تحول إضراب لأحد قطاعات النقل في الأردن، إلى بؤرة تركزت فيها الاحتجاجات الشعبية، التي انتشرت بسرعة إلى عدد من المحافظات، وخصوصا في جنوب البلاد؛ وهو ما تطور مع انتقال الاحتجاجات السلمية إلى تظاهرات ومهاجمة شاحنات وحافلات محملة بالمشتقات النفطية، وإغلاق لطرق رئيسة.
وقد ترافق ذلك مع حملة اعتقالات لمتظاهرين، طالت أربعة وأربعين شخصا، والإعلان عن إصابة العشرات من أفراد الشرطة والدرك، في المواجهات التي شهدت إغلاقا لطرق رئيسة وحيوية في البلاد، ليلة الجمعة 16 ديسمبر.
وفي الوقت الذي تطرح فيه هذه الاحتجاجات، إشكاليات اجتماعية يُعاني منها كثير من الأردنيين؛ فإنها في الوقت نفسه، تُسلّط الضوء على المؤشرات السلبية التي ترسم ملامح المشهد الاقتصادي في الأردن.
قرارات حكومية
جرى الحديث مرات عدة عن اتفاق مع الحكومة لإنهاء الإضراب؛ لكن يبدو أن تصريح رئيس الوزراء الأردني “بشر الخصاونة” قبل أيام والذي قال فيه “إن الحكومة لا تملك ترف دعم المحروقات” قد استفز المحتجين.
وفي محاولة حكومية لاحتواء احتجاجات المواطنين في عدة محافظات، قدّمت الحكومة بعض الحلول من بينها زيادة أجور الشحن؛ فضلا عن تأجيل أقساط البنوك والجهات المُقرِضة للبرامج التمويلية كافة للشهر الحالي، وزيادة دعم “صندوق المعونة الوطنية”، وثبيت أسعار مادة “الكاز” وقود التدفئة الرئيس للفقراء، خلال فصل الشتاء، وتقديم دعم مباشر للأسر الفقيرة، بقيمة مليونين ونصف مليون دينار أردني.
وبحسب تصريحات وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول إلى التلفزيون الأردني، الخميس 15 ديسمبر، فإن “البلاد تعيش ظروفا اقتصادية صعبة، وعلى المواطن تفهّم ذلك”.. وأوضح الشبول، أن 70 % من موازنة الأردن تذهب إلى الرواتب والتقاعد، مُشيرا إلى أنه “جرى تثبيت أسعار المحروقات أواخر العام الماضي، وتثبيت أسعار بعض مواد المحروقات بالكامل من بداية فبراير لهذا العام”.
ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة، فاقمتها ديون تجاوزت الخمسين مليار دولار، وجائحة “كوفيد – 19″، فارتفعت معدلات البطالة إلى ما يُقارب 25% عام 2021، وفقا للأرقام الرسمية.
وقد أظهرت إحصاءات وزارة المالية، التي نشرت على الموقع الإلكتروني للوزارة، في أغسطس الماضي، أن الدين العام للأردن وصل، نهاية مايو 2022، إلى 19.4 مليار دولار، وأن الدين الخارجي قارب 21.4 مليار دولار. ويعني ذلك، بلغة الأرقام، أن ديون الأردن قد زادت بما نسبته 1.2 % مقارنة مع عام 2021؛ وأن مديونية الأردن قد ارتفعت لتصل إلى نحو 41 مليار دولار، وبذلك تصل نسبتها إلى 110.6%من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري.
مؤشرات اقتصادية
ثمة مؤشرات اقتصادية سلبية، ترسم ملامح المشهد الاقتصادي الأردني..
من هذه المؤشرات، تجاوز الدين العام للناتج المحلي الإجمالي؛ إذ وفقا للتوقعات، فإن أداء الأردن الاقتصادي سوف يستمر على النهج ذاته، من حيث تجاوز الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، خاصة أن النفقات الجارية تشكل معظم بنود الإنفاق. والملاحظ، أن زيادة الدين العام هي زيادة متوقعة، لما لها من علاقة مباشرة بـ”عجز الموازنة”، والحصول على ديون من أجل دفع ديون أخرى استحق موعدها، ولا تستطيع الحكومة سدادها من الموارد المحلية.
ولذلك، تبقى التأثيرات الناتجة عن زيادة حجم الدين العام، تأثيرات سلبية؛ ليس فقط على ملامح المشهد الاقتصادي، ولكن وهذا هو الأهم على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين.
أضف إلى ذلك، عجز الموازنة العامة وتضخم الرواتب؛ فمن جهة العجز في الموازنة، فهو يُمثل أكبر مُغذي للمديونية؛ فمشكلة الدين العام في الأردن أن الحكومة، مثلها مثل حكومات كثيرة في الاقتصادات الناشئة، تعتمد على الدين لتمويل النفقات الجارية (الأجور والرواتب، والنفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة)، بشكل رئيس، وهذا ما يُسهم في مراكمة الدين سنويا.
