عام

رفعت الفناجيلي.. من فن “الأويما” إلى مجد التتويج الكروي (1-3)

بينما كان صوت الشيخ محمد رفعت يصدح عبر المذياع، مضفيا على الأجواء مهابة وجلالا، متسربا إلى منزل الفناجيلي بحارة النفيس بوسط مدينة دمياط القديمة- كان المعلم مصطفى ينتظر أن تضع زوجته مولودها.. وبمجرد أن جاءته البشرى، قرر مصطفى أن يكون المولود سميّا للشيخ الذي تعلق قلبه بصوته منذ سمعه لأول مرة قبل عامين، عند افتتاح الإذاعة المصرية، حيث بدأت بثها بصوت الشيخ الجليل يتلو آي الذكر الحكيم.

مبكرا جدا ظهرت موهبة رفعت الكروية، حين شاهده والده وهو دون السادسة “ينطط” كرة تنس على قدميه ورأسه وكتفيه، بطريقة تشبه طريقة الحواة.. ثم كان التحاقه بالمدرسة الابتدائية سبيله لإشباع ميله الكروي، فكان يخرج من المنزل قبل بدء اليوم الدراسي بنحو ساعتين، ليلتقي الأصدقاء للانخراط في مباراة حامية، حتى سماع جرس طابور الصباح.. عقب سماع جرس “المِرْوَاح” يتجمع الأصدقاء مجددا لاستكمال المباراة التي كانت تمتد لساعة على أقل تقدير.. في تلك المباريات كان النصر دائما حليف الفناجيلي، فلم يكن أحد من أترابه ليضارعه مهارة وفنا.. في المراوغة كان مبتكرا، وفي قطع الكرات كان بارعا.. أما التسديد فحدث ولا حرج عن القوة والدقة.

لم يكن الذكاء لينقص الطالب محمد رفعت مصطفى الفناجيلي الحاصل بتفوق على الشهادة الابتدائية.. لكن فقدان الأب للبصر، وعجزه عن إعالة الاسرة؛ يضطر رفعت إلى ترك الدراسة والعمل بأحد ورش “الأويما” المنتشرة في المدينة المشهورة بصناعة الموبيليا وفنونها.. ولأن “الأويما” هي فن الحفر على الخشب، ولأن رفعت فنان حقيقي من إخمص قدمه حتى مفرق رأسه- لم يستغرق الفتى وقتا طويلا حتى كان من أبرع “صنايعية” المهنة.. ما وصل بأجره اليومي لجنيه.. كان ذلك في مطلع الخمسينات، ورفعت لم يزل حدثا في الخامسة عشرة، يمارس هوايته بفريق النهضة التابع لنادي البلدية.

اختار الفناجيلي مركز ساعد الدفاع الأيمن؛ لرغبته في أن يكون نقطة البداية في بناء هجمات الفريق، فبعد استخلاص الكرة من مهاجمي الخصوم، كان رفعت ينطلق إلى وسط الملعب في مركز صانع الألعاب، ليرسل الكرات البينية للمهاجمين في مواقف سهلة للتهديف، أو ليتقدم بها قليلا في وسط الملعب، ثم يرسل إحدى قذائفه، لتسكن الشباك وسط ذهول الحراس والمدافعين.

قبيل قيام ثورة يوليو المجيدة، زار دمياط فريق وزارة الصحة لكرة القدم، ولا عجب أن هذا الفريق كان يضم نخبة من أبرع لاعبي كرة القدم في القطر المصري منهم: مكاوي وفؤاد صدقي وحلمي أبو المعاطي وسيد صالح وسيد عثمان.. التقى هذا الفريق “الرعب” بفريق نادي دمياط، وكانت مهمة الفناجيلي مراقبة مكاوي ومنعه من التهديف وصُنع الأهداف.. قطع الفناجيلي كما في التعبير الشائع “الماء والنور” عن كابتن مصر، فلم يستطع فعل شيء في المباراة، فلفت الشاب ابن الثامنة عشرة نظر كشاف الأهلي، عبده البقال الذي كان حاضرا للمباراة- بأدائه السلس الراقي الذي مكنه من إيقاف خطورة مكاوي دون ارتكاب أية مخالفة- فعزم على ضم اللاعب إلى فريق النادي الأهلي؛ لكن البقال كان في حاجة للتأكد من موهبة الفناجيلي، وأن هذا الأداء الرائع لم يكن توفيقا استثنائيا؛ فاستبقى فريق الوزارة ليومين بالمدينة، واتفق مع نادي دمياط على لعب مباراة أخرى.. وجاء أداء الفناجيلي في المباراة الثانية أكثر مهارة وروعة من المباراة الأولى.. فكان القرار النهائي بضمه لفريق النادي الاهلي؛ لكن مسئولي نادي دمياط الذي يمر على تأسيسه هذا العام قرن من الزمان، رفضوا طلب البقال وتمسكوا ببقاء اللاعب في النادي؛ فما كان من عبده البقال إلا أن أقنع الفناجيلي بالسفر إلى القاهرة على أن يسوي أمر الحصول على الاستغناء من نادي دمياط في وقت لاحق.

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock