تعتبر زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى العاصمة السورية دمشق، يوم الأحد الموافق 16 يوليو الجاري – الأولى لرئيس وزراء عراقي منذ عام 2010، والأولى لمسئول عربي على مستوى رئيس وزراء منذ عام 2011.
حملت الزيارة ملفات عدة منها ما يتعلق بـ “مُقاربات أمنية” بين البلدين، فضلًا عن الجانب الاقتصادي، حيث يتقسم البلدان جملة من التحديات، خاصة تلك التي تتعلق بمحاربة تهريب المخدرات والإرهاب العابر للحدود المشتركة بينهما، والتي تصل إلى حوالي 605 كيلو متر.
هذا، إضافة إلى ما يختص بملف المياه، والعجز الحاصل في حصتي البلدين من الموارد المائية نتيجة تحكم تركيا، كونها دولة مصب لنهري دجلة والفرات، في هذه الحصص؛ ووصولًا إلى تثبيت موقف العراق الرسمي، إلى جانب سوريا، في المطالبة برفع العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، منذ 2011.
ملفات متشابكة
المُلاحظ، أن عددًا من الملفات طُرحت على طاولة المباحثات، التي جمعت السوداني مع الأسد؛ منها ما يتعلق بالأوضاع الأمنية ومحاربة الإرهاب وتهريب المخدرات، ومنها ما يختص بالجوانب التجارية والاقتصادية، وغيرها.
وكما يبدو، فإن أهم هذه الملفات هي:
أولًا: تأكيد موقف العراق الرسمي إلى جانب سوريا؛ حيث تبدو أهمية توقيت الزيارة، خاصة أنها تأتي بعد أيام من المناورات والتدريبات العسكرية، التي أجرتها القوات الأمريكية، في 4 يوليو الجاري، على محور المنطقة 55 كيلو، وهي المنطقة التي تتواجد بها قاعدة “التنف” في شرق سوريا. وكما يبدو، فإن هذه المناورات والتدريبات العسكرية، تستهدف ربط القواعد الأمريكية من التنف وصولًا إلى الجزيرة السورية، من خلال حلفاء القوات الأمريكية، من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وفصائل المعارضة السورية المسلحة.
أضف إلى ذلك، أن المنطقة التي تمت فيها المناورات، هي نفسها المنطقة التي تُشكل “المثلث”، الذي تلتقي عنده الحدود العراقية والأردنية مع الحدود السورية؛ فضلًا عن كونها منطقة احتكاك مباشر بين سلاح الجو الأمريكي ونظيره الروسي. وبالتالي، تأتي الزيارة، في هذا التوقيت، كنوع من تأكيد الموقف الرسمي للعراق بالوقوف إلى جانب سوريا؛ وبالتحديد في اصطفاف الأخيرة عبر محور “دمشق، موسكو، طهران”.
ثانيًا: السعي إلى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري؛ فالزيارة تحمل فرصًا كبيرة لكل من البلدين، بخصوص التبادل التجاري والنقل والصناعة؛ بل إن الملف الاقتصادي، يأتي في مقدمة الملفات التي حملتها زيارة السوداني إلى دمشق. فقد أشار فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي للشئون الخارجية، بحسب وكالة “سانا” السورية، إلى أن رئيس الوزراء سيناقش التعاون التجاري والاقتصادي؛ وكذلك “سُبل إعادة فتح خط أنابيب لتصدير النفط في البحر المتوسط، بما يُساعد بغداد على تنويع مسارات صادراتها”.
ومن ثم، استهدفت الزيارة تفعيل التبادل التجاري بين البلدين، خاصة أن الصعوبات التي تواجهها سوريا في مجال الطاقة، يُمكن أن تساهم بتفعيل التعاون بينهما في هذا القطاع.
من الوجهة المُقابلة.. تحتاج السوق العراقية إلى العديد من السلع والمنتجات السورية، سواء الصناعية أو الزراعية؛ وهو ما يدفع الحكومة العراقية، بفضل التقارب الجغرافي، إلى تفعيل التعاون الاقتصادي بين القطرين
ثالثًا: بحث ملف موارد المياه والاختراق التركي للحدود؛ إذ يأتي هذا الملف، ضمن أهم الملفات التي تتشارك بها سوريا والعراق، مثلما تتشاركان في نهر الفرات الذي تتحكم في منابعه الجارة الشمالية لهما معًا.. تركيا. فمع تزايد الضغط التركي على سوريا والعراق، من خلال التحكم في كمية المياه التي تصل إلى البلدين، تتزايد التهديدات البيئية عليهما، فضلا عن تعطيل الزراعة فيهما. وبالتالي، تبدو محاولة تشكيل البلدان “جبهة سياسية موحدة” لأجل الضغط على دولة المنبع.
