“هذا الوحش الأزرق يعرف عنا كل شيء.. وبسببه أخفى كل منا بعضا من أحشائه قرب أسوار المدينة منذ زمن بعيد” بهذه العبارة الصريحة ودون أي مواربة تبدأ رواية “ميتافيرس” للكاتب الصحفي السيد شحتة، رحلة البحث عن الذات البشرية الضائعة، في ظل عالم تديره الخوارزميات من وراء ستار.
من البداية.. لا تخفي الرواية محاولتها الجادة، تأصيل حالة التيه التي تعيشها البشرية، في زمن باتت السوشيال ميديا فيه، رقما صعبا؛ حيث صار من ترمز إليهم رواية ميتافيرس بكهنة الخوارزميات، يتحكمون في الكثير من اهتماماتنا وفي أنماط تفكيرنا، بشكل أصبحنا فيه، أقرب إلى الروبوت الذي توجه حركته بـ “الريموت كنترول” وفق تعبير الكاتب.
تنطلق أحداث رواية ميتافيرس – الصادرة حديثا عن دار الفاروق للاستثمارات الثقافية بالقاهرة- من حادثة وفاة الدبلوماسي المصري نشأت أبو عايد، الذي يعمل بالسفارة المصرية بأمريكا، في ظروف غامضة، أثناء تواجده داخل شقته بالمعادي، خلال قضاء إجازة قصيرة بمفرده بالقاهرة.
ومع تكثيف جهود البحث عنه؛ نكتشف اختفاء مسودة كتاب كان يُعدّه عن أشهر الأكاذيب الإسرائيلية، حول الحضارة المصرية القديمة، ورغم أن الفاعل يظل مجهولا إلا أن جميع الخيوط تشير إلى أن الجريمة خُطّط لها وارتكبت عبر الميتافيرس.
الواقع المعاش والواقع الافتراضي
مع تصاعد الأحداث بعد مقتل الدبلوماسي الشهير في ظروف غامضة.. يحتدم الصراع داخل كل شخص من شخوص العمل، في محاولة للفكاك من أسر حياة أجبر عليها، تزدحم بتفاصيل تقهر روحه.. وحياة أخرى يختارها ويصنع تفاصيلها حسب ما يهوى في الواقع الافتراضي.
في واقعة أخرى.. يفقد المبرمج الشاب خالد الوكيل محبوبته، بعد أن دفعته سطوة السوشيال ميديا إلى تعقب تصرفاتها على الميتافيرس؛ حيث يكتشف أنها تفكر ليل نهار في اللقاء الأول الذي سيجمعها بالنجم الهندي شاروخان، عبر أحدث مخترعات مارك زوكربيرج. في ساعة ندم متأخر يحاول المبرمج الشاب جاهدا إصلاح بعض ما أفسدته يداه؛ لكنه يكتشف أن الوقت قد تأخر كثيرا فيسعى جاهدا للثأر من الخوارزميات، بعد أن حولت حياته إلى جحيم، وأضاعت حب عمره للأبد.. بسبب أوهام لا أساس لها من الصحة.
مخلوقات استهلاكية
على جانب آخر.. يدرك الدكتور شوكت الطبيب النفسي، من خلال عدد كبير من المترددين على عيادته، كيف أفسدت الخوارزميات حياة البشر، وحولت كلا منهم إلى مجرد أداة استهلاكية، بعد ارتداده من إنسان حر الإرادة إلى مجرد أداة توظف طوال الوقت، من أجل مضاعفة أرباح الشركات متعددة الجنسية في هذا العالم.
على مائدة الطعام.. يُحدّث الدكتور شوكت بناته، عن الفتاة التي تركت زوجها المستقبلي، قبل موعد الزواج بفترة وجيزة، لمجرد أنها شعرت أنه ليس زوجها المُتخيّل، وهنا نكتشف كم من الجرائم تقترف في كل دقيقة في حق البشر، بواسطة كهنة الخوارزميات الذين يحكمون العالم من وراء ستار، ويتحكمون على مدار الساعة في طرق تفكير وردود أفعال ملايين البشر، عبر السوشيال ميديا.. الخوارزميات جعلت فارس الأحلام في عقل هذه الفتاة على مقاس شخص واحد في هذا الكون هو الممثل الشهير براد بيت.
النداء الأساسي الذي يتردد صداه في رواية ميتافيرس للسيد شحتة من البداية إلى النهاية – هو أن الإنسان يجب أن ينفض غبار الخوارزميات المتسلطة، وأن يعيد اكتشاف ذاته قبل فوات الأوان، ورغم أن المشهد يبدو في مجمله قاتما؛ فإن الأمل يبدو قائما في أن يتحرر الإنسان في لحظة ما من احتلال السوشيال ميديا لبعض أفكاره وقيمه.
عندما تسقط ورقة التوت
ترسم الرواية سيناريو للصورة التي ستكون عليها البشرية في لحظة ما – عندما تسقط ورقة التوت، يستيقظ العالم على زلزال مدمر، ثغرة في الميتافيرس تسمح لكل إنسان عبر مجموعة معينة من الأكواد في الواقع الافتراضي، أن يطلع على تفاصيل العالم السري، لمن يريد من البشر.
ترسم الرواية في قالب سردي مشوق، مشهدا قاتما للعالم في ذلك الصباح الكارثي بامتياز، تنهار حكومات، المئات من حالات الطلاق، جرائم لا حصر لها في كل مكان، الكل يفتش خلف الكل، الفضيحة تعم كل شيء، وتطال الجميع كما لم يحدث من قبل.
هل هي مجرد ثغرة بسبب خلل تقني؛ أم أنها اللحظة التي يقرر فيها كهنة الخوارزميات هدم المعبد على رءوس الجميع، كي يكملوا خطتهم من أجل إحكام قبضتهم على هذا العالم الموعود بالكوارث والنكبات.
لا تمنحنا الرواية إجابة شافية؛ بل تترك النهاية مفتوحة، وعلامات الاستفهام حائرة في انتظار الإجابات شافية تترك لكل قارئ على حدة مهمة الإجابة عنها، مكتفية بدعوة كل إنسان إلى قراءة كتابه قبل أن يأتي من يتلوه نيابة عنه على رءوس الأشهاد.
تطرح الرواية أيضا سؤالا مهما.. الميتافيرس نقمة أنت أم نعمة؟ وهل سيكون سببا في إسعادنا أم مجرد أداة لتحويل حياتنا إلى جحيم؟ وتترك للوقائع وحدها الإجابة، وفي جزء منها تحاول الرواية أن ترصد تأثير الميتافيرس على أدق تفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الأزواج والأهل والأصدقاء.. وهل سيكون سببا في مزيد من التقارب أم يكون جدارا جديدا للعزلة.