عام

تعليق المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.. دوافع وتداعيات!

دخلت العلاقات الأمريكية الإثيوبية مُنعطفًا جديدًا، مع إعلان إدارة الرئيس جو بايدن فرض قيود على أديس أبابا، تتضمن تعليقًا للمساعدات الغذائية؛ وقد جاء ذلك عبر تعليق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمساعدات المُقدمة لإثيوبيا، وذلك قبل أن يتخذ برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة قرارًا مماثلًا.

هذا التطور يأتي بعد أن شهدت العلاقات الثنائية، بين واشنطن وأديس أبابا، تحسنا نسبيا، منذ مطلع العام الجاري 2023، بعد فترة من التوتر بسبب أزمة تيغراي.

وتستمد الخطوة الأمريكية الأخيرة أهميتها، من كون إثيوبيا تُعد، منذ فترة طويلة، حليفا إقليميا رئيسا لواشنطن في القرن الأفريقي، فضلا عن أنها أكبر مُتلقٍّ للمساعدات الأمريكية في القارة الأفريقية؛ وهذا ما يطرح التساؤل حول الدوافع الأمريكية من وراء هذه الخطوة؛ إضافة إلى التساؤلات الخاصة بتداعيات الخطوة الأمريكية على إثيوبيا واقتصادها المأزوم أصلًا.

دوافع أمريكية

رغم أن الولايات المتحدة تُعد المانح الأكبر للمساعدات الإنسانية لإثيوبيا، خاصة أن أكثر من “ثلثي” قيمة المساعدات الأمريكية، تأتي في صورة طعام وغذاء؛ ورغم أن قيمة هذه المساعدات تصل إلى حوالي 1.8 مليار دولار، بحسب تقديرات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، لعام 2022، ويعتمد عليها ملايين الأشخاص في إثيوبيا.. إلا أن ثمة دوافع أمريكية في اتخاذ مثل هذه الخطوة.

ولعل أهم هذه الدوافع ما يلي:

أولًا: اتهام إثيوبيا بتحويل المساعدات للجيش؛ فقد كشفت الوثيقة التي أعدتها “مجموعة المانحين للعمل الإنساني”، عن مخطط إثيوبي مقصود يهدف لتحويل هذه المساعدات لخدمة الوحدات العسكرية، عبر التنسيق بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية، وبعض حكومات الأقاليم في إثيوبيا.

واللافت، أن قرار الوكالة الأمريكية إنما يأتي في أعقاب قرار سابق لها، في أوائل مايو الماضي، بتعليق المساعدات الغذائية المقدمة لإقليم تيغراي، في إطار التحقيقات التي أجرتها الوكالة، بشأن سرقة كميات كبيرة من إمدادات الغذاء هناك. ومن ثم يأتي القرار الأخير للتأكيد، مثل سابقه، على عدم وصول المساعدات لمستحقيها، وأن هناك تحويل لهذه المساعدات والإمدادات المخصصة للمحتاجين، في اتجاه آخر بعيدا عنهم.

ثانيًا: دفع إثيوبيا إلى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة؛ إذ جاء إعلان الوكالة الأمريكية بتعليق جميع المساعدات الغذائية لإثيوبيا، بمثابة “القرار الصعب” بحسب المتحدث باسم الوكالة، في بيان، أكد فيه على أن القرار، وإن كان صعبًا “لكنه ضروري لأنه لا يمكننا المضي قدمًا في توزيع المساعدات الغذائية حتى تطبق الإصلاحات”.

وبالتالي، يأتي القرار الأمريكي كخطوة تستهدف دفع الحكومة الإثيوبية إلى تنفيذ إصلاحات ضرورية، بخصوص وصول المساعدات إلى مستحقيها، خاصة أن أكثر من 20 مليون شخص في إثيوبيا، يحتاج إلى دعم غذائي؛ وهو نفس المطلب الذي أكد عليه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن في لقائه، الخميس 8 يونيو، بنظيره الإثيوبي على هامش الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة “داعش”، الذي استضافته الرياض؛ حيث جاء في بيان صادر عن الخارجية الأمريكية، أن بلينكن “رحب بالتزام الحكومة الإثيوبية بإجراء تحقيق في تحويل المساعدات الغذائية الأمريكية ومحاسبة المسئولين”.

ثالثًا: تحذير إثيوبيا من مغبة توجهاتها “الشرقية”؛ حيث يُعد التساؤل حول: هل بات بالإمكان أن تستمر إثيوبيا في التوجه شرقًا، إلى روسيا والصين، على حساب العلاقات الأمريكية؟ تساؤلًا ذا أهمية بالنسبة إلى مستقبل العلاقات الإثيوبية مع الولايات المتحدة. وكما يبدو، فإن الخطوة الأمريكية، بتعليق المساعدات الغذائية، من قبيل التحذير الأمريكي لإثيوبيا من مغبة الاستمرار في التوجه شرقًا، والانفتاح على كل من روسيا والصين.

