مختارات نقلًا عن هآرتس / جدعون ليفي”
بعيداً عن أعين الجميع وعلى هامش الساحة الخلفية المظلمة يحدث تطهير عرقي، فما ظهر قبل بضعة أشهر كمجموعة عشوائية لأعمال عنف من قبل مستوطنين مشاغبين، يعتدون ويُنكلون بجيرانهم بسادية، ويضربون الشيوخ والأطفال بقضبان الحديد، تنمو أمام عيوننا العمياء وتصل إلى أبعاد وحشية.
هذا الأمر لم يعد مجرد مجموع من الأحداث حدثت بالصدفة، الآن هذا أصبح سياسة، بدعم من النظام أو بغض طرفه عنها، ولم يعد بالإمكان التجاهل، هذا يبدو مثل التطهير العرقي ويتم مثل التطهير العرقي، لذلك هو تطهير عرقي.
في الأشهر الثلاثة الأخيرة قمت بزيارة ثلاث تجمعات للرعاة، الذين اضطروا إلى مغادرة قراهم في أرجاء الضفة الغربية جراء اعتداءات المستوطنين عليهم، وكانت هناك قرى أخرى، ثلاث قرى صغيرة استسلمت وأخليت، وتشتت سكانها في الأرجاء، نسيج حياتها تدمر، آلاف الدونمات “تم تطهيرها” واستولى عليها زعران المستوطنين.
في شهر حزيران الماضي كانت هذه قرية عين سامية، 200 شخص بينهم عشرات الأطفال، الذين هربوا من أجل النجاة بأنفسهم من اعتداءات مستوطني البؤر الاستيطانية التي توجد على سفوح مستوطنة “كوخاف هشاحر”، في شهر تموز الماضي كان تجمع الرعاة في خربة أبو وداد، الذين رحلوا بسبب اعتداءات سكان مستوطنة “حفات متاريم”، وفي هذا الأسبوع كنت في تجمع الرعاة في البقعة، الذين رحلوا للنجاة بأنفسهم وتركوا أراضيهم التي عاشوا فيها في الأربعين سنة الأخيرة، خوفاً من اعتداءات مستوطني “متسبيه حجيت” و”نفيه إيرز” و”متسبيه دانيا”، تنكيل لا يتوقف، بل زاد كثيراً منذ صعود الحكومة الحالية إلى السلطة، لقد أثمر غرسها.
من أجل أن يغادر سكان القرى، الذين يعيشون في ظروف بدائية بدون كهرباء وبدون مياه وبدون أدنى قدر من الخدمات قراهم، يجب أن يحدث شيء ما كبير، هؤلاء الناس هم رعاة شجعان لفحتهم أشعة الشمس والصعوبات، والذين عاشوا في تجمعاتهم عشرات السنين، ولدوا فيها وولد فيها أولادهم، قرروا ذات يوم الاستسلام ورفع الأيدي والمغادرة، وتنازلوا عن الصمود الذي تم وشمه بنكبة 1948 على أمل ألا يتكرر ذلك مرة أخرى.
جميعهم يروون القصة نفسها
لم يعد بإمكاننا الصمود أكثر، الاعتداءات والسرقات والاقتحامات وتهديد الأولاد والحوامات والتراكتورات الصغيرة والحواجز، كل ذلك كان بدعم من “الجيش الإسرائيلي”، المستوطنون يقومون بالاعتداءات لإشباع رغباتهم والجنود يقومون بحراستهم، “الجيش الإسرائيلي” لا يمكنه أبدا ادعاء البراءة والقول بأن جنوده غير متورطين في عملية التطهير العرقي الجارية.
ليس بالصدفة أنهم جميعهم أبناء تجمعات رعاة بدو، هذا هو المشروع التجريبي للتهجير الكبير، هذه مجموعة تجريبية لما قبل النكبة 2، التي تبلورت في عقول “إسرائيليين” أكثر مما نتخيل كحل نهائي للقضية الفلسطينية، وإذا كان هذا المصطلح يثير لديكم القشعريرة فهو حقاً هكذا.
المستوطنون اختاروا قرى أو تجمعات الرعاة كمشروع تجريبي لأنهم في أسفل سلسلة الغذاء الفلسطينية، الأضعف، الذين لا يوجد من يحميهم، لا يوجد لديهم من يتوجهون إليه، سواء شرطة أو جيش أو سلطة، هم لم يؤسسوا لأنفسهم في أي يوم قوة مقاومة مهما كانت ضعيفة مثلما في مخيمات اللاجئين، كل عالمهم هو رعي الأغنام وصراع البقاء الصعب من أجل جلب المياه وزراعة القمح والدفء في الشتاء وإرسال أولادهم إلى المدرسة البعيدة، لا أحد سيهب للدفاع عنهم، ولا أحد سيهتم بمصيرهم، باستثناء بعض “الإسرائيليين” المثاليين، المستوطنون هم أبطال عليهم، وعلى الناس الأضعف منهم، الضعفاء جداً، هم يقومون بتجريب أدوات قبل الأمر الحقيقي وهو الطرد النهائي.
لكن الأمر الحقيقي أصبح موجود هنا، قبل ذلك لم تحدث في أي يوم من الأيام، خلال سنوات الاحتلال، عملية مغادرة لقرى بهذه الأعداد، صحيح أنه أمام 3 ملايين من سكان الضفة فإن الحديث يدور عن نقطة في بحر، ولكن هذه نقطة مسمومة، تبشر بما سيأتي.
ومن أجل طرد الجميع نحن بحاجة إلى حرب يأجوج ومأجوج، ومن أجل تطهير غور الأردن وجنوب جبل الخليل ووسط الضفة الغربية فإنه تكفي المستوطنين بضع مئات من الزعران الذين سينغصون حياة السكان ويجعلونها بائسة جداً، هذه بداية للتطهير العرقي، انظروا، لقد تم تحذيركم.”