في يومين متتاليين، استضافت جيبوتي قمتين، إحداهما قمة مُصغرة شارك فيها رؤساء جنوب السودان سيلفا كير ميارديت، وكينيا وليام روتو، وجيبوتي إسماعيل عمر جيلي؛ أما الثانية فكانت قمة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد). وتأتي هذه القمم، خلال الأيام القليلة الماضية، 11-12 يونيو، لأجل محاولة إقناع طرفي الأزمة في السودان، بإجراء حوار يُنهي القتال الدائر بينهما. وقد حذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، من أن استمرار الصراع في السودان “يُهدد بجر البلاد إلى حرب أهلية واسعة النطاق”؛ مؤكدًا، خلال قمة “إيغاد”، على أن الأزمة “تتطلب حلًا سريعًا وموحدًا من دون تأجيل”.
وكما يبدو، من خلال هاتين القمتين، فإن هناك محاولة واضحة للدخول الأفريقي على مسار الصراع السوداني؛ بما يفتح الباب على مصراعيه أمام عدد من التساؤلات، التي تختص بالدوافع وراء هذه المحاولة، خاصة أن منظمة إيغاد تضم في عضويتها، إضافة إلى السودان، الدول السبع التي تُمثل منطقة “الجوار الإقليمي” للسودان، في شرق أفريقيا. هذا، فضلًا عما تُمثله هذه المحاولة مما يمكن تسميته بـ”تعظيم الدور” الأفريقي في الأزمة، ومحاولة حلها؛ وذلك على حساب الدور العربي الذي يبدو خافتًا.
عوامل رئيسة
تتعدد العوامل وتتشابك، تلك التي تستند إليها محاولة “الدخول الأفريقي” على مسار الصراع السوداني.. ولعل أهم هذه العوامل ما يلي:
أولًا، محاولة تلافي السيناريوهات السلبية للأزمة؛ إذ من الواضح أن الأزمة السودانية يمكن أن تتحول -بصورة تدريجية- إلى ما يشبه قنبلة إقليمية موقوتة؛ ما يدفع منطقة الجوار الإقليمي للسودان، من أن تتحسب لعديد من المشكلات التي يمكن أن تترتب على الصراع العسكري الدائر في هذا البلد.
وإضافة إلى المشكلات العسكرية والأمنية والاقتصادية؛ ومع مقاربة الصراع على الدخول في الشهر الثالث له دون توقف؛ بل ومع إصرار طرفي الصراع على مواصلة الحرب، دون النظر إلى التكلفة البشرية والاقتصادية لها.. لا أحد بإمكانه ضمان مستقبل الدولة السودانية. ومن ثم، تبدو السيناريوهات المستقبلية للأزمة والصراع في صورة سلبية؛ خاصة مع تصاعد المخاوف من مشكلات اللاجئين، وعمليات التهريب، وانتشار الجماعات المسلحة سواء الإجرامية أو المتطرفة.
ثانيًا، إشكالية النتائج العسكرية والقبلية للصراع؛ حيث إن احتمال تفجر التداعيات العسكرية والأمنية للصراع الدائر، فضلًا عن التداعيات القبلية، يمكن أن يساهم في انخراط عدد من الحركات المسلحة، داخل السودان في الصراع؛ وهو ما يساهم في توسيع رقعة الصراع؛ خاصة في ظل عدم قدرة الجيش على حسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ في المناطق الملتهبة، مثل دارفور التي ينتشر بها أكثر من مليوني قطعة سلاح.
أضف إلى ذلك، عبر خبرة الأزمات السودانية السابقة، خاصة أثناء الحرب الأهلية التي أدت إلى انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم؛ أن المنظومة السياسية السودانية تعتمد، في حل مشكلاتها، على المحاور الإقليمية. وبالتالي، فمع الحدود الطويلة مع هذه المحاور، ومع التمدد القبلي مع منطقة الجوار الإقليمي للسودان؛ تُصبح هناك إمكانية لانفجار بعض الصراعات القبلية، وتدخل الحركات المسلحة فيها، وبالتالي انخراطها في الصراع العسكري الدائر، بشكل أو بآخر.
