على مدى ثلاثة أيام، خلال الفترة من 14-16 ديسمبر، وبمبادرة من مركز “السياسات من أجل الجنوب الجديد”، استضافت مدينة مراكش المغربية الدورة الحادية عشرة من منتدى “حوارات أطلسية”، حول موضوع “التعاون الدولي في عالم متحور: الفرص المتاحة في المحيط الأطلسي الموسع”؛ وتأتي هذه الاستضافة لتتكامل مع تحركات مغربية أخرى، في الفضاء الأطلسي الجيواستراتيجي لأجل تعزيز المكانة المغربية على المستويين الإقليمي والدولي.
هذه الدورة، لمنتدى “حوارات أطلسية”، التي تمحورت أشغالها حول موضوعات على علاقة بدبلوماسية المناخ وثورة الطاقة، مرورا بالابتكارات في مجال الزراعة والبنية التحتية؛ قد شهدت مشاركة أكثر من ثلاثمئة وخمسين ضيفا من ستين جنسية حول العالم، يتقدمهم رؤساء دول وحكومات سابقون، بينهم ثلاثة رؤساء سابقين من أمريكا اللاتينية، إضافة إلى وزراء حاليين، وعدد من وزراء الخارجية السابقين، معظمهم من الأعضاء المنتظمين في فعاليات “حوارات أطلسية”، في دورات المنتدى السابقة.
منتديات الحوار
يأتي منتدى “حوارات أطلسية”، ضمن عدد من المنتديات التي يهتم المغرب باستضافتها، خلال السنوات الماضية؛ وهي منتديات تتمثل في حلقات نقاشية وندوات فكرية وملتقيات ثقافية، مع وجود نسبي للقاءات الفردية والجلسات الحصرية، في إطار مناقشة العديد من الأبعاد السياسية والثقافية للقضايا الإقليمية والشؤون الدولية.
واللافت، أن الاهتمام المغربي بهذه المنتديات الحوارية، إنما يتبدى عبر أكثر من جانب..
فمن جانب، يبدو الاهتمام بمنتديات الحوار الاستراتيجي؛ حيث يستضيف المغرب أكثر من منتدى حواري، منها منتدى “أصيلة” الثقافي، الذي يقام سنويا، ويطرح موضوعا محددا من زوايا عدة ووفق خصوصيات كل دولة من الدول التي تشارك في أعماله سنويا. أيضا هناك منتدى “مراكش للأمن”، الذي تحوّل من التركيز على الأمن بالمفهوم الواسع، إلى قضايا ومفاهيم أكثر تخصصا مثل: الإرهاب والأمن الفكري؛ وهو منتدى يرتبط بالنطاق الجغرافي لمنطقة الساحل والصحراء. هذا فضلا عن منتدى “حوارات أطلسية”، الذي ينعقد سنويا على مدى إحدى عشرة دورة متتالية.
وتهدف هذه المنتديات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسة؛ ينصرف أولها، إلى توجيه رسالة معينة، مفادها أن الدول المشاركة فيها عموما، والمغرب في القلب منها، صارت جزءا فعالا في تشكيل المنظومة الإقليمية، في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. كما يتمثل ثانيها، في كونها نافذة مكثفة لمتابعة وفهم شئون دول الإقليم، التي تواجه حزمة واسعة من المشكلات، عبر تقديم “رؤية عن قرب”.
ثم يتعلق ثالثها بطرح الأراء المتعددة بعيدا عن أجواء الأطر الرسمية، التي قد لا تُطرح فيها القضايا المثيرة بصراحة كاملة.
من جانب آخر، يتمحور اهتمام منتدى حوارات أطلسية، حول السعي منذ انطلاقه في عام 2012، إلى إخراج منطقة جنوب المحيط الأطلسي من عزلتها، في النقاش الجيوسياسي العالمي، وذلك بغية تسليط الضوء على إمكاناتها. كما تهدف هذه الحوارات، حوارات أطلسية، إلى تعزيز النقاش.. ليس فقط بين الشمال والجنوب، ولكن أيضا بين ضفتي الأطلسي الجنوبي، أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقد تميزت هذه الدورة بإطلاق الإصدار التاسع من تقرير “التيارات الأطلسية” السنوي، حول “التعاون في عالم متغير: فرص الأطلسي الأوسع”، الذي رُكّزَ فيه على تحليل مختلف التطورات، تلك التي تعيد تشكيل المجتمعات والعلاقات في حوض الأطلسي. أضف إلى ذلك، ما تميزت به هذه الدورة من حضور قضية تغير المناخ، وتحديات الأمن الغذائي في أفريقيا بقوة؛ أيضا، كان للتوترات المتزايدة في العلاقات الدولية، التي بلغت ذروتها في الحرب الجارية بأوكرانيا، والتنافس الصيني الأمريكي، بشكل أعاد حلف “ناتو” وجدلية التحالف عبر الأطلسي إلى صدارة الشئون الاستراتيجية العالمية، نصيب مهم من النقاش.
