مختارات

الخطاب السياسي للسلطة عندما يعجز عن منح المصريين الأمل في الخروج من الأزمة الراهنة (2-2)

بقلم: حسين عبد الغني، إعلامي وصحفي مصري

نقلًا عن صحيفة مصر 365

حسين عبد الغني

 

 

 

 

أوضحنا في الجزء الأول من هذا المقال، كيف أخفق الخطاب السياسي للدولة المصرية، في تهدئة مخاوف وذعر المصريين، وفي الإجابة على الأسئلة والهواجس التي تدور في أذهانهم ليل نهار، وهم يدفعون فواتير الكهرباء والمياه والغاز، أو وهم يشترون السلع الأساسية والمواد الغذائية… إلخ فيجدونها كلها فوق طاقتهم، فإما ترهقهم إذا استطاعوا شراءها، وتهدد أي مدخر لصروف الزمان وغدر الأيام، أو يتراجعون متحسرين عن شرائها؛ متحملين مشاعر “عجز” أمام أولادهم وذويهم.

اقرأ أيضا.. الخطاب السياسي للسلطة عندما يعجز عن منح المصريين الأمل في الخروج من الأزمة الراهنة (1-2)

في الجزء الثاني نناقش الوظائف الأخرى للخطاب السياسي المصري الحالي..

الافتقاد إلى هدف واضح.. الافتقاد إلى خطة لحل الأزمة:

كان طبيعيا مع الارتباك وعدم التماسك في منطق الخطاب السياسي، في تحديد الجذر الحقيقي للأزمة، وتناقض تفسيراته لأسباب حدوثها، والنهج غير العادل في لوم الشعب الضحية؛ أن يخفق الخطاب السياسي، في تحديد هدف واضح وضوح الشمس، بمقدوره أن يصل لأبسط مواطن في الريف قبل الحضر.

لم يسمع المواطن من الخطاب السياسي، ما يتلهف إلى سماعه، وهو تحديد الهدف الاستراتيجي للسلطة القائمة، تجاه الأزمة. كالقول مثلا بوضوح لا لبس فيه: إن مصر ستنتصر على هذه الأزمة، وأنها ستتخطاها بخطة علمية في مدى زمني محدد: عدة شهور، سنة، سنتين… إلخ. على العكس من ذلك جرى استدعاء خطاب ديني قدري، إلى مجال بطبيعته هو مجال السعي البشري، والاستخلاف في الأرض، والثواب والعقاب مثل: أن الله سينصر مصر ويرزقها، ولن يخذلها. هذا الاستدعاء فضلا عن أنه يضع الالتزام الدستوري بالدولة المدنية الحديثة، محل تساؤل مقلق، ويعطي ممثلي الإسلام السياسي، فرصة الادعاء بأن السلطة تستخدم الدين في السياسة، كما يفعلون هم.. فإنه وهذا هو الأخطر يحيل الأمر إلى معجزات في زمن انتهت منه المعجزات أو علي الأصح؛ فإن المعجزات الوحيدة الموجودة فيه هي: المعجزة الصينية والكورية والفيتنامية والهندية، وكلها معجزات صنعها الجهد والتخطيط البشري، الذي نعلم من سنن الله في الكون، أن النجاح في الدنيا دائما ما يكون حليف من يجتهد ويعمل.. مؤمنا كان أو كافرا.

ومن ناحية أخرى، أعطى الخضوع شبه التام لشروط صندوق النقد الدولي، في ما يشبه التعويم الكامل للجنيه مرة أخرى، وبيع الأصول العامة -في الوقت الأسوأ في تقييم هذه الأصول- والخضوع لابتزاز طبقة الـ10% في عضوية وتوصيات المؤتمر الاقتصادي- شعورا مضاعفا بتخبط السياسة العامة، وتصرفها كغريق في بحر هائج، يستنجد بأي طوق أو حتى “قشة” تُرمى إليه، فيعود إلى نفس “الروشتة” القديمة للسادات ومبارك وسنة الإخوان وخيرت الشاطر.. وهي روشتة صندوق النقد الدولي، ومصالح رأس المال المصري والخليجي، المتحفز لاستغلال لحظة الضعف الراهنة في الاقتصاد المصري، للاستيلاء بأبخس الأسعار، علي ما تبقى من قلاع مصرية، أنتجها في أقل من عقد من التنمية المستقلة في مصر، ومازال البائعون يهدرون أصوله على مدى خمسين سنة ولم تنفد بعد.

لم يعلن الرئيس في أي خطاب، عن هدف مؤداه أن الدولة ستسيطر على التضخم وتوقف غلاء الأسعار، خلال مدة محددة، حتى لو وصل الأمر إلى ما فعلته بعض أكثر الدول رأسمالية، كدول الخليج في فرض أسعار جبرية، لعدد من السلع الغذائية الرئيسية، وأكثر ما وصلت إليه حكومة تبدو قواها خائرة في مواجهة استغلال التجار، وتركهم كأنهم ذئاب جائعة يستفردون بالمستهلك من الطبقتين الفقيرة والوسطى -أنه سيتم إلزام التجار بوضع أسعار السلع، بحيث يراها المستهلك، وكأن ذلك كافٍ أو كان كافيا في أي وقت لخفض الأسعار، أو حتى تركها لقانون العرض والطلب الرأسمالي الذي لا يكفون عن ترديده ليل نهار – أكثر من القرآن- بل ترك المستهلك للاحتكار، وتعطيش السوق الذي يمارسه المستوردون والتجار.

عندما لا يعطي الخطاب السياسي هدفا واضحا للخروج من الأزمة الوجودية، يعجز عن تحقيق أهم وظائفه، بل وأهم وظائف الحفاظ على نظامه السياسي، ألا وهو حشد طبقات المجتمع ونخبه المثقفة لقيادةٍ للرأي العام في اتجاه تحمُّل التضحيات، والعمل الشاق معه ومع إدارته للخروج من الأزمة، ويصبحون في أحسن الأحوال متفرجين على طريقة “..اذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”.

أخطر ما يهدد بلدا هو عدم وجود أمل في المستقبل:

ثورة يناير
ثورة 25 يناير 2011

لقد اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، في السنوات القليلة الوحيدة التي استطاع فيها نظام مبارك، تحقيق معدل نمو مرتفع -عاني مبارك من عقدين كاملين من الركود الاقتصادي 1984-2004- ومثّل هذا مفاجأة لمنظري النيوليبرالية والحزب الوطني وجماعة الوريث، الذين كانوا يتحدثون عن معجزة حكومة أحمد نظيف، ووزير ماليته يوسف بطرس غالي.

لكن في الحقيقة لم يكن في الثورة أي مفاجأة، فثمار التنمية لم تتساقط، ولم تصل أبدا للفقير، وسرقت عوائد معدل النمو المرتفع طبقة الـ10% المهيمنة علي معظم الثروة الوطنية، وأصم مبارك أذنه عن كل دعوات المصريين، والحراك الاجتماعي الذي شهدته مصر على مدى العقد الأول من الألفية الثانية، لوقف الفساد المنهجي، وقطع دابر مشروع التوريث، وضرورة بناء اقتصاد منتج وغير ريعي، فكان سبب الثورة الحقيقي، هو اختفاء أي أمل لدى المصريين في حدوث تغيير، خاصةً بعد جملة مبارك الشهيرة القاصمة لظهر نظامه تعليقا علي غضب المصريين لتزوير انتخابات 2010، “خليهم يتسلوا”.

ولقد جاهر العديد من أعضاء المجلس العسكري، الذي حكم  مصر بعد ثورة يناير، بهذا المعنى بأنهم كانت لديهم تقديرات منذ 2010، أن الثورة على نظام مبارك قادمة لا محالة في 2011.

لا يعطي الخطاب السياسي المصري الحالي للمصريين، كذلك أملا حقيقيا في المستقبل، ولا يظهر أمام شعبه من الخطط العلمية والحاسمة ما يقنع بأنه قادر على قهر الأزمة الحالية والتغلب عليها. ودرس التاريخ يقول إن أكبر خطر على الاستقرار في أي بلد هو انعدام الأمل لدى المحكومين في أن السلطة التي فوضوها بعقد اجتماعي، هي سلطة قادرة على إنقاذهم من أزمتهم وأزمة البلد الخانقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock