رؤى

هل يُرجئ صندوق النقد الدولي مراجعة برنامجه التمويلي  لمصر مجددا؟

مع اقتراب موعد مراجعة صندوق النقد الدولي لبرنامج مصر، والمقرر لها منتصف الشهر الحالي-  توقّع عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين اعتمد بعضهم على تصريحات لمسئولين في الحكومة المصرية- أن يُرجئ الصندوق، المراجعة التي كان من المفترض أن تتضمن أيضا المراجعة المؤجلة منذ مارس الماضي، كان الصندوق قد وافق لمصر في ديسمبر 2022، على قرض تبلغ قيمته 3 مليار دولار، وفق برنامج زمني يمتد لنحوٍ 46 شهرا، على أن يخضع البرنامج التمويلي لمراجعتين سنويا.. تصرف شرائح القرض على أساسهما.. كانت مصر قد حصلت على 347 مليون دولار فقط من إجمالي قيمة القرض عقب الموافقة عليه.. وأرجِئت المراجعة الأولى بسبب تأخر الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج طرح بعض أصولها للبيع، وعدم انسحاب الحكومة بالكامل من المنافسة في النشاط الاقتصادي. وعدم مواصلة السير في اتجاه التحرير النهائي لسعر صرف الجنيه،

يُرجح الإرجاء، أن الصندوق والبنك الدولي يُرتّبان حاليا لاجتماعهما السنوي الذي سيعقد هذا العام في مدينة مراكش المغربية خلال الشهر القادم.

على إثر تلك الأقاويل بشأن الإرجاء المرتقب- شهدت السوق الموازية ارتفاعا طفيفا في سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري؛ ليقترب من 40 جنيها للدولار الواحد، وكان أقصى ارتفاع له في السوق الموازية قد سجّل 40.15 لكنه ما لبث أن تراجع إلى مستويات أدنى بعد أنباء انضمام مصر لبريكس.

كان الأحد الماضي قد شهد استحواذ شركة “جلوبال للاستثمار القابضة المحدودة” الإماراتية على حصة 30% من أسهم الشركة الشرقية للدخان، مقابل 625 مليون دولار، بالإضافة إلى توفير المشتري مبلغ 150 مليون دولار لشراء مستلزمات إنتاج ومواد خام.

وقد ارتفعت القيمة السوقية للشركة في البورصة المصرية بعد تنفيذ عملية البيع بنسبة 5.91% لتصل إلى1.56 مليار دولار تقريبا، مع احتفاظ الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بحصة قدرها 20.9% من رأسمال الشركة الشرقية.

وفي خطوة ذهب البعض إلى أنها محدودة الأثر- وافق مجلس الوزراء على إصدار مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، التابعة لمجموعة البنك الدولي، سندات بالجنيه المصري، على أمل أن يُسهم هذا الإجراء في زيادة المحفظة الاستثمارية للمؤسسة في مصر، وإتاحة مصادر إضافية بالعملة الأجنبية، لتمويل احتياجات القطاع الخاص، ويهدف إصدار هذه السندات إلى منع حدوث اختلال في المشروعات التي تمولها المؤسسة محليا، وعدم تعريضها لمخاطر تراوح سعر الصرف.

وقد صرّح أحد مسئولي المؤسسة أنها عادة ما تأتي كشريك ذي مصداقية، وتتطلع إلى المساعدة عندما يكون هناك نقص حاد في الدولار، وأن المؤسسة قد أجرت عمليات مماثلة من قبل في بلدان أخرى من الأسواق الناشئة، وهي في مصر تهدف إلى فتح الأبواب أمام الأسواق، وتعزيز المعنويات، تجاه الاستثمارات في القطر العربي الأكثر سكانا.

كل تلك الإجراءات لم تحل إلى الآن دون التفاوت الكبير بين سعري الدولار في السوق الرسمية والموازية؛ والذي نتج عنه حالة عدم استقرار، تزامنت مع تراجع تحويلات المصريين بالخارج، وعدم تحقيق النجاح المنتظر في عملية بيع أصول الدولة المصرية، مع عجز الحكومة عن توفير احتياجاتها من العملة الصعبة، ما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم، إذ أشارت بعض الشركات إلى أن الزيادة السريعة في تكاليف مستلزمات الإنتاج أدت إلى انخفاض النشاط الإجمالي.. وهو وضع لا تنفع معه المسكنات في ظل الارتفاع المتوالي لتكلفة الإنتاج.

إرجاء المراجعة من قبل صندوق النقد قد يعني منح المزيد من الوقت للحكومة المصرية، لتحقيق تقدم أكبر في تنفيذ برنامج الإصلاحات، وقد يعني أيضا أن الصندوق لا يود وضع الحكومة في مأزق يفاقم من أزمتها الراهنة، وربما يدفعها للتحرك في اتجاه معاكس.. بينما يرى البعض أن طريق الصندوق لا يوصل في نهايته إلا إلى مزيد من الإلزامات المجحفة، التي يدفع ثمنها الفقراء دون غيرهم.. فهل بقي للفقراء في مصر ما يستطيعون به دفع هذا الضرر المتنامي؟ خاصة وأن البنك الدولي نفسه قد أشار في أحد بياناته إلى أن حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.. وإلى متى سيحاول البعض تبرئة السياسات الاقتصادية المتبعة من تردي الأوضاع على هذا النحو، دون محاولات جادة لإصلاح يتحمل الجميع فاتورته بعدالة، وليس أضعف فئات المجتمع وأكثرها احتياجا فقط؟

ماهر الشيال

باحث وكاتب ومحرر مصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock