ما أعظم تلك اللعبةّ! إنها لا تكف عن إبهارنا.. في جعبتها المزيد دائما من السحر والإثارة.. الحياة بأعمق معانيها تعتمل بقوة داخل هذا المستطيل الذي تحوطه الجماهير بعشرات الآلاف، وتتعلق به قلوب وأحلام مئات الملايين من البشر في أركان العالم الأربعة.. هذا الجنون الذي يتفجر بالمتعة، ذلك الشغف الذي يسري سريان النشوة العارمة.. تلك اللحظات من السعادة الخالصة.. الصراع الذي يحتدم بقسوة، فتحتبس معه الأنفاس؛ لكنه لا يعرف العداوة، إذ تنقشع سحبه بانتهاء اللقاء، فلا نرى إلا مواساة الفرسان وإشادة الرفاق وسلام المتنافسين.. في هذا العالم الذي صار يصطنع أزماته على نحو غير مسبوق من الغباء؛ ويلقي بنفسه في بلاهة عجيبة في أتون الحروب والصراعات – لم يبق للفقراء إلا تلك اللحظات المختطفة من المسرّة البالغة التي تنشرها بينهم الساحرة المستديرة.. بكرم لم نعد نصادفه في عالم اليوم الذي تسوده روح الجشع والأثرة.
انتهت أمس فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم، المقامة بالعاصمة القطرية الدوحة، بفوز المنتخب الأرجنتيني بالكأس الغالية بعد أن حسمت ضربات الترجيح المباراة التي جمعته بنظيره الفرنسي.. جاء اللقاء الذي شهد في وقته الأصلي والإضافي ستة أهداف- مثيرا، مع البداية القوية لنجوم التانجو الذين افتتحوا التسجيل في الدقيقة الرابعة والعشرين، عن طريق ميسي من ضربة جزاء احتسبها الحكم البولندي شيمون مارت شينياك، بعد دفع ديمبلي لدي ماريا داخل المنطقة.. ليضعها ميسي ببراعة أرضية على يسار لوريس الذي تحرّك إلى اليمين؛ لتسكن الكرة شباكه.
إثر الهدف واصل نجوم التانجو السيطرة على اللقاء، إلى أن أضاف دي ماريا الهدف الثاني من هجمة مرتدة منظمة من ثلاث تمريرات، وصلت عند ماك أليستر الذي أرسلها عرضية أرضية، ليقابلها دي ماريا بتسديدة قوية على يسار لوريس أثناء خروج الأخير لملاقاته.
استمرت السيطرة الأرجنتينية بعد الهدف، واستمر الغياب الفرنسي الذي حاول ديشامب، إنهاءه بتغييرين سحب خلالهما ديمبلي وجيرو وأشرك ثورام ومواني.. لكن ذلك لم يغير شيئا في مجريات الشوط الذي أضاف الحكم لوقته سبع دقائق مرت دون هجمات خطيرة على المرميين.
يبدأ الشوط الثاني بهجمة أرجنتينية، من كرة عرضية من اليسار، تصل لرودريجو دي بول، الذي سددها قوية؛ لكن هوجو لوريس كان لها بالمرصاد.
في الربع ساعة الأولى من الشوط الثاني لم يسدد لاعبو فرنسا أي كرة على مرمى مارتينيز، بينما أمطر ميسي ورفاقه مرمى لوريس بسبع كرات، أربع منها كانت تحت العارضة وبين القائمين. في الدقيقة الواحدة والسبعين يستبدل ديشامب، كافينغا وكومان بهيرناديز ورابيو.. ويظهر أخيرا مبابي في المباراة بتسديدة علت العارضة.
التحول الفعلي في سير المباراة، حدث بخروج دي ماريا ونزول ماركوس أكونا، ما قلب الدفة تماما لصالح الفرنسيين.. بعد تحررهم من الضغط الذي مارسه النجم الشاب على دفاعهم.