ثالثًا، ارتدادات الصراع على الجوار الإقليمي للسودان؛ فالسودان يرتبط بمنطقة جوار إقليمي معقد، من حيث المكونات القبلية والتشكيلات الإثنية. ومن ثم، تتخوف دول الجوار السوداني من تعرضها لانعكاسات خطيرة، ما لم تحل الأزمة بشكل عاجل وفوري؛ خاصة أن تبعات الصراع ستصيب الغالبية العظمى من الدول، التي لها حدود مباشرة مع السودان.
وكما يبدو، فإن بعض الإثنيات في دول الجوار السوداني، فضلًا عن القبائل ذات التداخلات العرقية مع مناطق التماس على حدود السودان، يمكن أن تستفيد من هذا الوضع، بما يشكل تهديدًا لاستقرار دول الجوار. وطبقًا للمفوضية القومية للحدود السودانية، فإن لدى السودان 47 معبرًا حدوديًا مع دول الجوار، من خلال حدود يزيد طولها على ثمانية الآف كيلو متر. وبالتالي، فإن فرص المعاناة من تبعات الصراع السوداني، سوف تزداد في دول الجوار التي لا تزال تشهد حالة من عدم الاستقرار الداخلي، لاسيما إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، فضلًا عن تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا.
رابعًا، تراجع الدور العربي في حل الأزمة السودانية؛ إذ، بعيدًا عن استضافة السعودية للمفاوضات بين طرفي الصراع السوداني، فإن التناقضات العربية في ملف السودان، تحول دون وجود موقف عربي واضح، بشأن تحديد المسئول عن الحرب، أو عن خرق الهدن المتتالية، وتحميله المسئولية.
واللافت، أن الأزمة غير مُعرَّفة عربيًا، أو حتى دوليًا، إلا على أنها “صراع بين جنرالين”؛ حيث إن الدول العربية لا تنظر إلى الصراع السوداني بوصفه تمردًا من قوى مسلحة، بل تضعه في إطار الصراع على السلطة؛ وهو وضع لم يواجه العرب في أزمات أخرى، كما في اليمن أو ليبيا، كأمثلة.
خامسًا، تعظيم الدور الأفريقي في محاولة حلحلة الأزمة؛ فعلى الرغم من محاولة الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، لعب دور في حل الأزمة السودانية؛ إلا أنه من الواضح محاولاتهما تهميش دور الدول العربية، سواء كان فرديًا أو جماعيًا، خصوصًا تلك التي تتأثر بأزمات السودان، ومنها الصراع الحالي.
بل، إن دولًا مثل إثيوبيا وجنوب السودان، فضلًا عن كينيا، تحاول عدم تمكين جهات أخرى من الدخول على خط الأزمة، وتسعى للحفاظ على ما يمكن تسميته “أفرقة الأزمة السودانية”، مستفيدة من رؤية غربية مفادها منح أفريقيا دورًا أكبر في حل الأزمة؛ وذلك انسجامًا مع انطباع سائد في التعامل مع السودان كـ”بلد أفريقي”، دون النظر إلى هويته العربية.
في هذا السياق، يُمكن القول بأن الدخول الأفريقي على مسار الصراع السوداني، هو محاولة لـ”أفرقة الأزمة”، ومن ثم “أفرقة الحل”. ونظرًا إلى الأهمية الاستراتيجية للسودان، بالنسبة إلى منطقة شرق أفريقيا بشكل خاص، ترى بعض الدول الأفريقية ضرورة تولي الاتحاد الأفريقي، والمنظمات الإقليمية الأخرى، وفي مقدمتها إيغاد، زمام المبادرة للضغط على جانبي الصراع لوقف القتال. إلا أن الصدام العسكري الحالي، وإصرار طرفيه على المضي قُدمًا فيه إلى نهايته، بصرف النظر عن مدى تكلفته الباهظة، يؤكد بأن الأزمة أكبر من قدرات أي دور أفريقي؛ وأن حلحلة الصراع يمكن أن تتم من خلال التعاون مع أطراف أخرى، عربية وإقليمية ودولية، لديها أدوات ضغط على الطرفين.