رؤى

الشعب اليهودي.. أي كذبة تلك؟!

في كتابه “أساطير الصهيونية” يرفض جون روز الكاتب والمفكر البريطاني اليهودي ذلك الطرح المتعلق بإطلاق هذا المسمى على مجموعات بشرية لا يربط بينها سوى المعتقد الديني.. ويعزي روز ذلك الرفض إلى أن الديانة اليهودية كانت قد انتشرت من بعد موسى بين الأُمم والأجناس، وأنْ هؤلاء “المتهودين” ظلوا محتفظين بلغاتهم، وأوطانهم وواصلوا ممارسة عاداتهم وتقاليدهم، دون تغيير كبير فرضه عليهم ذلك الانتماء المستحدث.

وكان الدكتور أحمد نسيم سوسة، وهو يهودي عراقي تحول للإسلام أثناء دراسته بالولايات المتحدة، وتخصّص فيما بعد في الدراسات التاريخية المتعلقة بتاريخ العرب واليهود، وله عدة مؤلفات قيمة – قد أكد أنَّ التبشير اليهودي، بدأ بعد كتابة التوراة في بابل، فانتشرت اليهودية في الحبشة والجزيرة العربية وبلاد القوقاز، وبلاد المغرب وغيرها؛ حتى قرَّر أحبارُ اليهود غلقَ باب التبشير في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، كما أشار الدكتور سوسه إلى ما أورده ياقوت الحموي في كتابه المعروف بمعجم البلدان إلى أن “بني قريظة وبني النضير كانوا من القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية في جزيرة العرب، وهم ليسوا من قوم موسى في مصر”.

أساطير الصهيونية

اليهود إذن ليسوا شعبا هم أصحاب دين انتشر لفترة من الزمان بين شعوب الأرض، وفكرة أن هؤلاء قد صار لهم من الخصوصية ما جعلهم ينعزلون عن مجتمعاتهم الأصلية، وأن هذا الانكفاء قد أورثهم تميزا وتمايزا وصل بهم إلى درجة أن صاروا شعبا بكل ما تعنيه الكلمة، فهذا كلام لا أساس له من الصحة، بل هو أكذوبة لا يقوم عليها دليل واحد، والمعروف أن من يتولون مقاليد الأمور في الكيان الصهيوني “الأشكيناز” الآن ترجع أصولهم إلى قبائل الخزر التترية التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي والذين سكنوا بلاد القوقاز بين بحر قزوين والبحر الأسود، جنوبي روسيا الحالية، وهم ليسوا من العبرانيين، ولا علاقة تربطهم من بعيد أو قريب بفلسطين.

يدلي الأستاذ الجامعي والمؤرخ اليهودي” شلوموساند” بدلوه في الموضوع ذاته؛ فيصدر كتابا في عام 2008م باللغة العبرية بعنوان “متى وكيف اخترع الشعب اليهودي؟” كما ترجم في العام التالي إلى الإنجليزية، وقد أكد ساند في كتابه أن اليهود ليسوا عرقا، وليس من العقل أن ينسبهم أحد إلى عرق واحد “فاليهودية دين اعتنقه أناس من شعوبٍ مختلفة، شأنها شأن المسيحية والإسلام بعدها. وأنَّ الوثائق التاريخية لا تؤيّد أسطورة نفي الرومان لجميع اليهود من فلسطين، وإنَّما لمجموعة منهم، وأنَّ نخبةً من المثقَّفين اليهود الألمان، أخذت على عاتقها إطلاق الحركة الصهيونية ومهمة اختراع “قومية يهودية” كردِّ فعلٍ أو تقليد للقومية الألمانية المتوقّدة في القرن التاسع عشر. وأن فكرة عودة اليهود إلى أرض “الميعاد” ظهرت مع مولد الصهيونية، ولم تكن (القدس) إلا أرضا مقدّسة تُزار ولكن لا يسكن فيها اليهود، تماما مثل مكّة التي يحجّ إليها المسلمون ولكن لا يستوطنونها”.