من جانب أخير، تتضح غايات مبادرة أفريقيا الأطلسية؛ إذ لم يتوقف النشاط المغربي في الاهتمام بمحيطه الأطلسي، عند حدود منتدى “حوارات أطلسية”؛ ولكن اهتمام المغرب، الذي يمتلك أطول ساحل على المحيط الأطلسي، بحسب الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السفير عمر هلال “ليس حديث العهد، بل هو تاريخي واستراتيجي واقتصادي”؛ وذلك في مداخلة له خلال إحدى جلسات منتدى حوارات أطلسية، حول “تعددية الأطراف في منطقة المحيط الأطلسي وآفاق الوحدة”.
وأكد هلال على أن المغرب “كان من أوائل البلدان التي عززت التعاون الأطلسي، ولاسيما من خلال إطلاق “المؤتمر الوزاري للدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي”، في عام 2009”.
وقد تحققت مساعي المغرب في استضافة فعاليات المؤتمر الوزاري “الأول” للدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، في 15 يونيو الماضي، 2022، بعد أكثر من عقد من الزمان على إطلاق الدعوة، بالعاصمة الرباط، وذلك بمشاركة إحدى وعشرين دولة، من بينها خمس عشرة دولة شاركت على المستوى الوزاري. وقد عبر هذا الاجتماع عن مبادرة مهمة، لإطلاق المشاورات السياسية بين دول القارة المحاذية للمحيط الأطلسي، بما يهدف لتعزيز العلاقات السياسية بين هذه الدول؛ وفي الوقت نفسه، توظيف هذا التقارب السياسي من أجل الحفاظ على المصالح المشتركة لـ”أفريقيا الأطلسية”.
أهداف متعددة
ضمن الأهداف المتعددة التي يتغيا المغرب تحقيقها، في الاهتمام بالمحيط الاستراتيجي الأطلسي، سواء عبر “أفريقيا أطلسية”، أو من خلال منتدى “حوارات أطلسية”.. تأتي الأهداف التالية:
فهناك، محاولة تحقيق تحالفات إقليمية استراتيجية؛ فمن خلال المبادرات المغربية الخاصة بالمحيط الأطلسي، على الجانب الأفريقي، يحاول المغرب الدخول بقوة إلى منطقة غرب أفريقيا، من بوابة الحوار والتلاقي الدبلوماسي؛ حيث يسعى ليكون ضمن مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية، وهي سوق نشطة وواعدة في القارة الأفريقية. وهو ما يعني أن التوجه الجيوسياسي للمغرب، بات يُركز على العمق الأفريقي، ربما أكثر من العمق المغاربي. والملاحظ، أن هذا التوجه المغربي ليس بجديد، فمنذ أن عاد المغرب، في يناير 2017، إلى الاتحاد الأفريقي، وطلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، حينها حسم المغرب أولوياته في التحرك صوب العمق الأفريقي.
أيضا هناك محاولة الاختراق الإقليمي في قضية الصحراء؛ فمن شأن نجاح الدبلوماسية المغربية، في إقناع هذا العدد الكبير من الدول، سواء بشكل رسمي عن طريق “أفريقيا أطلسية”، أو في صورة حوار مفتوح من خلال “حوارات أطلسية”، أن يخدم المساعي المغربية لتوظيف التقارب السياسي والاقتصادي والأمني مع هذه الأطراف، للاعتراف بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
ومن المؤشرات الدالة على ذلك، أن عدد الدول التي افتتحت قنصليات لها في إقليم الصحراء بلغ 26 دولة، منها 14 بمدينة الداخلة، و12 بمدينة العيون. وهو الأمر الذي أثار غضب البوليساريو، التي دعت الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات عملية لوقف ما أطلقت عليه الجبهة “الاستفزازات المغربية”؛ كما أثار، في الوقت نفسه، الجزائر، بصفتها الداعم الرئيس للبوليساريو، ما زاد من حدة العداء بينها وبين المغرب.
تفعيل الدور
في هذا السياق، يمكن القول بأن استضافة المغرب لعدد من المنتديات الحوارية عموما، ومنتدى “حوارات أطلسية” بوجه خاص، إنما يأتي في إطار الاهتمام المغربي بالمحيط الأطلسي، كمنطقة ذات أبعاد جيوسياسية واستراتيجية على المستوى الإقليمي والدولي. فإذا أضفنا إلى هذا الاهتمام، مبادرة “أفريقيا أطلسية”، ومشروع أنبوب الغاز “المغرب – نيجيريا”، وأضفنا إلى كليهما مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق.. حينئذ، يتبدى بوضوح السعي المغربي إلى تفعيل دوره في غرب أفريقيا وشمالها، بما يمنح المغرب ثقلا سياسيا أكبر، يساعده على تحقيق الكثير من أهداف سياسته الخارجية التي يتغيا تحقيقها.