في الدقيقة التاسعة والسبعين تصل الكرة إلى مواني الذي دخل بها منطقة الجزاء، ليضطر أوتاميندي لإيقافه بمخالفة، يحتسبها الحكم ضربة جزاء يسددها مبابي بقوة على يمين مارتينيز، محرزا الهدف الأول لفرنسا.
قبل أن يفيق الأرجنتينيون من وقع الهدف، أضاف مبابي هدف التعادل من كرة تبادلها مع مايكل ثورام، وسددها قوية من على خط منطقة الجزاء دخلت إلى جوار القائم على يسار مارتينيز.
خلال الوقت المحتسب بدلا من الضائع (ثماني دقائق) كاد مبابي أن ينهي الأمر من خلال كرتين في دقيقة واحدة، أبعدهما الدفاع الأرجنتيني.. بينما نجح لوريس في إبعاد تسديدة صاروخية لميسي إلى فوق العارضة.. لينتهي الوقت الأصلي بالتعادل ويتوجه الفريقان للوقت الإضافي الذي مر شوطه الأول دون خطورة حقيقية على المرميين، ليشهد الشوط الإضافي الثاني تقدم الأرجنتين بهدف لميسي من هجمة مرتدة سددها لاوتارو مارتينيز قوية، ترتد من لوريس إلى ميسي الذي سددها قوية بيمناه إلى داخل الشباك.
ويأتي التعادل من ضربة جزاء احتسبها الحكم بعد لمس مونتييل للكرة داخل المنطقة، ليضع مبابي الكرة قوية على يسار مارنينيز الذي تحرك نحو الزاوية العكسية.
وينتهي الوقت الإضافي بالتعادل ليلجأ الفريقان إلى ركلات الترجيح التي حسمها الفريق الأرجنتيني لصالحة بالعلامة الكاملة، بينما أهدر كينجسلي كومان، وأورلين تشواميني ضربتين للديوك.. ليضحك الحظ أخيرا لميسي ويحصد الكأس الذهبية في المرة الخامسة لحضوره المونديالي الذي بدأ قبل ستة عشر عاما.
وكان المنتحب العربي المغربي، قد حقق المركز الرابع بعد خروجه من الدور قبل النهائي بعد الهزيمة بهدفين دون رد أمام الفريق الفرنسي، في مباراة تسيدها أسود أطلس، وأضاعوا العديد من الفرص، ولم تحتسب لهم ضربتي جزاء مقطوع بصحتهما.. وفي مباراة المركز الثالث التقى الفريق العربي بالفريق الكرواتي الذي تقدم في الدقيقة السابعة بهدف ليوشكو جفارديول، لكن أشرف داري يتعادل بعد دقيقتين، وقبيل انتهاء الشوط الأول بنحو ثلاث دقائق ينجح ميسلاف أورتش في إحراز هدف التقدم للكروات.. ويمر الشوط الثاني في محاولات متبادلة من الفريقين للتهديف، لكنها لا تثمر عن شيء.. لينتهي اللقاء بفوز الكروات بهدفين لهدف وحصولهم على المركز الثالث.
لقد حقق الفريق المغربي بدخوله المربع الذهبي، إنجازا عربيا وإفريقيا غير مسبوق من حقنا أن نفخر به ونبني عليه، فلا مانع من أن نحلم بفريق عربي وأكثر في المربع الذهبي في البطولة القادمة.. ولابد أن تخطط المنتخبات العربية لذلك من الآن، وهي قادرة على تحقيق هذا الإنجاز والمضي بعيدا.. فالفوارق التي يوهمنا الغرب بوجودها ليست واسعة جدا كما يصورون، ونحن لا تنقصنا المواهب ولا الإمكانات.. لنحلم اليوم ونعمل غدا ليكون الحلم حقيقية في القريب بإذن الله.
لقد شهد الجميع لمونديال قطر أنه كان الأروع تنظيما، كما شهدوا بأن المباراة النهائية كانت أروع نهائي على الإطلاق في تاريخ المونديال.. وهذا -لاشك- يمنح الأمل للدول العربية في الحصول على فرص تنظيم البطولة في نسخة 2030، وما بعدها.