اعتبر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن بلاده لا تزال “بحاجة إلى القوات الأجنبية” الموجودة فيها، وهي قوات في معظمها أمريكية؛ مشيرًا إلى أن “القضاء على تنظيم داعش سيستغرق بعض الوقت”.
وقال السوداني في المقابلة التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، الأحد 15 يناير، إن “التهديد للعراق مصدره تسلل خلايا هذا التنظيم الإرهابي من سوريا؛ مؤكدًا “لسنا بحاجة إلى قوات تقاتل داخل الأراضي العراقية”.
وفق الصحيفة الأمريكية، فإن تأكيد رئيس الوزراء العراقي على أن القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، يحتاج إلى المزيد من الوقت، إنما يأتي “إشارة” إلى فِرَق القوات الأمريكية، وقوات حلف شمال الأطلسي “ناتو” التي تقوم بمساعدة وتدريب الوحدات العراقية، في مكافحة التنظيم، لكنها تظل بمنأى عن القتال الفعلي إلى حد كبير.
وقد أشعلت تصريحات السوداني، الذي تولى منصب رئيس الوزراء في أكتوبر الماضي، حالة من الجدل في الشارع العراقي؛ فضلا عن التصريحات السياسية المناهضة له، والمطالبة بضرورة تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية وبقية القوات الأجنبية، من العراق.
أسباب متعددة
بحلول عام 2017، لم يعد تنظيم داعش يسيطر على الأراضي العراقية، واستطاعت القوات العراقية، وبدعم من قوة “المهام المشتركة” من تحرير الموصل، آخر معاقل التنظيم. ومنذ ذلك الحين، احتفظت الولايات المتحدة بوجود عسكري محدود في العراق، لتدريب وتقديم المشورة ودعم القوات العراقية، في مهامها لملاحقة فلول التنظيم. إلا أن داعش أظهر قدرة على الظهور مرة أخرى، عبر تنفيذ هجمات ضد القوات الأمنية العراقية.
ومن هنا أظهرت الحكومات العراقية المتعاقبة، الرغبة في استمرار وجود دعم عسكري أمريكي محدود ومتواصل في العراق؛ رغم معارضة بعض الجهات السياسية الفاعلة في الداخل العراقي، خصوصا تلك التي على علاقة وثيقة مع طهران.
واللافت.. أن ثمة أسباب متعددة يستند إليها رئيس الوزراء العراقي، في المطالبة ببقاء القوات الأمريكية:
من هذه الأسباب، قانونية بقاء القوات الأمريكية لمحاربة داعش؛ بالمقارنة مع حالة غزو العراق، في عام 2003، فإن العمليات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم داعش لها أساس قانوني، فقد كانت موافقة الحكومات العراقية حجر الأساس القانوني لتلك العمليات؛ هذا فضلًا عن دعم مجلس الأمن الدولي، بموجب القرار رقم “2249” لعام 2015، والذي دعا الدول إلى “اتخاذ جميع التدابير اللازمة” لمنع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها التنظيم. ومن ثم أصبحت محاربة التنظيم هدف يسعى إليه المجتمع الدولي كله، وليس العراق فحسب.
أضف إلى ذلك، أن قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال إريك كوريلا، بحسب ما ذكرت صحيفة “اليوم السابع” الأحد 15 يناير، قد قال في تقرير للقيادة المركزية، تناول تفاصيل العمليات التي تقودها واشنطن لمكافحة داعش في سوريا والعراق “إن هناك جيش داعشي بالمعنى الدقيق محتجز في البلدين، ومخاطر إفلاته كارثية”؛ مؤكدا أن “نحو عشرة آلاف من قادة وعناصر داعش، موجودون بمنشآت احتجاز بشتى أنحاء سوريا، وحوالي عشرين ألفا مثلهم في العراق”. وهو ما يُمثل أحد الأسباب الرئيسة لمُطالبة السوداني، ببقاء القوات الأمريكية في العراق، وعدم تحديد جدول زمني لانسحابها.
ومن هذه الأسباب أيضًا، العمل على استقرار الأوضاع العامة في العراق، تأتي تصريحات السوداني، حول التواجد الأمريكي في العراق، في خضم التطورات السياسية التي تجتاح المنطقة، والأبعاد الاستراتيجية لدعوة الولايات المتحدة، العراق لبناء علاقات متوازنة، خاصة مع “الغرب”.
وفيما يبدو، تعمل واشنطن إلى استقرار الأوضاع العامة في العراق، للحفاظ على أسعار الطاقة في السوق العالمي؛ بل وانسيابية عملية تصدير النفط العراقي، بما يخدم المصالح الأمريكية، ويساهم في تخفيف الأعباء عن شركاء الولايات المتحدة من الأوروبيين.
وهذا ما أدركه رئيس الوزراء العراقي، الذي حظي بـ”ستة” لقاءات مع السفيرة الأمريكية في بغداد إلينا رومانوسكي، تلك التي أعطت انطباعًا واضحًا عن دعم الإدارة الأمريكية ومساندتها لحكومة السوداني. أضف إلى ذلك، أن تصريحات السوداني تتزامن مع موعد زيارته المرتقبة إلى واشنطن، بما يُعطي رسالة دقيقة منه، مفادها “الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة”.
كذلك، من هذه الأسباب، الابتعاد عن محاولات استفزاز الجانب الأمريكي؛ من الواضح أن السوداني يحاول جاهدًا الابتعاد عن أية محاولة لاستفزاز الجانب الأمريكي؛ بل على العكس، فهو يعمل على توطيد العلاقات ومحاولة الابتعاد عن الضغوط السياسية التي تُبديها أطراف متحالفة في “الإطار التنسيقي” الذي أوصل السوداني إلى منصب رئيس الوزراء.
ويحاول السوداني إيجاد حالة من التوازن، الذي يتيح له نجاح زيارته إلى واشنطن، وتعزيز الدعم لحكومته، ومنع أي تهديدات ضد الوجود الأمريكي؛ خصوصًا أنه يعلم أن الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) كانت قد وقعت اتفاقًا مع الإدارة الأمريكية، في 31 ديسمبر 2021، ينص على بقاء القوات الأمريكية وبعدد 2000 عنصرًا عسكريًا.
وأخيرًا، التخفيف من حدة التذبذب في سعر الدينار؛ يأتي مؤشر التذبذب في سعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، ليدل على “تنبيه أمريكي حاد”، وتشدد في فرض قيود على تزويد العراق بالعملة الأمريكية؛ وهي رسالة أمريكية إلى إيران، لكي لا تفترض الأخيرة أن مجيء حكومة السوداني قبل شهرين، يعني تسهيلات عراقية أكثر لطهران، يمكن أن تتيح لها “خرق” العقوبات الأمريكية. وبالتالي، فإن “أزمة الدينار” ليست بعيدة عن اختيار السوداني الإدلاء بتصريحات “هادئة”، بشأن الوجود العسكري الأمريكي.
كذلك، يُدرك السوداني الاختلاف بين موقف إيران العلني والفعلي، بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق؛ إذ بالرغم من موقف طهران، والجماعات الموالية لها داخل العراق، من مسألة ضرورة الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، إلا أنها تُدرك تمامًا أن أي انسحاب أمريكي، قد يؤدي إلى عقوبات أمريكية حقيقية على العراق، خاصة مع عجز العراق عن الالتزام بالعقوبات الأمريكية، حيث يحظى باستثناء أمريكي مؤقت، يجدد كل تسعين يومًا، فيما يتعلق بوارداته من الغاز والكهرباء الإيرانيين.. بما يعني أن طهران ستخسر شريانها الاقتصادي الرئيس، الذي يمدها بالعملة “الصعبة”، في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها في إطار العقوبات الأمريكية والغربية عليها.
تصريحات صديقة
في هذا السياق، يمكن القول بأن تصريحات رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إنما تأتي في محاولة من جانبه لكسب ود واشنطن، وتدعيم العلاقات العراقية الأمريكية، لأجل دعم حكومته ومساعدتها على حلحلة بعض المشكلات الأمنية والاقتصادية، التي يعاني منها العراق؛ فضلا عن أن هذه التصريحات تأتي استكمالا وتفعيلا للاتفاق بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية السابقة، حكومة الكاظمي، بشأن تواجد القوات الأمريكية.
ويبدو بوضوح أن السوداني لم يُطلق هذه التصريحات، دون الاتفاق مع “الإطار التنسيقي”؛ فهو مرشح الإطار، و”النظام” في العراق لديه اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، وتصريحات السوداني لا تخرج عن هذه الاتفاقية، وإن كانت محاولة من جانبه لكسب الود الأمريكي عبر تصريحات “صديقة جدا” للولايات المتحدة.