وتعد إثيوبيا دولة ذات أهمية استراتيجية، لهذه الأقطاب الدولية، نظرًا لموقعها الاستراتيجي، وظهورها كمركز تصنيع، إضافة إلى أهميتها الدبلوماسية كمقر للاتحاد الأفريقي. بل، تزداد أهمية إثيوبيا للصين، كمثال، مع ازدياد نزاع الأخيرة مع الولايات المتحدة، حول فرض العقوبات على شركات التصنيع والتكنولوجيا الصينية، وفي مقدمتها شركة “هواوي”، بما يُمثل دافعًا  للصين لتعزيز تعاونها مع الدول الأفريقية، ومن بينها إثيوبيا، خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات.

أما بالنسبة إلى روسيا، كمثال آخر، فإن إثيوبيا تُعد المستورد الأول للسلاح الروسي، في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا عمومًا؛ حيث بلغت وارداتها وفقا لتقديرات تقرير “سيبري”، لعام 2021، نحو 71 مليون دولار خلال عام 2019.

تداعيات إثيوبية

رغم هذه الدوافع المتشابكة التي تستند إليها الخطوة الأمريكية، في تعليق المساعدات الغذائية المُقدمة إلى إثيوبيا؛ فإن ثمة تداعيات سلبية على إثيوبية، دفعتها إلى انتقاد القرار الأمريكي.

ولعل أهم هذه التداعيات هي:

أولًا: تهديد ملايين الأشخاص بمأساة الجوع؛ فرغم أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة، كانتا قد سبق لهما الطلب من إثيوبيا التخلي عن “نظام” توصيل المساعدات الغذائية، الذي يدعم “سدس” سكان البلاد؛ إلا أن الخطوة الأمريكية، وما تلاها من خطوة مماثلة من جانب الأمم المتحدة، بتعليق المساعدات الغذائية إلى إثيوبيا، تأتي بمثابة تهديد للعديد من السكان بمأساة الجوع.

صحيح أن هذه القرارات تأتي، حسب التصريحات الرسمية، للتأكد من عدم تحويل هذه المساعدات للمقاتلين الإثيوبيين، وأن تصل إلى من يستحقها من السكان؛ إلا أن هذه القرارات ذاتها، سوف تؤدي إلى “مجاعة” بالنسبة لعدد كبير من الأشخاص. ففي إثيوبيا، التي لديها تاريخ من الجوع المميت، يعتمد أكثر من 20 مليونًا من الإثيوبيين، بالإضافة إلى ما يزيد على 800 ألف لاجئ من الصومال وأماكن أخرى، على هذه المساعدات من الغذاء.

ثانيًا: إشكالية مواجهة حركات التمرد والإرهاب؛ حيث تعمل إثيوبيا إلى جانب الولايات المتحدة، على مواجهة حركة الشباب الصومالية المتمردة، وتنظيم “داعش” في  الصومال وامتداده نحو إثيوبيا؛ خاصة مع تزايد نفوذ هذه الجماعات بسبب هشاشة الوضع الأمني في منطقة القرن الأفريقي.

ومع تعليق المساعدات الغذائية، من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة، سوف يزداد أعداد الفقراء، خاصة من يحتاجون إلى مثل هذه المساعدات؛ ومع هذا الوضع، سيجد الإرهاب تربة خصبة، نتيجة لتداخل عوامل الفقر والعوامل الأيديولوجية مع الأفكار المتطرفة، فضلًا عن حالات عدم الرضا العام، من عدم المساواة الاجتماعية والسياسية.

ثالثًا: الانضغاط الإثيوبي نتيجة الحاجة للدعم؛ إذ رغم الانتقادات التي وجهتها الحكومة الإثيوبية للخطوة الأمريكية الأخيرة، فإن أديس أبابا ليست على استعداد لخسارة علاقتها بالغرب عمومًا، والولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص، نتيجة احتياجها للدعم الأمريكي، سياسيًا واقتصاديًا.

بل إن الحاجة الإثيوبية للدعم الأمريكي، لا تتوقف عند حدود المساعدات الغذائية؛ ولكنها تتعدى ذلك إلى احتياجها لموافقة واشنطن، للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. هذا بالإضافة إلى احتياج أديس أبابا لضمان علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، والقوى الغربية، لدعم اقتصادها المأزوم؛ وهو ما يُفسر التصريحات الإثيوبية التي أكدت على التعاون مع واشنطن في التحقيق وكشف المسئولين عن “تحويل المساعدات الإنسانية بعيدًا عن مستحقيها”.

توازن حذر

في هذا السياق، يُمكن القول بأن إثيوبيا، رغم التصعيد الأمريكي تجاهها باستخدام ورقة المساعدات الغذائية؛ إلا أن أديس أبابا تبدو، حتى الآن متمسكة بالعلاقات مع الولايات المتحدة، مع عدم الرغبة في التضحية بعلاقاتها مع حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين. وفي الوقت نفسه، تحاول إثيوبيا تحقيق قدر من التوازن في العلاقات مع القوى الدولية غير الغربية، خصوصًا روسيا والصين؛ وهو “التوازن الحذر” الذي لا يمكن أن يُخل بعلاقاتها مع واشنطن وأوروبا، خاصة أن أديس أبابا تُدرك جيدًا أن حاجة الولايات المتحدة لها، كشريك استراتيجي في القرن الأفريقي، تعادل حاجتها هي إلى علاقات جيدة مع واشنطن.

حسين معلوم

كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock