الإسكندرية، ليكون في استقبال سعد زغلول لدى عودته من منفاه.. وبعد أن أتم تدريب المنشدين والعازفين على أداء النشيد الذي ألفه ووضع ألحانه..
مصرنا وطننا سعدها أملنا كلنا جميعا للوطن ضحية
كما تحايل بمشاركة بديع خيري على القرارات العسكرية التي تمنع الكتابة عن سعد زغلول والثورة، فكتب بديع أغنية “يا بلح زغلول”، ولحنها سيد درويش، تحية لسعد زغلول.. ويلقى ربه، ويدفن بمقابر المنارة بالإسكندرية، ويترك نشيده الأخير، ليتغنى به الناس في استقبال سعد زغلول..
غموض حول سبب وفاته
لقد ساد الغموض سبب وفاة سيد درويش، فهناك روايات عدة حول ملابسات وفاته، فقد فارق الحياة في ريعان شبابه، فلم يتجاوز 32 عامًا.. ومن هذه الروايات، أنه توفي بسبب أزمة قلبية.. ورواية أخري ترجع سبب وفاته لجرعة زائدة من المخدرات، لكن أحفاده نفوا تلك الرواية مستندين على خطاب بخط يده يقول فيه لصديقه أنه أقلع عن السهر وكل ما يصاحبه وينصحه بالتخلي عن المخدرات، واستندوا فيها أيضا على ما ذكر في مذكرات بديع خيري، أن الفنان سيد درويش أقلع عن المخدرات، ويظهر ذلك جليًا في أغانيه التي تنصح الشعب بالابتعاد عن المخدرات.. أما الرواية الاخرى أن سبب الوفاة هو تسمم مدبر من الإنجليز أو الملك فؤاد بسبب أغانيه الثورية، أثناء ثورة 1919، وما بعدها..
وفي خبر بجريدة الاهرام المصرية، بتاريخ 28 ديسمبر 2017، جاء به ما يلي نصا: “تقدم طارق محمود، أحد المحامين، ببلاغ إلى النائب العام قيد تحت رقم 14965 لسنة 2017 طالب فيه باستخراج رفات الفنان الراحل من مدفنه وعرضها على الطب الشرعي للوقوف على أسباب وفاته.. وقال محمود لبوابة الأهرام، إن الاستعمار الإنجليزي وراء مقتل درويش، مشيرًا إلى أنهم وضعوا له السم في الطعام.. وطالب طارق محمود بفتح تحقيقات عاجلة وإصدار قرار بتشكيل لجنة مختصة من مصلحة الطب الشرعي تكون مهمتها استخراج رفات الشيخ سيد درويش من مقبرته الكائنة بمقابر المنارة بالإسكندرية، وذلك لوجود شبهه جنائية، حسب قوله.. ولفت محمود إلى أنه يمكن للطب الشرعي أخذ العينات من الأجزاء التي لم تتحلل، ومنها الأظافر والعظام والأسنان لكشف غموض الوفاة.. مضيفًا أنه لاقى ترحيبًا كبيرًا من أسرة الفنان الراحل، وكذلك من محبيه الذين شجعوني ودعموني لكشف الغطاء عن السبب الحقيقي وراء وفاته”.
وتظل وفاة فنان الشعب يحوطها الكثير من الغموض..