والملاحظ، أن فاتورة رواتب موظفي الأجهزة الحكومية، على اختلاف أذرعها ودوائرها، كما يشير د. عبد الباسط العثامنة، في حوار له (البيان: 17 أغسطس الماضي) إلى 550 مليون دينار شهريا، أي ما يعادل 6.6 مليارات دينار سنويا، وهو رقم يعتبر مكلفا ومرهقا جدا على ميزانية دولة كالأردن؛ حيث قيمة الرواتب السنوية تعادل ما نسبته 54.2%، من موازنة الدولة الأردنية، للسنة المالية الحالية 2022.
تداعيات اجتماعية
تتضاعف حدة المشكلات الاجتماعية بالنسبة إلى ارتفاع المديونية الأردنية، عبر عدد من التداعيات.. أهمها ما يلي:
فهناك، النمو السكاني وارتفاع أسعار السلع والخدمات؛ ورغم أن صندوق النقد الدولي كان قد توقّع في تقرير له، في أكتوبر من العام الماضي، أن يتسارع النمو الاقتصادي الحقيقي للأردن، خلال العام الجاري 2022، مسجلا 2.7%؛ ورغم أن تقرير “آفاق الاقتصاد العربي” الصادر عن صندوق النقد العربي، في أبريل الماضي، كان قد توقع أن يسجل الاقتصاد الأردني نموا بنسبة 3 %، وهي نسبة نمو تقارب تلك التي توقعها تقرير صندوق النقد الدولي، في ظل تعافي الاقتصاد العالمي، والتدرج في احتواء التداعيات الناتجة عن جائحة كورونا..
رغم ذلك، فإن معدلات النمو المتوقعة تلك تضاعف مقابلها النمو السكاني، خصوصا مع موجة اللجوء السوري إلى الأردن، منذ عام 2011، ما ساهم في تراجع مستوى معيشة المواطن الأردني. ومع أن الحكومة قد تعهّدت بعدم فرض ضرائب جديدة، خلال العام الجاري، إلا أن هناك إعادة النظر في تعرفة الكهرباء والمياه، وغيرها من الخدمات، ما يشكل عبئا على المواطن.
وهناك أيضا المتعطلين عن العمل وتزايد نسبة الفقر؛ وهو ما يُسبب قلقا للسلطات الأردنية، حيث ارتفعت أعداد المتعطلين عن العمل، بسبب جائحة كورونا وما خلفته من فقدان للوظائف، بحوالي مئة وأربعين ألف وظيفة في 2020، وذلك بحسب تقدير المرصد العمالي في الأردن.
ورغم تراجع معدلات البطالة، بشكل طفيف، في عام 2021، مع فتح القطاعات الاقتصادية؛ إلا أنها مازالت تُحلق عاليا. فقد بلغ معدل البطالة، خلال الربع الثاني من العام الماضي، 24.8 %، بانخفاض مقداره 0.2 نقطة مئوية عن الربع الأول، وبارتفاع مقداره 1.9 نقطة مئوية عن الربع الثاني من العام الذي يسبقه، 2020، وذلك بحسب الأرقام المنشورة عن دائرة الإحصاءات العامة.
وتبعاً لذلك، أعلنت الحكومة الأردنية عن وضع خطة تقوم في محتواها على خارطة طريق لمدة عامين، تبدأ من عام 2022، لمواجهة هذه المشكلة المرتبطة بازدياد البطالة.
احتمالات مستقبلية
في هذا السياق، يبدو من المنطقي أن يعود ارتفاع الدين العام بشكل يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي، إلى السلوك الاقتصادي للحكومة، ذلك الذي يقوم على التوسع في الاقتراض. وفي إطار مؤشرات حول إقدام الحكومة على اقتراض ثمانية مليارات دولار خلال العام الحالي، يبدو أن الأعباء الاجتماعية سوف تتزايد، خصوصا بالنسبة لذوي الدخل المحدود من الأردنيين.
ولعل هذا ما يُفسر دعوات حجب الثقة عن حكومة “بشر الخصاونة” نيابيا؛ حيث وقع تسعة وأربعون نائبا مذكرة لإقالة الحكومة على خلفية الأحداث الأخيرة. وفي ما يبدو، فإن الأردن أمام خيارين اثنين، لامتصاص غضب ونقمة الشارع: إما إقالة حكومة الخصاونة والإتيان بحكومة جديدة مقبولة شعبيا.. أو المضي قدما في دعم “الرؤية الأمنية” للمشهد، مع بعض قرارات التهدئة للمحتجين، وإن كان هذا الاحتمال لن يتمكن من الصمود طويلا.