كذلك ضمن ملف التجاوزات التركية، تأتي مسألة الاختراق المستمر من جانبها للحدود المشتركة معها، العراقية والسورية، بحجة محاربة عناصر حزب العمال الكردستاني؛ بما يعني تعمدها اختراق سيادة الدولتين، وخصوصًا الدولة السورية. ولهذا، جاء تأكيد السوداني، خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الأسد، على “موقف العراق الداعم لوحدة الأراضي السورية، وبسط يد الدولة السورية والقانون على كامل أراضيها”.
رابعًا: تعزيز التعاون الأمني في محاربة إرهاب داعش؛ حيث يسعى البلدان إلى مواجهة ما تبقى من خلايا تنظيم “داعش”، النائمة، والتي ما تزال تُشكل خطرًا وتهديدًا متزايدًا لأمن كل منهما، على خلفية ما تقوم به هذه الخلايا من هجمات إرهابية ضد النقاط العسكرية في كل من البلدين. ولعل أهمية هذا الملف، تبدو عبر ما أفاد به المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، من أن المباحثات تضمنت “آفاق توسعة التبادل في مجالات اقتصادية وتجارية متعددة”، فضلا عن “التنسيق الأمني المشترك في مجال محاربة الإرهاب وتدعيم أمن البلدين”.
وإضافة إلى ما تشهده الجبهة الشرقية المشتركة بين سوريا والعراق، من حراك لتنظيم داعش، وتهديدات من خلاياه بنقل المعدات والأسلحة واستمرار عمليات “التجنيد”، عبر الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين؛ تأتي مسألة تحذيرات العراق من المخاطر التي يُشكلها مخيم “الهول” السوري، الذي يقيم فيه عشرات الآلاف من المرتبطين بهذا التنظيم الإرهابي، لاسيما أن غالبية نزلاء المخيم من نساء وأطفال التنظيم، بما يُزيد من احتمالات توالد “جيل إرهابي جديد”، من هذا المخيم.
وأخيرًا: التعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات؛ فقد أخذت قضية تهريب المواد المخدرة، عبر الحدود المشتركة بين سوريا والعراق، حيزًا هامًا في مباحثات السوداني أثناء زيارته إلى دمشق؛ إذ لا يُخفي العراق انزعاجه من تحول البلاد إلى ممر رئيس لعبور هذه المواد القادمة من سوريا، خاصة “الكبتاغون”؛ في ظل حالة “ضعف المراقبة” الأمنية على الحدود الطويلة بين البلدين، خاصة أن شبكات تهريب هذه المواد السامة، من سوريا إلى العراق، لجأت إلى استخدام عدد من الأنفاق على الحدود بين البلدين، تلك التي تركها تنظيم داعش ورائه، بعد انكساره، في ديسمبر 2017.
وبحسب مستشار السوداني للشئون الخارجية، فرهاد علاء الدين، فقد بحث السوداني تحدٍ وصف بأنه لا يقل خطورة عن الإرهاب “ألا وهو تهريب المخدرات في المناطق الحدودية”؛ مؤكدًا على أنه “اتفق على آليات للتعقب والمتابعة في ما يتعلق بهذا الملف”.
تعاون استراتيجي
في هذا السياق، يُمكن القول بأن زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى العاصمة السورية دمشق، ولقائه بالرئيس السوري، إنما تُعدُّ بداية لفصل جديد من “التعاون الاستراتيجي” بين الجارتين سوريا والعراق؛ حيث يسعى السوداني إلى الاستفادة من مسار تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، في محاولة لحل المشكلات الأمنية، تلك المتعلقة بالحدود المشتركة بينهما، التي أثرت على العراق خلال الفترة الماضية بشكل سلبي.
وبالرغم من المُقاربات الأمنية، التي استهدفها رئيس الوزراء العراقي من زيارته إلى دمشق؛ إلا أن الأبعاد الاقتصادية لم تغب عن مباحثاته مع الرئيس السوري، من منظور أن المصلحة الاقتصادية الثنائية، بين العراق وسوريا، لن تعود بالنفع عليهما فقط، بل ستمتد إلى دول أخرى بالمنطقة، منها لبنان والأردن؛ بما يعني أن العراق وسوريا يمكن أن يُمثلا “حالة ربط” مهمة بين مختلف دول المنطقة.