الشعب اليهودي

ولما كانت رغبة الغرب في التخلص من اليهود- أوضح من ان تخطئها عين، لم تكن هناك أرض أنسب لنقلهم إليها من أرض فلسطين، وذلك لما لها من تاريخ مرتبط بالإثنية والديانة اليهودية.. يضيف شلومو “لقد كانت المآسي القاسية التي حلت باليهود، وإغلاق العالم المتنور حدوده في وجه اليهود، هما اللذان أديا في نهاية المطاف إقامة دولة إسرائيل”. ويناقش الكتاب دور الصهيونية في إنشاء هذه الدولة وهذا التصادم الذي حدث ما بين الصهيونية واليهودية، وعن دور تيودورهرتزل، في إقامة الدولة والسعي لتوحيد الرأي اليهودي لدعم إنشاء دولة فوق أرض إسرائيل، وكان من بين الصهيونيين الذين نطقوا بالحق (أحاد هعام) فيقول وهو يشبّه الصهاينة بـ (العبد إذا ملك) “فهم يتعاملون مع العرب بكراهية وقسوة ويتجاوزون حدود الحق”.

المفكر والباحث القانوني والأستاذ الجامعي والدبلوماسي اليهودي الأمريكي الدكتور الفريد ليلينثال المعروف بعدائه الشديد للصهيونية، ولإقامة وطن قومي لليهود، كان هو الآخر قد ألف كتابا بعنوان “اليهود ليسوا عرقا” أكد فيه بالبرهان ومن خلال استناده لمرسالات جرت  منتصف القرن العاشر الميلادي تقريبا بين “خاقان يوسف من مملكة الخزر وبين اليهودي الأندلسي هسداي ابن شبروت الذي كان يعمل في قرطبة مساعدا في الشئون الخارجية لخليفة الأندلس عبد الرحمن الثالث (277ـ350هـ) ـ على أنَّ ملك الخزر المسمى بولان اعتنق اليهودية حوالي سنة 740م، ثمَّ تبعه بعد ذلك نبلاء البلاد ثم الشعب الخزري”. ويذهب د. ليلينثال من ذلك الاستدلال ومن أدلة تاريخية أخرى، أنَّ اليهودية هي ديانة اعتنقتها جماعاتٌ مختلفةٌ ومتباينة في الأصل والعرق.

أما الصحافي والمؤرخ البريطاني اليهودي من أصل مجري، أرثر كويستلر فقد نشر سنة 1976، كتابه “القبيلة الثالثة عشرة: إمبراطورية الخزر وتراثها” بعد بحثٍ دقيقٍ استمرَّ سنواتٍ طويلةً في المصادر الإسلامية والمسيحية والتركمانية، وأثبتَ فيه أنَّ الخزر هم من القبائل التركية التي كوّنت إمبراطورية ممتدّة من البحر الأسود إلى بحرِ القرم، وفي القرن الثامن الميلادي اعتنقوا الديانة اليهودية. وعندما انهارت إمبراطوريتهم، نزح كثير منهم خلال القرنيْن الثاني عشر والثالث عشر إلى بلدن أوربا الشرقية المحاذية لأراضيهم، وعلى وجه الخصوص إلى أوكرانيا، وبولندا، وبيلاروسيا، وليتوانيا، وهنغاريا (المجر) وألمانيا.

القبيلة الثالثة عشرة: إمبراطورية الخزر وتراثها

ليس هذا فحسب ففي التاسع من يونيو عام 1942، صرّح المعتمد البريطاني في القاهرة اللورد موين في إحدى جلسات مجلس اللوردات بأن “اليهود المعاصرين لا ينحدرون من نسل العبرانيين القدامى، وليس لهم أي حق مشروع في الأراضي المقدسة” كما دعا إلى ضرورة الحد من الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين، وقد وصفه الصهاينة بعد ذلك بأنه عدو حاقد للاستقلال العبري، وفي السادس من نوفمبر عام 1944، اغتيل اللورد موين في القاهرة على يد اثنين من جماعة شتيرن، كما أورد المفكر الفرنسي روجيه جارودي في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية الذي أشار فيه إلى أن نسبة المتدينين بين اليهود داخل الأراضي المحتلة لا تتعدى 15% بينما الغالبية العظمى من غير المتدينين، ومع ذلك تجد الجميع يرددون تلك الأكاذيب الفجة عن الأرض الموعودة وشعب الله المختار، ما يؤكد حقيقة أن الصهاينة المغتصبين للأرض العربية لا يتوقفون عن الكذب حتى على أنفسهم.

أما شعبنا العربي في أرض فلسطين الذي تتواصل تضحياته عبر القرون، ويقدم كل يوم دليلا جديدا لا يقبل الشك على امتداد جذوره في أعماق الأرض المقدسة – فلا يحتاج إلى بحث علمي لإثبات انتمائه لهذه الأرض.. فليس أصدق من الدم، حين يتعلق الأمر بالحق الذي سيعود إلى أصحابه يوما ما وإن طال الزمن.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock